مواقع التواصل الاجتماعي ما مدى استخدام المبدع العراقي لإمكاناتها؟
حيدر داود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حيدر داود

مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها التي أطلقت عليها اليوم أصبحت في صدارة مواقع الشبكة العنكبوتية من حيث تبادل الأفكار والنقاشات على مختلف الأصعدة، والمجال الادبي بدوره ينعش من على هذه المنصات الرقمية المستحدثة باستمرار، حيث تكثر الصفحات الأدبية والثقافية على موقع الفيس بوك والتغريدات الأدبية على موقع تويتر، كما تنشأ العديد من المجموعات الأدبية والثقافية على برنامج (الواتس اب)، و(السناب شات)، والآخر (تليجرام) وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا الاستطلاع الذي أعدته جريدة صدى الروضتين طرحت بعض الأسئلة على مجموعة من الكتاب والمبدعين العراقيين، لنتوقف على حدود استغلال المبدع العراقي لمنصات التواصل الاجتماعي لتسويق نتاجه الإبداعي وتكريس أسمه في المشهد الإبداعي بين القراء.
طيّ للمسافات واختصار للزمن:
البداية كانت مع الروائي الأستاذ الدكتور علاء مشذوب فقد قال: لو أردنا أن نجد تعريفاً موازياً لمواقع التواصل الاجتماعي، سأقول عنها "طي للمسافات واختصار للزمن"، كونها لا تقتصر على التواصل الاجتماعي فقط، فهي اتاحت للمستخدم وعبر (الماسنجر) إرسال المواد الصحفية للصحف والمجلات بمرونة وسرعة، وعملت على مد جسور التواصل عبر الحدود الجغرافية الى كل أنحاء العالم، وجعلت الجميع متساويين في فرص النشر والتواصل مع الآخر، بعد أن أزالت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
كما استطاع المبدع العراقي ان يعرف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المسابقات الثقافية الأدبية (الشعر، النثر)، وأصبحت هذه المواقع لازمة للفرد العراقي بالعموم وللمثقف بالخصوص، وقد استثمرت هذه المواقع من قبل أصحاب دور الطباعة والنشر للترويج عن مطابعهم وما يطبعونه فيها، كما عمل المثقف المبدع الترويج لمنتجه الإبداعي من خلال هذه المنصات، بعد ان أصبح يطبع في محيطه العربي (لبنان، الأردن، سوريا، مصر).
مضيفاً: مثلما أصبح للجوائز العربية والعالمية مواقع تنشر من خلالها انطلاق مسابقتها واعلان النتائج، مثل (بوكر، كتارا، الشارقة، أبو ظبي، الطيب صالح... وغيرها).
كما استطاع الكثير من الشعراء استثمار هذه المواقع ونشر شعرهم فيه والتواصل مع الآخرين، ومثلهم النقاد والقصاصون والإعلاميون، بل إن الكثير من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية أصبح لها مواقع تنشر عليها صحفها ومجلاتها إلكترونيا مثل جريدة (الصباح، المدى، الزمان، البينة... الخ) ومثلها أغلب الصحف العربية والعالمية.
أما فيما يخص الشباب الواعد، فقد أضاف: إن مواقع التواصل الاجتماعي وبالخصوص موقع الفيس بوك، منحهم الفرصة الذهبية للانتشار والتواصل مع الآخرين من مثقفي البلد والمحيط الإقليمي والعالمي.
ومثلما لكل الأشياء في الحياة من جوانب إيجابية، لا بد لها من جوانب سلبية على المبدع أبرزها سوء استخدام هذه المواقع، توظيف هذه المواقع لنشر الطائفية من قبل البعض، الغرور الذي يصيب الكتاب الجدد بمجرد أن ينشر موضوع اصبح مشهوراً، ولا يشق لقلمه غبار، فيصاب بالغرور، وفي الختام لا بد لي من القول: إن إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من سلبياته لدى المثقف بالعموم.
لا زلنا على نمط يتيم:
وحسب رأي الكاتب الدكتور صالح الطائي: "فأن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت فرصة تاريخية عظيمة من خلال الانفتاح الحر الذي وفرته بعيدا عن الإكراه والقيود السلطوية والرقابية، إذ وفرت إمكانية كبيرة للتواصل الفكري والإبداعي، ولاسيما وأنها لا تلتزم بحد ولا تخضع لرأي، ولكن المبدع العراقي لا زال متقولبا على نمط يتيم، يمثل أدنى درجات الإفادة، فهو بدل أن يحولها إلى ساحة سجال فكري، اكتفى بالعمل وفق نمطية الموروث من خلال نشر النتاج والامتناع غالبا عن مناقشة من يريد محاورته فيما كتب، بل ولجوؤه أحيانا إلى التطرف في الرد بما ينفر الآخرين ويبعدهم".
واقعاً يحتاج المبدع العراقي إلى مراجعة نفسه أولاً، ومراجعة طرائق تعامله مع مواقع التواصل ثانيا.
مضيفاً: لقد عملت بعض الجهات ولاسيما منها الجماعات التكفيرية والجماعات الراديكالية المتطرفة على تحويل بعض مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما موقع (twitter) إلى ساحة ساخنة لتسويق آرائها فيما يحدث في العراق وسوريا واليمن بما يخدم توجهاتها في وقت سجل فيه المبدع العراقي غيابا تاما، ونحن هنا لا نشجع على مثل تلك المساجلات الغبية، ولكننا ندعو للرد من خلال الكتابات الموزونة على تخريب المنحرفين.
وخلاصة القول: إن درجة إفادة المبدع العراقي من مواقع التواصل تشبه درجة إفادتي من هاتفي الذكي، وهي محدودة بالاتصال وأخذ الصور لا أكثر..!
أوطان بدون حرج:
ويجدها الاستاذ القاص حمودي الكناني: "لا تخلوا من تواجد المبدعين العراقيين على مختلف مشاربهم ومذاهبهم بلا شك ان (السوشيال ميديا) ساعدت كثيرا في حرية التعبير وانطلاق الأفكار وتوصيل المحتوى بدون قيد رقابي، فهذه المنصات لا أجد فيها حرجا من نشر آرائي وافكاري طالما هي لا تأخذ على الكاتب ميوله واتجاهاته، ولهذا أجد فيها الفضاء الذي يسعني أكثر مما متاح في وسائل النشر الورقية.
قتلت الابداع:
على عكس التصريحات السابقة قالت الصحفية انتصار السعداوي: "المبدع العراقي لا يتوغل كثيرا في مديات وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنه يفتقد الى الحرية ويعاني من التأطير ويعتقد انه مراقب ومحاسب.
اما عن الاعلامي، فأن اغلب الاعلاميين محكومون مرتين مرة بالنظام السياسي المتعثر في العراق ومرة بسياسة المؤسسة الاعلامية التي يعمل فيها، لهذا فأن وسائل التواصل الاجتماعي اسم على مسمى ليست سوى وسائل تواصل اجتماعي لا غير، أما عن الابداع فانه يعيش اينما تكون الحرية في التعبير عن الرأي وحرية التفكير والانتماء.. أنا شخصياً أرى وسائل التواصل الاجتماعي قتلت الابداع عندي ولا اعرف كيف يراها الآخرون.. أما عنها في بقية الدول العالم، فالحديث مختلف عنا ولكل مقام مقال.
نوافذ مطلة على العالم:
ويرى الناقد الدكتور صباح حسن عبيد التميمي: "لأنّها عوالم افتراضية فإنّ الحقائقَ فيها تأتي في الدرجة الثانية؛ لكونها تُتيحُ للمستخدمِ إمكانية الخفاء والتجلّي، ويتّصل ذلك بالوعي الثقافي عامة، والوعي الاجتماعي والديني بوجه خاص، اتصالا وثيقا، فإذا كان المبدع واعياً كان توظيفه لها إيجابيًّا، فهي بمثابة الواجهة الاعلامية المجانية التي يطلّ من خلالها على مساحات – زمانية ومكانية – شاسعة؛ لإيصال نشاطه الابداعي بيُسر، كأن يُعلن عن ولادة عمل أدبي جديد، أو معرض للأعمال الابداعية الفنيّة، أو عن تأسيس مجموعة أدبية إبداعية يكون لها صدىً في العالم الواقعي، بعد أن تتجاوز شهرتها العوالم الافتراضية ويُعلن عن تشكُّلها واقعيا بعد الانطلاق من بُعدِها الافتراضي على مواقع التواصل المختلفة.
مضيفاً: إنّ هذا التوظيف الواعي منوطٌ بالمبدع الجاد الذي يحاول أن يوظّف كلّ الإمكانيات المتاحة خدمةً للحركة الإبداعية العامة، وقد بدأنا نشهد مثل هذا الحِراك الواعي على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أن انفتحت البلاد بعد مرحلة ما بعد التغيير.
فاشتغل المعنيون بالثقافة والإبداع على إخضاع مواقع التواصل الاجتماعي لرغباتهم الإبداعية، فبدأت الاتحادات العامة في محافظات البلاد كافة بالإعلان عن نشاطاتها الأسبوعية أو الشهرية على مواقعها التواصلية الخاصة، وأدى ذلك إلى تذليل عقبات التواصل بين الخارج والداخل، وأسهم إسهاماً فاعلاً في نقل الحِراك الثقافي والإبداعي من الداخل إلى الخارج؛ لتوضيح الصورة الحقيقة التي عليها اتحادات الأدباء في البلد، على أن هذا وحده لا يمثّل الصورة الوحيدة للإفادة الايجابية من مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أن بعض ضِعاف النفوس من بعض المبدعين قد يلجأ للانتفاع السلبي، فيظهر على هذه المواقع مقنّعا بشخصية وهمية؛ لتحقيق مآرب أخرى لا يستطيع تحقيقها في العوالم الواقعية، فيمارس سلطة نقدية لاذعة تتيح لها شخصيتُه المتخفيّةُ إمكانات الانقضاض على الآخر الخصم – في العالم الواقعي -، لكنّها عموماً ممارسات فردية نأمل أن تذوي بعد تفشّي الوعي الجمعي بإمكانية الإفادة الايجابية من هذه المواقع .
لا تنسَ قلمك..!
أما الكاتبة الدكتورة زينب عبد الله الموسوي فقد قالت لنا: امتدت تألقات المبدع العراقي لتغطي بأذرعها الثقافية المساحة التي تحتلها مواقع التواصل الاجتماعي... فخطت الأنامل على تلك المساحات بما يتناسب والواقع الثقافي المعاصر من جهة، وبما يتلاءم والواقع الذي يعيشه المبدع العراقي ما بين رؤيته للأحداث المتسارعة التي تنتظر من يعبر عنها ويجسدها أدبا راقيا منسوجا بالحقائق الحقة.. وما بين تعبيره عما يختلج في صدره نتيجة ما يمر به هذا البلد الكبير بشهدائه وعطاءاته اللامتناهية وعلى مختلف الاصعدة من جهة أخرى، هذا فضلاً على أنه أتاح الفرصة لتبادل الأفكار الابداعية فيما بينهم، وهذا ما وفر فرصة لاطلاع أكبر شريحة من المجتمع على تلك الابداعات والتطلعات والاختلاجات المكنونة في صدر الأديب المبدع.
إذن، المبدع العراقي قد وظف هذا العالم المنفتح واستثمر هذه الشبكة العنكبوتية بصفحاتها الاجتماعية استثمارا ايجابيا، وهذا من الابداع ايضا، ولكن كلمتي لكل مفكر ومبدع أن لا ينسى قلمه ويكتب بأنامله فقط، فقد تغيب الصفحات وينمحي الابداع.. وعليه الاحتفاظ بها على الورق.. لتحييه نتاجاته الابداعية ببقائها للأجيال وتغذيتها لعقولهم وأفكارهم.
مرآة لثقافتنا:
ذهب القاص والروائي عدنان عباس سلطان مع رأي كل من الدكتور علاء مشذوب وكذلك الدكتور صباح حسن عبيد التميمي في كون مواقع التواصل الاجتماعي هي مواقع للعبور الى افق اوسع من المحلية والدخول الى مجتمعات عربية وغير عربية لم يسبق للمبدع ان اتصل بها وان نخب هذه المجتمعات لم تتحصل سوى على فكرة عن بعض المبدعين العراقيين.
مضيفا: أن المبدع العراق استثمر تقنية التواصل هذه للإعلان ليس عن شخصيته فقط وانما الاعلان عن جزء كبير للابداع العراقي، وقد اتصل بدور النشر وصارت تلك الدور مسوقة لنتاجه الادبي ومن خلالها وخلال جهده الشخصي على مواقع التواصل صار له كم من القراء، وكم من المهتمين بالكتاب العراقي على وجه العموم.. ولذا يمكننا القول: إن المبدع العراقي قد استثمر تقنية التواصل لصالح ابداعه الشخصي والعام.. هذا فضلاً عن اعطاء صورة واضحة عن العراق كشعب وكثقافة وكتاريخ.
وختاماً نستطيع القول بأن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت فرصة كبيرة لتوسيع نطاق التعبير عن الرأي، وتبادل الأفكار، والتمازج الثقافي بين الأفراد بشتى انتماءاتهم وطوائفهم.. ونشر الكثير من النتاجات الفكرية والأدبية، والبحوث والتقنيات العلمية.. وتكمن فائدتها بحسب الاستخدام المقنن والمدروس بحيث لا يسيء أو يتعرض إلى ثوابت الشعوب ومعتقداتهم، أو خصوصيات الأفراد.. فكلما كانت النظرة موسعة وهادفة على مستوى الانسانية.. كانت الفائدة أعم واشمل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat