دائما تتغنّون بالصبر ...لكن ما فائدته؟
امنة بريري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
امنة بريري

قالت صديقتي وعلى وجهها علامات السخط والثورة :
ـ كرهت الدنيا و سئمت حياتي ومللت من كلّ ما يحيط بي .إنّني إنسانة بائسة وتعيسة ،فلا حظّ لي في السعادة والفرح .آمالي الجميلة تحطّمت على صخور الخيبة والخسران وأحلامي الورديّة انقلبت إلى كوابيس بشعة ترهبني وتحزن قلبي .
فأجبتها : الصبر يا صديقتي ،الصبر...
فقالت ساخطة :
ـ الصبر الصبر.... دائما تتغنّون بالصبر ...لكن ما فائدته ؟فسواء صبرت أو لم أصبر فلن يتغيّر أيّ شيء في حياتي. إنّي أعيش ظروف حياتي مرغمة وأتقبّلها كرها بينما أنا ضائقة بها أكاد أنفجر من فرط ضيقي .فما الذي يتغيّر لو أنّني كنت صابرة عليها ومعلنة لرضائي بقسوتها عليّ ؟ ستبقى الأمور كما هي سواء رضيت بها أو أعلنت ثورتي ورفضي .فأيّ فضل للصابر إذا كان مجبرا على الصبر لا خيار له فيه ؟ فهو سيصبر إن شاء ذلك أو أبى بما أنّه سيتحمّل الظروف المضنية بالرغم من أنفه وستمرّ الأقدار القاسية على مسار حياته بإرادته أو بدونها .فما الفرق إن صبر أو سخط وإن رضي أو ضجّ ؟
ـ كلامك صحيح في جزء منه يا صديقتي وذلك عندما قلت أنّ الأقدار ستمرّ على مسار حياة الإنسان سواء رضي بها أو سخط عليها .فلا مهرب من القدر وكلّ ما هو مكتوب على الجبين سوف تراه العين .لكنّ هذه الحقيقة هي على عكس ما ظننت أمر طيّب وإيجابيّ .لأنّ يقيننا من عجزنا على التملّص من أقدارنا يجعل قدرتنا على الصبر أكبر و رضانا بحكم الأقدار أسهل على نفوسنا .
فنحن وقد تأكّدنا أن لا مفرّ لنا من تحمّل ظروفنا ندرك أنّ أفضل الحلول بالنسبة لنا في التعامل معها هو الصبر عليها ما دام السخط والغضب لن ينفعانا شيئا .وهكذا ترين أنّ هذه النقطة التي ذكرتها هي في الحقيقة تسهّل علينا أمر الصبر وتجعلنا نفضّل الإقبال عليه كحلّ لا بديل له .وهذا من رحمة الله بنا إذ جعل الصبر الذي هو عمل يُثاب عليه الإنسان من خالقه ثوابا عظيما أمرا نُدفع إليه دفعا ونُساقُ بشكل تلقائيّ وطبيعيّ .وهذا يسهّل الطاعة ويجعل الثواب أيسر وأسهل . وتصبح الطاعة حسب هذا المنظور أسهل وأقرب من المعصية لأنّها المسار الطبيعيّ الذي يجب أن ينقاد نحوه أصحاب الألباب .وهذا من رحمة الله بنا إذ جعل الأفعال التي تؤدّي بالواحد منّا إلى الجنّة أقرب إليه من شراك نعله .وفي هذا يقول نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم :الجنّة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك .
فما دمنا قد علمنا أنّ القدر لن يتغيّر سواء صبرنا أو لم نصبر فأيّهما من الأمور الحكيمة :أن نصبر وننال أجر الصبر أو نسخط فلا نربح شيئا ويتحقّق الأمر المقدّر الذي كرهناه بالرغم عنّا ؟
ومن هنا يمكن اعتبار الصبر من أيسر الطرق لرفع الدرجات و تخفيف الذنوب إذ لا يتطلّب منّا جهدا غير الرضا بالقدر والتسليم لأحكام الدهر. فكأنّي به آخر الفرص الي يمنحها الله للإنسان الذي قصّر به عمله عن بلوغ الدرجات الرفيعة من أجل اللحاق بركب السابقين ونيل بعض ما أعدّه الله من نعيمٍ جزاء اجتهادهم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat