تطوير الذات البشرية في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)
محمد ناصر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد ناصر

إن الله خلق الإنسان لأجل غاية بليغة يحقق بها الإنسان أسمى مراتب الكمال والتطور بعد معرفتها على أتم وجه. فالغاية المرتبطة بالخلق ونشوء الإنسان هي العبادة، قال في الذكر الحكيم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات/ ٥٦)، وهذه العبادة لا تتحقق إلا بالخلق والخلق لا يتم إلا بوجود وسط مادي وهي الحياة، فأصل الغاية يتحقق بخلق الإنسان. وتأخذ كلمة (العبادة) منحى واسعاً وشاملاً لتدخل بكافة الأعمال التي يقوم بها الإنسان بتفعيل (النية) لوجه الله لكي تشغل حيزها في كوامن الإنسان وتهيئته نحو الصلاح والخير، فهي لا تقتصر على الصلاة والصيام وأداء الواجبات الواجبة بل تتعدى هذا المفهوم إذا تحقق مفهوم معرفة الذات. وهذه المعرفة لا تتولد إلا بعملية (الفكر والتفكر) التي من خلالها يمكن قياس قيمة الإنسان بما يحمله من أفكار وحكمة، والتغلب على نزعة النفس البشرية والارتقاء عن مستوى الحدود الدونية الحيوانية القابعة في الذات البشرية. فأمير البلغاء يؤكد على التفكر فيقول: «لا عبادة كالتفكر في صنعة الله». وصنائع الله كبيرة وغير محدودة ولا تعد ولا تحصى؛ ولكن أحلى وأكرم صنعة خلقها الله هو الإنسان ولذلك كرمه الله على سائر المخلوقات وبدليل قرآني يقول بمحكم كتابه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء/ ٧٠)، والتكريم والتفضيل خص بالإنسان دون سواه، فالتكريم هو إعطاء الخلافة وجعله وصياً في الأرض.
أما التفضيل هو وصول الإنسان إلى أبلغ درجات الكمال والحكمة والمنطق بشرط التدبر في خلق الله والتفكر والاجتهاد بالعلم والمعرفة. فتحقيق الكمال والخلافة لا يتم إلا بمعرفة الإنسان ذاته، وأن مفهوم الذات البشرية أمر معقد ومهم، وذلك لأنها لا تملك الصفات المادية والاحساس الملموس الخاضعة للتفسير العلمي والبحثي الدقيق. فالنفس البشرية في مفهوم علم النفس هي مجموعة من المشاعر والاحاسيس والسلوكيات والأفعال يقوم بها الفرد والتي من خلالها ممكن دراسة ومعرفة شخصية الإنسان. وهذه النفس البشرية تصاب بالآفات الدنيوية التي تعيق طريق بناء ذات الإنسانية وتطورها؛ إلا بيت أهل العصمة قد وضعوا منهجاً دقيقاً لصقل وتقويم سلوكيات المرء ومعرفة قدراته وفهم ذاته وذلك ليسهل عليه فهم الآخرين والتعامل معهم، والتخلص من الاسقاطات الذهنية المتبناة من البيئة والمجتمع والتي تفرضها على الذات نفسها والآخرين وبالتالي الوقوع في باب الجهل السلوكي الذي يكون مفتاحه الجهل وفقر الأخلاق. فنهج أهل البيت (ع) والأحاديث والخطب عن الرسول وذريته هو المفتاح الرئيسي لرق الذات وتطورها والحماية الشاملة من الآفات النفسية ودوافعها. فيجب على كل رب أسرة وإنسان واع اتباع هذا النهج ووضع خطة منظمة للقراءة والاطلاع، وذلك لتخفيف الاضطرابات السلوكية الواقعة على المجتمع. "لا تكن ممن تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن"، فعلي بن أبي طالب السابق العلاج المعرفي السلوكي بألف سنة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat