صفحة الكاتب : د . رعد هادي جبارة

رصانة الكلمة في مواجهة الابتذال
د . رعد هادي جبارة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يقول الله تعالى في وصف طائفة من الناس:﴿فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ [الأحزاب: 19]،

ويقول سبحانه:

﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: 24].

 

كما قال النبي ﷺ وآله: «ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ» ( الترمذي).

وفي حديث آخر:

«ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسنٍ؛ فإن اللهَ تعالى لَيُبْغِضُ الفاحشَ البذيءَ» .

 

📍من هنا ندرك أن خطر الكلمة الفاحشة و البذاءة ليس مجرد قضية ذوق أو أسلوب أدبي، بل هو أمر يتعلّق بأخلاق المسلم ودينه، و بصورة المجتمع وهويته.

وهنا يبرز السؤال: هل وصلنا إلى مرحلة العجز عن تطهير الأقلام و منصات التواصل من الكلمات الهابطة؟

سؤال يفرض نفسه.

📍بعد نشرنا المقال السابق بعنوان [بين الرصانة والابتذال: ظاهرة الكلمات الهابطة في الأدب ووسائل التواصل] لاحظنا اهتماماً واسع النطاق، ونقاشًا كبيراً وتفاعلات لافتة بين مؤيد و معارض. فمنهم من رأى أن حماية نقاء اللغة مسؤولية ثقافية لا غنى عنها، ومنهم من اعتبر أن "لغة التواصل" لا تُقاس بمقاييس الأدب الكلاسيكي!.

 

📍ملخص المقال:

في مقالنا المذكور سلطنا الضوء على ظاهرة تفشّي التعابير الهابطة في بعض النصوص الأدبية والمقالات المنشورة عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي،في السنوات الأخيرة. وقد ناقشنا جذور هذه الظاهرة، وانعكاساتها على الذائقة اللغوية، و مخاطرها على صورة الأدب العربي المعاصر، مع طرح رؤية متوازنة تجمع بين النقد والبحث في الحلول الممكنة.

 

📍أبرزالأصداءوالردود:

1/في المواقع الإلكترونية

لقي المقال تداولًا واسعًا في المنصات الثقافية والإخبارية، حيث أعادت كثير من المواقع و الصحف والمجلات نشره مع تعليقات إيجابية على عمق الطرح. وقد تصدّر بعض قوائم "الأكثر قراءة" يومين متتاليين، خاصة في المنصات المهتمة بالأدب والثقافة.

2/في وسائل التواصل الاجتماعي:

شهد المقال تفاعلًا كبيرًا وانتشارا واسعًا وكبيرا في وسائل الإعلام، وعبر تويتر/إكس و فيسبوك وانستغرام فضلاً عن واتساب وتلغرام وإيتا و روبيكا. وقد شاركه مثقفون ومدونون كثيرون، معتبرين أنه يفتح نقاشًا طال انتظاره حول مسؤولية الكتّاب و صنّاع المحتوى.

لكن بعض القرّاء الشباب انقسموا بين مؤيد يرى أن المقال يدافع عن نقاء اللغة، وآخرين اعتبروا أن لوسائل التواصل لغتها الخاصة التي لا ينبغي قياسها بمقاييس الأدب الكلاسيكي.

3/ردود النقادوالكتّاب:

رحّب نقّاد وأدباء بالطرح، مشيدين بقدرة المقال على الجمع بين النقد العلمي والأسلوب الصحفي الجذاب. فيما اعتبر بعضهم أن المقال قد يشكّل أرضية لحوارات مستقبلية أو ندوات حول الأدب في عصر الإعلام الجديد.

 

📍 مفارقة لافتة:

أثناء متابعة النقاش، استوقفني تعبير ورد في مقال لرياض سعد:

«لا تحاول تنظيف الزريبة فتتسخ ملابسك وتُغضب البهائم».هذا التعبير يذكّر بالمقولة الشهيرة: «لا تُصارع خنزيرًا في الوحل، فتتسخ أنت ويستمتع هو»، وقد جرى تداوله عربيًا بصيغ مختلفة مثل: «لا تحاول تنظيف أي زريبة فكرية، فستهدر جهدك وتوسخ نفسك وتزعج البهائم».

وأنا أتحفظ على هذا الوصف، فهل يئسنا من تطهير الأقلام والألسن من الكلمات الهابطة؟لكن ذلك يكشف شيئًا مهمًا: إن بعض الكُتّاب باتوا يرون محاولات الإصلاح في منصات التواصل ضربًا من العبث، بل مغامرة قد تجلب على صاحبها الهجمات والنطحات لأن هذا النمط قد استمرأوا إطلاق الشتائم والتلفظ بالبذاءات والعبارات الهابطات.

 

📍مثال واقعي:

من الطريف – وربما من المؤسف – أن يتزامن نشر مقالي ضد الابتذال في موقع [...] مع نشر قصيدة في الموقع نفسه تعج بألفاظ نابية، حتى أن عنوانها كان [الى شاعر الخـ..ـ..ـيتين] لعبدالناصر عليوي العبيدي. وهذا مثال صارخ يؤكد ما ذهبنا إليه: أن اللغة الهابطة لم تعد محصورة في منشورات عابرة يرسلها مراهق على وسائل التواصل، بل تسللت إلى منابر أدبية يُفترض أن تحافظ على قدر من الرصانة والاحترام و عفةاللسان.

 

📍بين النقد والتطبيع:

لقد أصبح النقاش حول الظاهرة ضرورة لا ترفًا ثقافيًا. فالقارئ الواعي اليوم يملك القدرة على التمييز بين أدب يُثري الذائقة، وبين نصوص ركيكة لا تزيد عن كونها شتائم مقنّعة وابتذالًا لغويًا من نوع+18.

 

📍أمام مفترق طرق:

نحن الآن إما أن نستسلم للتطبيع مع الابتذال باعتباره "واقع حال"،وإما أن نعيد الاعتبار لرصانة الكلمة، و نقاء التعبير، وسلامة الخطاب، وعفة اللسان، حفاظًا على ذائقة الأجيال القادمة.

ويبقى السؤال مفتوحًا:

هل سنمارس التغاضي عن الابتذال لأنه واقع حال لا يُمكن تغييره؟ أم سنستعيد مسؤوليتنا في الارتقاء بالخطاب واللغة؟

أ ليس[إنّ من شرّ الناس من تركه الناس اتّقاء فحشه]؟!

(بحار الأنوار، المجلسي، ج16،ص 2377)؟!

أ ليس[من خاف الناس لسانه فهو في النار]؟!(م.ن)

مارأيكَِ أنتَِ؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رعد هادي جبارة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/22



كتابة تعليق لموضوع : رصانة الكلمة في مواجهة الابتذال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net