صفحة الكاتب : بتول كفاح

حين ساقني الله إلى الكتابة
بتول كفاح

 

كان يومًا واحدًا فقط يفصلني عن الهاوية.

ليالٍ طويلة قضيتها أحدّث نفسي بصمتٍ ثقيل، قراراتي لم تكن قرارات، بل استسلامًا مقنّعًا لموجةٍ لا أملك النجاة منها. كنت قد حزمت أمري، جمعت شتاتي، وحددت اللحظة التي سأنهي فيها كل شيء. لم يكن قرارًا متهورًا، بل مخاضًا مؤلمًا سبقته شهور من الألم، والكتمان، والتآكل من الداخل.

وفي خضمّ ذلك الانهيار الصامت، حدث ما يشبه المعجزة الصغيرة... همسة من أحدهم، اقتراح عابر:

"استشيري أحدًا قبل أن تُقدمي على ما عزمتِ عليه."

كأن الله ألقى إليّ بطوق نجاة على هيئة صوتٍ خافت.

ترددت، ثم اتصلت.

تحدثت المستشارة بهدوء، وطلبت أن أزورها.

"زيارة واحدة فقط"، قلت في نفسي.

فما الذي سأخسره إن خطوتُ خطوتي الأخيرة بعد أن أراها؟

في صباح الموعد، استيقظت بروح مثقلة، كأنها شجرة في الخريف تساقط عنها الأمل ورحل. كان قلبي يحدّثني:

"لماذا تذهبين؟ القرار قد اتُّخذ، ولا جدوى من الكلام."

لكن كان هناك صوت آخر، خافت وعميق، يهمس:

"ربما تبحثين عن ذريعة أخيرة للتراجع، لكنك تخجلين من الرجوع."

وصلتُ إليها متعبة، وجلسنا. نظرت في عينيها وقلت بصراحة:

"أنا متخذة قراري، ولا أظن أنك تملكين ما يمكنه تغييره. لا أعلم حتى لماذا جئت."

ابتسمت، ولم ترد بكلمات عظيمة. بل بدأت تسأل، وأنا أجيب... ثم أكمل، ثم أفرغ كل ما كنت أحمله، وكأن أربعة جدران صغيرة أصبحت ملاذًا للبوح، للضعف، للإنسانية.

أربع ساعات.

أربع ساعات من الحديث، والبكاء، والمقاومة الداخلية.

أربع ساعات من محاولة التمسك بقراري، ومن يدٍ تمتد بهدوء لتنزعني منه بلطف.

ثم قالت لي بصوت صادق:

"لا أطلب منكِ أن تُلغِي القرار، فقط أجّليه... امنحي نفسك مهلة، ستكتشفين فيها أن الحياة لم تُغلق أبوابها بعد."

وفي خضم الحديث، مررنا على حلمي المهمل... على شيءٍ ما كنت قد دفنته منذ زمن: الكتابة.

أخبرتها أنني كنت أحب أن أكتب، وأحلم أن يُكتب اسمي على غلاف كتاب.

فابتسمت بدهشة حنونة وقالت:

"أنا كاتبة، لدي ستة عشر كتابًا، وسأساعدك في كتابة أول كتيّب، حتى لو كان صغيرًا. المهم أن يولد حلمك من جديد."

ثم ناولتني كتابًا من تأليفها، عليه اسمها وتوقيعها، وكلمات إهداء كتبتها خصيصًا لي.

عدتُ إلى منزلي تلك الظهيرة وأنا لا أشبه نفسي، كأن أحدهم أزاح الغيم عن قلبي.

جلست أقرأ ذلك الكتاب حتى نهايته. كان يتحدث عن الحياة، والصداقة، وتخطيط المستقبل، وطرق كسب القلوب... وكل نهاية فصل تحمل تمرينًا صغيرًا، كأنه يمسك بيدي لأبدأ من جديد.

في ذلك اليوم، أدركت الرسالة التي خبأها الله بين السطور:

أنني كنت على وشك التمرد على الحياة، فأخسرها إلى الأبد، لكن الله ساقني إلى من يذكرني بشيءٍ أحببته... لأحب الحياة من جديد.

أن الله لا يترك أحدًا ينكسر وحده.
وأن خفايا الأقدار ليست إلا نوافذ خفية يفتحها الله حين تُغلَق الأبواب في وجوهنا.
نوافذ صغيرة... تنقذنا من أنفسنا، وتعيد تشكيلنا من الداخل بلطفٍ بالغ.

الرسالة الخفية التي استنتجتها:

"ما دامت فيك ذرة رغبة في النجاة، فإن الله سيسوق إليك من يدلك على الطريق.
وما دمتَ تحب شيئًا، فسيجعل الله منه حبل نجاة، يعيدك إلى الحياة عبره."


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بتول كفاح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/02


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : حين ساقني الله إلى الكتابة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net