الأربعين.. مسيرة العودة الى الذات.
عباس البخاتي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عباس البخاتي

لا تخلو اية فعالية سواء كانت اجتماعية او دينية من ظواهر طارئة تؤدي لإنحراف البعض عن الهدف الذي شرعت لأجله.
الحديث عن مسيرة الأربعين وعموم الشعائر الحسينية يتطلب مزيدا من الدقة والموضوعية لاهميتها المرتبطة بعقيدة عموم أتباع أهل بيت النبوة صلوات ربي وسلامه عليهم.
بما ان الأسس الشرعية لهذه الشعيرة مأخوذة من تراث المعصومين وتربيتهم لشيعتهم فيجب ان يكون التطبيق الواقعي والتفاعل النفسي بمستوى مكانة المصدر التشريعي الذي تتفق عليه مدرسة اهل البيت وعلماءها.
لذا لابد لنا من العودة لحقيقتنا الوجودية التي جعلناها مختارين لا مكرهين، رهنا لمزاج المعصوم ورؤيته للدين والحياة، ونبحث في تفاصيل سلوكياته وتفاعله مع واقعة الطف الأليمة، لنكون بمستوى الانقياد والطاعة لأمره، القاضي بأن نكون زينا لهم ونحذر أشد الحذر من ان نصبح شينا عليهم.
أمر آخر لابد من الوقوف عنده مليا يتعلق بتصورنا لحالة الإمام وهو يتفجع ألما وحزنا على مصاب جده السبط الشهيد، والشواهد كثيرة على ذلك، نورد بعضها بنحو الإيجاز، منها قول الإمام الرضا لإبن شبيب "ان يوم الحسين اقرح جفوننا"، والكلمة الشهيرة للأمام الحجة عجل الله فرجه الشريف "لأبكين عليك بدل الدموع دما".
انت أيها القاريء او السامع كمسلم موالي لآل محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات، كيف تتعامل مع هذين النصين لو قدر لك ان تسمع مباشرة من الإمام وليس على صيغة نقل الرواة؟
كيف تكون سلوكياتك وانت تشاهد المعصوم الذي أيقنت بولايته وفرض طاعته عليك_ وانت تشاهده بهذا الحال؟
اعتقد ان الأمور واضحة للقاصي والداني والإجابة حاضرة، لكن آلية استقطاب النفس الإمارة واستنهاض الهمة بحاجة الى توفيق إلهي أولا، وإلى إخلاص حقيقي، وارادة للتغلب على الذات الانهزامية ثانيا.
ما يرافق الشعائر سواء في المجالس او القصائد او المسير، من أفكار وسلوكيات دخيلة على النمط الموروث الشعبي، لا يخلو من أمرين احدهما أخطر من الآخر.
الأمر الأول الترف الفكري البعيد كل البعد عن استحضار الفاجعة وهول المصيبة التي انعدم فيها الضمير.
إذن فالشاعر الذي يستثمر فاجعة الطف وأيام الحزن للحديث عن أمور لا علاقة لها بمعصوم تقرحت جفونه ليوم الحسين، من الأفضل له مراجعة ذاته واعادة النظر في صفته كشاعر حسيني.
ناهيك عن الايقاعات الغريبة، وان كانت تحت مسمى الحداثة التي شملت القصيدة الحسينية، والتي يعتقد الكثير إنها تخلو من الحس العاطفي الذي يأخذ السامع الى أجواء الفاجعة، وعليه بات من الضروري جدا على أصحاب الوعي وحملة الهم العقائدي وأصحاب الحرص على قضية سيد الشهداء_العودة للقصيدة التقليدية التي تحكي صدق المعاناة والألم العاشورائي.
اضافة إلى الجمهور فهو مطالب ايضا بتشخيص الخطيب الذي ينتظر ايام عاشوراء ليبث سمومه ومتبنياته الفكرية من على منبر الحسين، والحذر منه كي لا يأخذ بعدا شرعيا يوغل من خلاله في استباحة أذهان العوام، وتوجيه افكارهم بعيدا عن الحقيقة الدينية والثقافية لشيعة اهل البيت.
في المسير الى كربلاء ورغم البعد الايجابي التي تعكسه صورة التفاني والتخادم والمحبة بين الزوار واصحاب المواكب وسائر الفعاليات الراعية لتلك المسيرة، لكن وجود بعض الجزيئات السلبية يعد مؤشرا على تسلل بعض الافكار الدخيلة التي يجب التصدي لها، كي لا يكسبها تقادم الزمن شرعية يصعب مكافحتها في المستقبل.
اما الأمر الثاني فهو غير مرتبط بأصحاب النوايا الطيبة الذين لبعضهم مساحة في البعد الأول الذي أشرنا إليه، بل يتعلق بأصحاب النوايا المبيتة، والمدفوعين لأغراض فئوية وحزبية، من المغرر بهم، سيما والوضع العراقي الجديد قد وفر مساحة من الحرية في التعببر عن الرأي، فنشهد أحيانا اساءات في طريق الزائرين توجه لشخصيات دون غيرها وهتافات تصدر من بعض الصبية والمراهقين محسوبين على جهة ما، تسيء لجهات وشخصيات لها موقعها في الوجدان الشيعي ومساحتها الاجتماعية، لكن الفارق بسيط وهو ان تلك المجاميع أمنت ردة الفعل فأساءت الأدب، وهذا يعكس تسامي من كان هدفا لتلك الإساءات وترفعه عن الوقوف عند تلك الجزيئات البسيطة بنظره، والتي لا تستدعي الوقوف عندها، كون البلد بحاجة الى قادة مثاليين ينظرون الى ما هو أبعد من هتافات الإشادة او صيحات الأساءة فثنائية الوطن والعقدية بحاجة لمن يربأ عن تلك التصرفات فهي لا تخدم سوى الطارئين على معترك الزعامة، ومن ولد زعيما بالفطرة لا يعيقه عن السعي لبلوغ هدفه ضجيج النابحين ولا يرفع من شانه كثرة المادحين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat