حين يربح الضبع وتُهزم الغزالة
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

لم تعد الحياة، في هذا الزمن الملتاث، ساحةً تُوزَن فيها القضايا بميزان الحق والباطل، ولا حديقةً تسكنها الأخلاق والمبادئ والمثل العليا... ؛ لقد غدت ميدانًا فسيحًا يتقابل فيه الأقوياء والضعفاء كما تتقابل النار مع الهشيم؛ من يملك المخلب والنياب يفرض وجوده، ومن لا يملك سوى جناحين ضعيفين يُلقى به في مهب الرياح.
القوة اليوم ليست مجرد عضلاتٍ أو سلاح، بل دهاءٌ يمشي على قدمين، وقدرة على قراءة الخفايا، ومهارة في التكيف مع رياح الواقع، ولو كانت عاصفةً عاتية... ؛ أما الضعفاء — أولئك الطيبون الذين يظنون أن العالم ما زال يكرّم البراءة ويقدس الطيبة — فهم وقود الحكاية، وأبطال المأساة، وحصى الطريق الذي يطأه المنتصرون بلا التفات... .
لقد تطوّر الإنسان، لا لينقذ أخاه الإنسان ؛ بل ليفترسه بأسلوب أرقى : من الأنياب والمخالب إلى الألسنة والأقلام، ومن سلب اللقمة إلى سلب الكرامة والحقوق... ؛ والشرّ، حين يلبس ثوب النجاح، يصبح قدوةً تُصفّق لها الجموع، ويُقلَّد حتى من أولئك الذين كانوا بالأمس يلعنونه.
أما مصير الضعفاء والبسطاء، فهو الانحدار شيئًا فشيئًا نحو هاوية النسيان، أو السقوط في براثن من يستغلهم حتى آخر قطرة من نقائهم... ؛ هناك، في قاع الحكاية، تختفي أصواتهم، وتبقى قصصهم مجرد صدى يتردّد في أروقة التاريخ، بينما يرتفع صوت المنتصرين، ولو كانوا ظلمةً، كأنه النشيد الوحيد الذي يُسمع.
هكذا يربح الضبع وتُهزم الغزالة ، لا لأن الضبع أحق بالحياة، بل لأن هذا العالم لم يعد يصغي لرفيف الأجنحة الضعيفة و صوت حوافر الغزلان الجميلة ، بل لزئير القوة، مهما كان ثمنه... وبغض النظر عن الضحية ...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat