المُسلم المثقف وتيارات الحداثة
حسن عبدالهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسن عبدالهادي

في عصرنا، يتطلع المسلم المثقف الى مواكبة عصره بما فيه من حداثة وتطور، ولعل الذي يدعوه الى ذلك مُدّعى ناتج من رد فعل – نفسي - وهو خشية النقد واتهامه بالتخلف والكلاسيكية، والمُدّعى الآخر هو حاجته الواقعية الى التعايش مع ما يفرضه الواقع من متغيرات، ومحاولة ايجاد صيغ تتناسب مع ثوابت الشريعة التي يستند عليها ايمانه بالله تعالى، وبما يرتبط بذلك الايمان من اصول وفروع.
وفي تصوراتي ان هناك مسارين إزاء هذين الداعيين: مسار الافراط والانجرار وراء الاتجاهات المتطرفة بضرب ثوابت الدين على حساب التجديد – كبعض اتجاهات العلمانية المتطرفة - حتى سمعنا عن بعض من يلبس الزي الديني يُنكر بعض المُعتقدات، ويستشكل على بعض التعاليم الشرعية، ويترفع عن الانتساب الى عظماء الدين وقادته، ويزعم بأن هذا تشبث بالقديم والموروث الذي لا وجود له سوى حكايات تُروى وتُسطر في الكتب..!
والمسار الاخر التفريط، وبلغ المتشددون في اصرارهم بالمحافظة على الموروث وحُب الاوراق الصفراء، ورائحة غبار الاجداد الى درجة ان اعتبروا ان اي (فكر حداثوي) وان لم يتقاطع مع ثوابت الاسلام هو خروج عن مسار السلف الصالح وسيرتهم التي هي مَنهج يستحيل تبديله او الاقتراب من أسسه..! إذ يزعمون ان كل ما ورثناه من السلف هو العروة الوثقى وبدونها لا نجاة من الشقاء..؟!!
وبعدُ هو سقوط في مخطط الغرب الكافر الذي يريد مسخ هويتنا التي هي نتاج تاريخ الاباء والاجداد الماضين..!! وهؤلاء بلغ بهم الحال الى تكفير وتفسيق اي مفكر نطق بلغة معاصرة.
وهذان المساران ألقيا بتأثيرهما على المجتمع والمثقفين بصورة خاصة، والكتّاب بصورة أخص، فمقالات ومؤلفات البعض كمن يغرد خارج السرب، فكلامه لا يلامس الواقع كأنه في كهوف وجحور الماضي لايزال في الابجديات والاف باء في طروحاته، واما معالجة بعض المشاكل الاجتماعية او السياسية – على فرض تطرقه لها – فهي اقرب الى المثالية؛ لأنه لا يحاول ان يخرج عن الاصالة والثوابت بِزعمه..!
وما يُطرح من البدائل والحلول لمشاكل الناس غير مرحب بها في الوسط الاجتماعي؛ لأنها لا تتعشق مع روح العصر ومتطلباته في عصر صراع الحضارات وحوار الامم وتداخل الثقافات، فيُصِر هؤلاء - البعض- على ان يؤطر الفكر الاسلامي بأطر التقديس؛ ليجعله مفصولاً عن الحياة الواقعية، ولا يدخل بقضايا المجتمع والوانه التي بتنا نألف وجودها في اكفنا، ونحن نتصفح المواقع عبر الاجهزة الالكترونية.
ويحاول هؤلاء أن يتخذوا من عنوان القداسة خطاً أحمر بعدم السماح لأنفسهم او لغيرهم أن يدخل الى الخليط الاجتماعي بمكوناته واطيافه التي تفرضها متغيرات الزمن مبررين الحفاظ على قدسية الفكر الاسلامي، بينما الركب بكل طاقمه يسير غير عابئ بتلك الحواجز، ومتخذا الفكر البديل - الغير الاسلامي - ومُمتَطياً أطروحات دعاة الحداثة والتجدد بمسارهم المتطرف والمفرط، ويتخذ من رؤاهم محورا للحياة والواقع في كل مفاصل الدولة والمؤسسات والتكتلات، بل يصدح بعض أولئك المعجبين بذلك الفكر البديل بعدم جدوى الفكر الاسلامي؛ لأنه غير مواكب لمتطلبات الفرد والمجتمع وغير مُشبع لحاجاته، وان دعاته منغلقون، بل اتُهمَ الفكر الاسلامي بالتحجر والرجعية..!
ولهذا – وغيره - ما يُحرك المثقف المسلم - كما اسلفنا - في التترس بمفردات الحداثة في مقالاته تقيةً ودفاعا عن خطه الذي يسير فيه كمثقف مسلم يعتز بأصالة فكره ويحافظ على ثوابته، وما الذنب الا ذنب أولئكم الذين فصلوا المُسلم والفكر الاسلامي عن التعايش مع الواقع ومتطلبات العصر وحداثته كما يعبرون، ويُسقّطون بالنقد اي ناشط يحاول ابتكار صيغ تحقق انسجاما بين الثوابت ومتغيرات الحياة، وتُلبس الاصيل حُلة التجديد؛ تطويرا وترقيةً في أي مجال فكري ونظام عملي.
على المُثقف ان يُحافظ على ثوابت الدين والقيم ويتوجه نحو الابتكار في التعامل مع ما وصل اليه إنسان العصر الحاضر من تطور في وسائل عيشه ووسائل التعليم والتربية ويدرس تفاصيل أي مجال، ويحاول ان يجد النوافذ التي من خلالها يحقق الانسجام المُثمر في الحياة وفي كل مفاصلها.
وان يعالج الانحراف في مسألة نفور الافراد من الدين؛ بسبب الشبهات التي تُثار على تعاليم الاسلام واتهامه بالتخلف علاجا مستساغا يوفر المُعادل الموضوعي ويغير مَباني واسس قناعات أولئكم الافراد بما ينفذ فيه الى وضع ايديهم على مرونة الاسلام وتعاليمه وانفتاحه على كل الثقافات، بل الاسلام يدعو الى نبذ الجمود والاعتياد على نمط واحد في عِمارة الدنيا والاخرة، ويضع امامهم أُسس لبناء الفكر الاسلامي المعتدل المُفعم بالحيوية والنشاط الذي يُلامس مشاعره ويثير عواطفه ويجعله على حد المسؤولية وموقع التغيير، فيندفع الى العمل بروح الايمان، ومراعيا لقيم الاسلام على ساحة الواقع، مُتخذا من انظمته نظاما للحياة الانسانية في كل تفاصيلها.
فليس الاسلام منحصرا وجوده في المسجد او المناسبات الزمانية او البقاع المقدسة بل ان سر اعجاز الرسالة الاسلامية وخلودها انها مصدر الهداية في زمان ومكان، وشاملة لكل حاجات البشرية مهما بلغت تطورا ورُقيا في وسائلها، وان الفرد المسلم المثقف هو محور حركة المجتمع من خلال رساليته، وأخذه مواقع المسؤولية والتأثير لا انه منزوٍ ويؤطر نفسه بهالة من القداسة والتميّز الفارغ مهتما بالماضي والموروث.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat