سلاح الإمام العسكري: دروسٌ في زمن الغيبة!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ لقب (العسكريين) عند الشيعة هو لقبٌ للإمام (العاشر) عليٍّ بن محمد الهادي عليه السلام، وابنه الإمام (الحادي عشر) أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام.
والغالب في استعمال لفظ (العسكريِّ) أو (صاحب العسكر) هو للإمام أبي محمد، والد الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
يقول الشيخ الصدوق رحمه الله، وهو المتولد في زمن الغيبة الصغرى والمتوفى سنة 381 هـ:
سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: إن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي (ع) بِسُرَّ مَن رأى (أي سامراء) كانت تسمى عسكر، فلذلك قيل لكل واحد منهما (العسكريّ) (علل الشرائع ج1 ص 241).
لم يكن لهذين الإمامين عسكرٌ من عساكر الأرض، وإن كانت جنود السماء طوعَ أمرهما!
فقد جمع الخليفة يوماً عساكره وهم تسعون ألف فارسٍ في سامراء، وأمرهم بحمل السلاح، واستحضر الإمام الهادي عليه السلام.
أراد سُلطانُ الدُّنيا عرض جنوده: بِأَحْسَنِ زِينَةٍ، وَأَتَمِّ عُدَّةٍ، وَأَعْظَمِ هَيْبَةٍ، وَكَانَ غَرَضُهُ أَنْ يَكْسِرَ قَلْبَ كُلِّ مَنْ يَخْرُجُ عَلَيْه.
كان خوفُهُ من أن يأمر الإمام أحداً من أهل بيته بالخروج، فقال له الإمام الهادي عليه السلام: وَهَلْ تُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ عَسْكَرِي؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَدَعَا الله سُبْحَانَهُ، فَإِذَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ مَلَائِكَةٌ مُدَجَّجُون!
فَغُشِيَ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): نَحْنُ لَا نُنَافِسُكُمْ فِي الدُّنْيَا، نَحْنُ مُشْتَغِلُونَ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ، فَلَا عَلَيْكَ شَيْءٌ مِمَّا تَظُنُّ! (الخرائج والجرائح ج1 ص415).
إنَّ شجاعةَ هذين الإمامين لا تختلفُ عن سائر الأئمة، فَهُم من نَسلِ عليٍّ عليه السلام، صاحب البأس الشديد، وكُلُّهم في الفضل والعلم والشجاعة والبأس سواء.
وقد اقترَنَ اسمُ العَسكَرِ بهما عليهما السلام، رغم أنَّهما لم يكونا ممَّن يُجيِّش الجيوش، ويُنَظِّم العساكر، وينافس السلاطين في دُنياهم، فقد ادَّخَرَ الله تعالى آخر الأئمة، المهديَّ الغائب لبسط دولة العدل، ولو استدعى ذلك سَلَّ السَّيف.
أما والده الإمام العسكريُّ عليه السلام، فكان كآبائه:
يستعملُ (سلاحاً من غير سَيف)!
ويمتلك (سلطاناً من غير جيش)!
يستعمل سلاح العلم والمعرفة، والدعاء والخلق الرَّفيع!
ويمتلك سلطان القلوب، فيتربَّع على عرشها، حتى لو كانت قلوب أعدائه! فبَخَعَ له حتى النُّصَّاب! وخضع له حتى المبغضون!
وقد أعطى بذلك للشيعة في زمن الغيبة دروساً لا حَدَّ لها..
فمِن ذلك أننا اليوم في زمن هُدنَةٍ.. كما كان الشيعة أيام الإمام العسكري عليه السلام، وكما كان آباؤه الأطهار، وقد قال الصادق عليه السلام: إِنَّكُمْ فِي هُدْنَةٍ (الكافي ج8 ص236).
لا ينتهي أمدُ هذه الهدنة إلا بظهور الإمام المهدي عليه السلام، وفي زمن الهدنة لا ينبغي استجلاب العداوات، ولا الدخول في نزاعات، ولا الانضمام إلى الصراعات، كما لا ينبغي المزاحمة على الزائلات الفانيات، فهي لا تساوي شيئاً في قبال الباقيات الصالحات.
يوصي الإمام العسكريُّ الشيعة بتقوى الله والورع، وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار، ثم يقول عليه السلام: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسَّنَ خُلُقَهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا شِيعِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ!
اتَّقُوا الله، وَكُونُوا زَيْناً وَلَا تَكُونُوا شَيْناً، جُرُّوا إِلَيْنَا كُلَّ مَوَدَّةٍ، وَادْفَعُوا عَنَّا كُلَّ قَبِيحٍ (تحف العقول ص487).
هذا أدبُ الشيعة وأدب أئمتهم، ولقد ظهر من الإمام العسكريّ عليه السلام ما يثير العجب في ذلك، فمنه ما حصل عندما حَبَسَهُ العباسيون وأمروا متولي سجنه أن يُضيِّق عليه، فأجابهم السجَّان: وَمَا أَصْنَعُ قَدْ وَكَّلْتُ بِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَشَرِّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَارَا مِنَ الْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ!
ثم سألهما السجَّان عن سرِّ انقلابهما هذا فقالا: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَتَشَاغَلُ!
وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَيْهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُنَا! وَيُدَاخِلُنَا مَا لَا نَمْلِكُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا! (الكافي ج1 ص512).
لقد كانت هيبةُ الإمام آسِرَةً حتى لأعدائه! وقد حُبِسَ مرَّة أخرى عند (عَلِيِّ بْنِ نَارْمَشَ) وهو (أَنْصَبُ النَّاسِ وَأَشَدُّهُمْ عَلَى آلِ أَبِي طَالِبٍ)، وأُمِرَ بإيذائه: فَمَا أَقَامَ عِنْدَهُ إِلَّا يَوْماً حَتَّى وَضَعَ خَدَّيْهِ لَهُ! وَكَانَ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ إِجْلَالًا وَإِعْظَاماً! فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ بَصِيرَةً وَأَحْسَنُهُمْ فِيهِ قَوْلًا! (الكافي ج1 ص508).
لقد انقلب أَشَرُّ النَّاس وأنصَبُهم إلى أحسن الناس بصيرةً! وحسن إيمانه وعبادته على يد الإمام العسكريِّ عليه السلام، دون أن يَسُلَّ الإمام سيفه من غِمده!
وهكذا أقرَّ بفضله وكماله حتى من كان (شَدِيدَ النَّصْبِ) كأحمد بن عبيد الله بن خاقان، عامل السلطان في قم، فكان يمتدح (هَدْيِهِ وَسُكُونِهِ وَعَفَافِهِ وَنُبْلِهِ وَكَرَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ)!
وكان من أعجب ما قاله هذا الناصبيُّ: (لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَلَا عَدُوّاً إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ)!
ثمَّ ينقل أحمد هذا عن أبيه (عبيد الله بن خاقان) الذي كان وزيراً للسلطان كلاماً في مدح الإمام، في (فَضْلِهِ وَعَفَافِهِ وَهَدْيِهِ وَصِيَانَتِهِ وَزُهْدِهِ وَعِبَادَتِهِ وَجَمِيلِ أَخْلَاقِهِ وَصَلَاحِهِ)!
ولقد كان من كلمات الوزير ابن الخاقان لجعفرٍ أخي الإمام العسكري بعد شهادته: السُّلْطَانُ جَرَّدَ سَيْفَهُ فِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَأَخَاكَ أَئِمَّةٌ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ! (الكافي ج1 ص506).
هذا نصٌّ تاريخيٌّ واحدٌ من نصوصٍ كثيرةٍ تكشفُ أنَّ الإمام العسكريَّ عليه السلام لم يكن آمناً على نفسه وأهله وعياله، ولا على شيعته ومحبِّيه، فقد جَرَّدَ السلاطين سيوفهم على الشيعة، لا لشيء إلا لاعتقادهم بإمامة الأئمة عليهم السلام!
لقد كان هذا سلطان ذلك الزمن يرى في (اعتقاد) الشيعة خطراً على سلطانه، فمن اعتقد بالإمامة لم يقبل خلافته، وقد خاف قيامهم عليه وانتزاعهم الملك منه! لكنَّهم كانوا كأئمتهم في محلٍّ آخر..
كان السُّلطان يُريد الحفاظ على ملكه ودنياه..
والإمام يريد الحفاظ على دين أوليائه!
وقد وجدَ السُّلطان أنَّ طريق ذلك وبابه هو السعي لتبديل عقيدة المؤمنين وردِّهم عنها! كما قال وزيره، فإنَّه قد جَرّدَ سيفه على من اعتقد بالإمامة (لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ)!
لم يواجه الإمامُ سيوفهم بالسيف! ولم ينافسهم على السُّلطان! لا لعجزٍ عنده، فملائكة السماء طوعَ أمره، ولا لضعف فيه، فهو من ليوث الوغى، وهو القائل: نَحْنُ لُيُوثُ الْوَغَى وَغُيُوثُ النَّدَى، وَفِينَا السَّيْفُ وَالْقَلَمُ فِي الْعَاجِلِ، وَلِوَاءُ الحَمْدِ وَالْعَلَمُ فِي الْآجِلِ (بحار الأنوار ج75 ص378).
لم يكن ينقص الإمام شيءٌ من الشجاعة، لكنَّ للشجاعة حدَّا!
يقول عليه السلام: إِنَّ لِلشَّجَاعَةِ مِقْدَاراً فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِا فَهُوَ التَهَوُّرٌ! (نزهة الناظر ص144).
فإذا كانت دولةُ الباطل باقيةً إلى ظهور الإمام، كما قال الصادق عليه السلام: دَوْلَةُ إِبْلِيسَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمُ قِيَامِ القَائِمِ (تأويل الآيات الظاهرة ص780)، وقال عليه السلام: إِذَا قَامَ القَائِمُ (ع) ذَهَبَتْ دَوْلَةُ البَاطِل (الكافي ج8 ص287)..
وإذا لم تجتمع الأسباب لأحدٍ دونَ المهديّ.. حتى لو كان إماماً معصوماً كالإمام العسكريّ عليه السلام..
فإنَّ الإقدام يكون تهوُّراً، حتى لو كان من صاحب الحقّ! فكيف مع غياب صاحب الحقِّ في زمن الغيبة؟!
لقد أدركَ المؤمنون في زمن الغيبة أنَّ سَلَّ السيف لمنازعة السلاطين لا يشبه فعل الإمام العسكري عليه السلام، وأنَّه يُقتَصَرُ فيه على القدر الواجب:
1. فتارةً يكون جمعياً واجباً على عموم المؤمنين.
2. وأخرى يكون فردياً واجباً على آحادهم.
ولا يحلُّ ذلك إلا لو تَعَرَّضَّ الدين بأسره للخطر، وكان في معرض الأفول، أو كانت النفس في خطر، أو العرض والمال.
لذا لا يشبهُ فعل المؤمن فِعال الآخرين في زمن الغيبة، فلا يشترك معهم في نزاعاتهم، ولا يزاحمهم ويجابههم، ولا يسعى لقهرهم والاستقواء عليهم، ولا للتحكم بهم والتسلُّط على رقابهم، وإن كانوا يفعلون، ويكتفي بالدِّفاع عن نفسه ودينه واخوانه حيث يقدر، ويكون واجباً عليه.
المؤمن يُيَمِّمُ وجهه شطر الدين الحنيف ساعياً لحفظه.. متيقِّناً من رعاية الإمام له، وقد حَفِظَ كلام الإمام العسكريِّ عليه السلام بحق شيعته: وَنَحْنُ بِحَمْدِ الله وَنِعْمَتِهِ أَهْلُ بَيْتٍ نَرِقُّ عَلَى أَوْلِيَائِنَا (تحف العقول ص484).
فما أجمل هذا المعنى! أن يكون لنا إمامٌ يَرِقُّ علينا، ويرفق بنا، ويهتمُّ لأمرنا، كما هو حال إمامنا المهدي عليه السلام.
لقد كان الإمام عليه السلام يكتب لبعض المؤمنين: إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَلَا تَسْتَحْيِ وَلَا تَحْتَشِمْ، وَاطْلُبْهَا فَإِنَّكَ تَرَى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ الله (الكافي ج1 ص508).
ونحن لا نستحي أن نطلب من إمامنا حوائجنا، فمن طلب منه كان كمن طلب من الله، لأنه باب الله وطريقه الذي أمر بإتيانه منه.
ولقد حَذَّرَ الإمام عليه السلام من التِّيه بعد الهدى، فقال عليه السلام: وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَم مِنْ حُجَّةِ الله عَلَى خَلْقِهِ؟ وَأَمِينِهِ فِي بِلَادِه.. فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ؟! وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ كَالْأَنْعَامِ عَلَى وُجُوهِكُمْ؟!
عَنِ الْحَقِّ تَصْدِفُونَ، وَبِالْبَاطِلِ تُؤْمِنُونَ، وَبِنِعْمَةِ الله تَكْفُرُونَ؟! (تحف العقول ص485).
ما أصعب الانحراف عن الحق بعد الوصول إليه، وما أخسَرَ المنحرفين، سواء كان انحرافهم بالإعراض عن الإمام، أو بإقامة أحد آخر دونه، ونصب رجلٍ في مكانه، وقد قال عليه السلام مفسِّراً قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ الله وَلا رَسُولِهِ وَلَا المُؤْمِنِينَ وَلِيجَة﴾: الْوَلِيجَةُ الَّذِي يُقَامُ دُونَ وَلِيِّ الْأَمْرِ (الكافي ج1 ص508)، أي دون الأئمة عليهم السلام.
لقد كان الإمام يَحذَرُ على دين الشيعة من الشَّك، فيقول لهم عند اختلافهم: مَا مُنِيَ أَحَدٌ مِنْ آبَائِي بِمِثْلِ مَا مُنِيتُ بِهِ مِنْ شَكِّ هَذِهِ الْعِصَابَةِ فِيَّ!
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ أَمْراً اعْتَقَدْتُمُوهُ وَدِنْتُمْ بِهِ إِلَى وَقْتٍ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَلِلشَّكِّ مَوْضِعٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا مَا اتَّصَلَتْ أُمُورُ الله فَمَا مَعْنَى هَذَا الشَّكِّ؟! (تحف العقول ص487).
أي أنَّ الشك على قسمين:
1. شكٌّ يسبق الوصول للحق واكتشافه، أو شكٌّ يدعو للبحث عن الحقِّ ويوصل إليه، فلا ضير فيه.
2. وشكٌّ آخر ملازمٌ لا يرتفع، ولا يُدفَعُ بالبيِّنة، لا يخرج صاحبه منه بحال، فهو يساوق الضلال، بل هو لونٌ من ألوانه.
ولقد كان الإمام يُحَذِّرُ أصحابه من أهل الضلال والانحراف، لكنَّ المفارقة أنَّ حسن العشرة الذي أُمِرنا حتى مع المخالف (وإن كانت عقيدته فاسدة) لم نؤمر به مع أهل الانحراف، للخشية منهم على الدِّين!
فكان الإمام يأمر بلعنهم ومعاداتهم، بل والاجتهاد في ذلك! ثم يصل الأمر إلى هتكهم وَصَدِّ المؤمنين عنهم!
ومن نماذج ذلك رجلٌ منحرفٌ ضالٌّ يدعى (فارس بن حاتم القزويني)، كتب الإمام بلعنه قائلا: لَعَنَهُ الله، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَسَعُكَ إِلَّا الِاجْتِهَادُ فِي لَعْنِهِ وَقَصْدُهُ وَمُعَادَاتُهُ وَالمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ بِأَكْثَرِ مَا تَجِدُ السَّبِيلَ إِلَيْهِ.. فَجِدَّ وَشُدَّ فِي لَعْنِهِ وَهَتْكِهِ وَقَطْعِ أَسْبَابِهِ وَصَدِّ أَصْحَابِنَا عَنْهُ وَإِبْطَالِ أَمْرِهِ، وَأَبْلِغْهُمْ ذَلِكَ مِنِّي، وَاحْكِهِ لهُمْ عَنِّي، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ الله عَنْ هَذَا الْأَمْرِ المُؤَكَّدِ (الغيبة للطوسي ص352).
اللافت إذاً أنه بقدر ما ورد التأكيد على ترك السلاح إلا حيث يجب حفظاً للدين والنفس، وعلى حسن العِشرة مع المخالفين.. ورد الحثُّ الشديد على البراءة من أهل الضلال الذين يُخشى منهم على الدِّين، فإنَّ في لعنهم وتنبيه المؤمنين منهم امتثالٌ لأمر الله ووليه!
ولعلَّ من وجوه السرِّ في ذلك ما قاله الإمام العسكريُّ عليه السلام: أَضْعَفُ الْأَعْدَاءِ كَيْداً مَنْ أَظْهَرَ عَدَاوَتَهُ! (نزهة الناظر ص145).
فإن أعداء الدِّين الظاهرين وإن كانوا أشداء أقوياء، إلا أنَّ كيدهم ضعيف، فلا يُخشى منهم على دين المؤمنين وإن خيف منهم على أرواحهم.
أما المُحتالُ الغدَّار الذي يتلبَّسُ بلَبوس الإيمان، ويحرفُ المؤمنين عن أئمتهم، فإنَّ الحذر منه واجبٌ مؤكدٌ على كل حال.
في أيامنا قد نواجه كلَّ هذه الفِتَن..
1. شدائدُ تُحيطُ بنا، تستدعي منَّا يقظةً وحذراً، لكي نوازن بين الشجاعة والبأس الذي يتميَّز به الشيعة، وبين ترك التهوُّر وإلقاء النفس في التهلكة..
2. ومخالفون في الدِّين أو المذهب يتربَّصون بنا، نُحسنُ صحبتهم كما أمرنا أئمتنا، فهم نظراء لنا في الخلق، ندفع بذلك شرَّهم عنّا وعن إخواننا.
3. ودجَّالون يلبسون لباس الحَمَل الوديع، وقلوبهم قلوب الشياطين، فنحذر منهم ونُحَذِّرُ إخواننا في دين الله.
هي دروسٌ نستفيدها من إمامنا العسكريِّ عليه السلام في ذكرى شهادته.. نتلمَّس الهُدى في كلماته النورانية، وفعاله الربانية، فهو نور الله في ظلمات الأرض.
عظم الله أجورنا وأجوركم، وعجل الله فرج وليه، المهديِّ ابن العسكريّ، وجعلنا من أنصاره وأعوانه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الإثنين 8 ربيع الأول 1447 هـ، الموافق 1 – 9 – 2025 م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat