الشاعر والفيلسوف عبد الهادي شليله
د . تقى محمود السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . تقى محمود السعدي

«أيا زين العباد فدتك روحي وروح الأكرمين من العباد
مرادي أن تبلغني مرادي وليس سواك يا أملي مرادي»
يسألني بعضهم: عن فائدة كتابتي لسير العلماء؟ فأجيبهم: قراءة سير حياة علماء المرجعية فيها بركة ونعرف من خلالها وجهات نظرهم في الأمور التي واجهوها في حياتهم ونزداد معرفة وثقافة؛ لأن السير الغيرية تعلمنا طريقة تفكير هؤلاء العلماء، وكتابة السير نوع من أنواع تنشيط المعلومة، وتسهم في بناء الشخصية.
كتابتنا اليوم عن سماحة الشيخ عبد الهادي ابن الحاج جواد ابن الشيخ كاظم ابن الشيخ علي الهمداني البغدادي المعروف عبد الهادي شليله من أصل بغدادي، وأمّه من أسرة بغدادية الأصل تعرف بـ(بيت شليله).
يقول السيد الأمين (رحمه الله): إنّ آل الشليلة أخواله ونسب إليهم، والبغدادي لقب لحقه لنفس السبب، وأما لقب الهمداني فصار عليه خلاف هناك من يرى لوفاته في همدان، وصرح الشيخ علي كاشف الغطاء (رحمه الله) في كتابه (الحصون المنيعة): إنّ لقبه الهمداني لحقه من خاله الحاج محمد سعيد جليل الذي سكن همدان فلقب بالهمداني.
كتابة السير الغيرية توثق للعالم المرجعي تاريخه، بمعنى أنها نصوص توثيقية نجمع ما كتب عنه وبعض الشهادات التي قيلت بحقه، والبحث في حياة عالم مفكر يبحث في تجليات الزمان والمكان.
ولد شيخنا عبد الهادي في النجف الأشرف سنة (1270هـ) أي سنة (1854م) ، يقول الشيخ الطهراني: تعلم القراءة والكتابة ثم أخذ الأوليات وقرأ العلوم العربية والمنطق على بعض الأساتذة، وبرع فيها، ودرس على يد علماء كبار مثل: الشيخ محمد حسين الكاظمي، الميرزا حبيب الله الرشدي، السيد محمد بحر العلوم، والشيخ محمد طه نجف، والشيخ الاخوند ملا كاظم الخرساني، والشيخ آغا رضا الهمداني، والشيخ شريعة الاصفهاني، والشيخ أحمد المشهدي، والسيد كاظم اليزدي.
أمّا رواية الحديث فأنه يروي بالإجازة عن الشيخ محمد طه نجف، والشيخ آغا رضا الهمداني، وشيخ الشريعة الاصفهاني، والشيخ علي بن الشيخ محمد ابن صاحب الجواهر، والشيخ ملا محمد كاظم الخرساني، والشيخ عباس بن الشيخ علي كاشف الغطاء، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، والشيخ حسين نجف الصغير، والشيخ عبد الله المازندراني، والشيخ هادي المازندراني، وقد ذكرنا أسماء جميع من درس عندهم؛ لنتعرف على مناهل العلم التي استقى منها علمه وحلمه ومعرفته، وتعدد المناهل تكسب الانسان خبرات التنوع المعرفي، فتعرفنا على نظام دراسة المرجعية، وعلينا أن نقرأ انسانية هذا العالم؛ لنرى كيف أنشأ مدرسته وأسماء من تخرجوا منها اشهرهم: الشيخ محمد حسين الكاشف الغطاء، والاخوان السيد محمود والسيد هاشم الحكيم، والسيد عبد الله البلادي، والشيخ موسى دعيبل، والسيد مهدي السيد محسن بحر العلوم، والشيخ محمد جواد الجزائري.
تعمل السيرة الغيرية على تسليط الضوء على شخصية علمية وتجمع شهادات أهل الخبرة والاختصاص من العلماء، كتب عنه الشيخ حرز الدين في كتابه (المعارف): «صار من العلماء الأفاضل وأهل التحقيق والنظر الصائب، وكان إماما في علم الميزان ومدرسة في علم الكلام فقيهاً أصولياً عروضياً مؤلفاً وشاعراً، له نظم كثير».
وكتب الشيخ آل محبوبة شهادته: «عالم فاضل محقق، أحد علماء النجف المشاهير، وفيه المام في اكثر العلوم، وله في كل علم مصنف». وكتب الشيخ أغا بزرك الطهراني شهادته عن الشيخ عبد الهادي شليله: «بلغ درجة عالية من العلوم والفنون واشتهر بالبراعة والحذق في الأدب والشعر والتبحر والخبرة في المنطق والحكمة والتحقيق والتدقيق في الفقه والاصول والسعة الاطلاع».
وكتب الشيخ محمد هادي الاميني في المعجم: «عالم نال رتبة الاجتهاد والتقليد، وكان إماما في علم الميزان، وأستاذاً في علم الكلام، واستفاد من بحوثه كثير من الاعلام الافاضل».
ويرى النقاد أنّ كتابة السير الغيرية هي البحث عن الحقيقة في حياة انسان فذ، والكشف عن عبقريته والأثر العلمي الذي خلفه في حياته.
زادت مؤلفاته على العشرين مؤلفًا، وهي آثار جليلة ومصنفات رائعة منها ما يخص فنّ الارجوزة (لؤلؤه الميزان)، وملتقى الزمان، وصلاه المسافر، ومنظومة في الارث، ومنظومة في الكلام، وشرح المنظومة، ومنظومة في الرضاع، واخرى في النكاح، وبعض الرسائل المهمة مثل: رسالة في الاجتهاد والتقليد، ورسالة مختصرة في المشتق، وتعليق مختصر على رسائل الشيخ الانصاري، والتعليق على الفصول، وآخر على كتاب القوانين للميرزا القمي، وكتاب العقد الفريد للمقاصد المفيد والمستفيد، رأي الشيخ الطهراني (رحمه الله)، وكتابَي الرجال (لم يتم)، وبعض المتون كـ: متن في المنطق، وله اكثر من كتاب.
ويرى اهل النقد أنّ السيرة الغيرية تبحث عن المعلومات القريبة والبعيدة عن الشخصية؛ لتصنع إحساسًا عاليًا يساعده في تلمس خفاياه، أي بمعنى البحث عن الأنموذج الانساني وايجابيته في الحياة.
كتب لنا الشيخ علي كاشف الغطاء (رحمه الله): «لقد ضاقت به المعيشة في النجف فسافر الى إيران، لكن الأجل وافاه في شهر رمضان من سنة (1333 هـ)، في الطريق في قصر شيرين، وودّع جسده هناك، ونُقل جثمانه بعد سنوات ثلاث الى النجف الاشرف، ودُفن في مقبرتهم المعروفة في محلة المشراق، وقد ازيلت المقبرة ضمن توسعة شارع الطوسي اوائل القرن الخامس عشر الهجري.
اعتمدنا في هذه السيرة على المدونات والتوثيق الموضوعي والشهادات بحقهم والقراءات، مما جعلنا نأمل بأننا نمتلك رؤية أهّلتنا للكتابة عن مثل هذه الشخصية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat