قال تعالى: ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (1)، سُئل الإمام الصادق (عليه للسلام) عن البرزخ فقال: «القبر حين موته إلى يوم القيامة» (2).
لقد وردت كلمة البرزخ في أحاديث كثيرة، مروية عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في قولهم: «إنّه أمر بين أمرين، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة»، وعبر عنه أيضاً بأنّه «القبر بعينه».
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأعلموا أن المعيشة الضنك التي قالها تعالى: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ (3)، هي عذاب القبر» (4).
إذن، فما هو عالم البرزخ؟ وكيف يحاسب الإنسان؟
ومن الذي يُعذب، الروح أم الجسد؟
البرزخ: هو المرحلة الفاصلة بين عالمين، عالم الدنيا والآخرة، أو مرحلة ما بعد الموت وقبل يوم القيامة، وروح الإنسان في عالم البرزخ، تعيش بالشكل الذي كانت عليه في الدنيا، فإذا كانت من الصلحاء، تتمتع بالسعادة والنعمة وجوار الأبرار والمقربين، وإذا كانت من الأشقياء، تقضيها في النقمة والعذاب، ومصاحبة الأشرار، وأهل الضلال.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً، سلطت الأرض عليهم فيه فأكلت لحومهم»، وطبعاً الروح هي من تُعذّب دون الجسد، وقد ورد أن الإنسان الميت يتعرف الى من يزوره من الأحياء، إذا كان يعرفهم في الدنيا، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما من أحد مرّ بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلّم عليه، إلا عرفه وردّ عليه السلام» (5).
لو سأل أحد عن عذاب البرزخ، هل ينتهي حساب الانسان في البرزخ؟ ويوم القيامة يدخل الجنة؟
فيكون الجواب: لا يقتصر حساب الله تعالى للإنسان على عذاب يوم القيامة فقط، وإنما يمرّ بمراحل عدة، منذ نزعة الروح وحتى انتهاء حسابه نهائيا، إما الى الجنة أو إلى النار. قال رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله): «أذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، فاعبدوا الله كأنكم ترونه، يرى ماله من خير وشر».
ومن هنا يعلم الإنسان بلا شك أنه يحاسب في عالم البرزخ، فيثاب على عمله الطالح.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما إذا صار إلينا، فنحن أولى بكم»، ويقصد (سلام الله عليه) يوم القيامة.
وقد ذكرت بعض الروايات مراحل يتجلى فيها حساب الإنسان في عالم البرزخ، ومنها: ما روي عن الإمام موسى ابن جعفر (عليه السلام) قال: قيل للصادق (عليه السلام): صف لنا الموت؟
قال: «للمؤمن كأطيب ريح يشمه، فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كله عنه وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشدّ».
أما وصف الموت والبرزخ للشهيد فيكون مختلفاً.
قال الشيخ جواد آملي في تفسير (تسنيم): «انتقال الشهيد من الدنيا الى البرزخ، لذيذ وممتع وليس مؤلما، عكس المفسد الذي يلفظ أنفاسه بسرعة، وإن كان في الظاهر لم يتعرض للنزع الشديد، ولكن انفصال الروح عن الجسد عن تعلقات الدنيا، وانتقالها الى البرزخ صعب عليه جداً».
وبلحاظ ما تقدم:
اولاً: إنّ عذاب القبر حقّ: يُسأل العبد عن دينه، وعن ربّه، ويرى مقعده من النار والجنة، ومنكر ونكير حق.
ثانياً: إنّ السؤال للروح وليس للجسد الدنيوي البالي.
ثالثاً: السؤال في البرزخ، هو أول عقبات البرزخ، وليس في القبر الدنيوي، فالقبر الذي يُدفن فيه الإنسان يُسمّى القبر الفقهي الذي يُدفن فيه الإنسان، أما القبر الذي يُسأل فيه الإنسان هو القبر البرزخي.
رابعاً: يجب على كل منا الاستعداد لهذا اليوم القريب، فلا ندري أي ساعة ونحن في القبر، فقد ينام الإنسان صحيحاً ولا يصحو إلا وهو في للبرزخ.
فعلينا التوبة قبل حلول الأجل ولات حين مندم؛ كي لا نكون من الذين يُنادون صباحاً ومساءً، بلا مجيب: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة المؤمنون: 100.
2- أصول الكافي: ج3/ ص242.
3- سورة طه: 124.
4- نهج البلاغة، للشريف الرضي، شرح ابن أبي الحديد المعتزلي.
5- الاستذكار، لابن عبد البر، وتفسير ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡا۟ مُدۡبِرِینَ ٥٢ وَمَاۤ أَنتَ بِهَـٰدِ ٱلۡعُمۡیِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ ٥٣﴾ سورة الروم: ٥٢-٥٣.
6- سورة المؤمنون: 99-100.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat