في مشاهده الأولى يأخذنا المخرج إلى طفولة ذلك البطل وشبابه، الأجواء العائلية التي كان يعيشها، قصة حبه، وشيء من مواقفه وشجاعته، وكأنه يقول: إن للأبطال تأريخا مليئا بالمواقف، لكن القدر يلتقط إحداها لتثبّت على جدار البطولة والبسالة.
إن الكاميرا التي صورت مواقف (ديزموند) وهو بدور مسعف حرب في فيلم (جبل هاكسو)، ذلك الفيلم السينمائي الذي حقق شهرة كبيرة مطلع العام 2017م، قد غفلت وتغفل كل يوم أن تمد عدستها لتلتقط مشاهد حية تتحدى الخيال الهوليوودي وما أنتج عن معارك وحروب..!
يحدثني زميلي الصحفي عن موقف وشجاعة أحد المقاتلين وكيف أنه أنقذ ما يزيد على (50) جريحاً في (تل عبطة)، وآخر (15) مصاباً، وأنا أذهب بذهني إلى مشاهد ذلك الفيلم لتبدأ بالتضاؤل والسقوط أمام ما سمعت، فأتذكر امتنع (ديزموند) عن الالتحاق بالهجوم ريثما يمارس طقوس تعبده، وإذا بزميلي يعرج على عقيدة المقاتلين والتزامهم، وكيف أنهم يتجاهلون برودة الطقس وتثلج الماء مع مطلع الفجر، فيهبوا للوضوء والصلاة بشكل جماعي تحت ضوء الرصاص وأزيزه..!
من قال إن المقاتلين الذي يمسكون السلاح على الساتر لا غير، (ديزموند) لا يؤمن بضرورة حمل السلاح ولم يمسكه رغم ما تعرض لها من عقوبات.. على طريقك وأنت تذهب باتجاه الموصل ستجد المئات من المقاتلين الذين لا يحملون السلاح، جنود في كواليس الساتر، يدعمون، يؤازرون وينقذون.. مواكب من أقصى العراق، نساء ورجالا، تركوا بيوتهم وراحوا يدعمون الذي منحهم الحياة بالمأكل والمشرب وكل متطلبات الصمود والاستمرار بالدفاع..!
تلال عديدة، جبال، مناطق مختلفة، لا يتوقف الأمر عند (تل عبطة)، بل في كل مكان من الموصل وتكريت والمدن التي طالتها يد الإرهاب ستجد ساتراً يحكي لك، أرضاً عمروها بالحرث والسقي، كهولا وأطفالا، نساء أسارى، ينتظرون الموت أن يحل عليهم، فدق الحشد بابهم.
هذه هي معركتنا التي لم تكن غزواً أو استعماراً أو طمعاً، بل هي معركة دفاع وعزة وشرف، معركة فيها صنوف من المقاتلين لم تعهدها الحروب والمعارك من قبل، قادة يعلمون المبادئ والقيم قبل أن يعطوا الأوامر العسكرية الصارمة، أمهات وآباء يزفون أبناءهم للشهادة.. قصص وحكايا لو ابتدأت الحديث عنها من الأجدر بك أن تقول: (ما لم يكن في قديم الزمان)، أي كاميرا لها القدرة على تصوير ذلك وإحاطته؟ أي جائزة تمنح لكاتب ومخرج وممثل يرابط في ساحات القتال وليس أمام العدسات؟ أي (ديزموند) و(جبل هاكسو) ولدينا محمد وعلي وأحمد تركوا زوجاتهم وأطفالهم وذهبوا ليمتطوا تلالاً وجبالاً مواجهين العدو بدرع عقيدتهم ونُبل أهدافهم، سلام عليهم وعلى أرواح غادرت الأجساد ولم تغادر الساتر.
أمامنا مهمة كبيرة، لنؤرخ هذه البطولات ونوثقها بكافة الوسائل الإعلامية المتاحة، وهو واجب علينا اتجاه هؤلاء الأبطال والأجيال القادمة؛ ليفخروا بما لديهم دون تسليم منا لطبري أو حميد بن مسلم ليزيّفوا الحقائق والتواريخ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat