جُرح الطفولة الخالد
د . زهراء منصور الحلفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . زهراء منصور الحلفي

أبدًا نبكي مصابكِ يا رقيّة... أبدًا نبكي مصابكِ يا رقيّة... كلمات تُردّد بشجنٍ، وحزنٍ عميق بصوتٍ فخم حسيني النبرة كان قد إنساب لمسامع رقيّة بنت الست سنين عندما كانت مع والدتها في إحدى العزاءات المقامة في بيت الجيران مُحييًا أحزان أهل بيت النبي (صلوات الله عليهم أجمعين).
رقيّة: ماما لماذا تُردّد النسوة إسمي، ويجهشن بالبكاء؟.
أم رقيّة: حبيبتي وما كان إسمكِ هكذا إلّا تيمّنًا بالسيّدة رقيّة التي نحيي مجلسها الآن.
رقيّة: ومن هي السيّدة رقية؟.
أم رقيّة: هي إبنة الإمام الحسين (صلوات الله عليهما) ذبيح كربلاء، وسيّد الشهداء.
ظلّت الطفلة رقية تفكّر بالسيّدة رقية (صلوات الله عليها) وبعد إنتهاء المجلس ورجوعهم إلى المنزل إنتبهت أمّ رقيّة لإبنتها منزويةً في إحدى الزوايا وقد ألمّ بها الأسى، وغطّى عليها الصمت.
أم رقيّة: ما بكِ يا فلذة كبدي، هل أستطيع مساعدتك؟.
رقيّة: ماما أريدكِ أن تحدّثيني أكثر عن السيّدة رقيّة (صلوات الله عليها) التي بكيتموها اليوم في المجلس!.
أم رقيّة: تعالي لأحضاني يا إبنتي... وأخذت تتلو عليها قصّة السيّدة العلوية من نسلِ العرق الهاشمي المطهّر الرسول الأمين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
إنّ السيّدة رقيّة هي إبنة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، حيث شهدت بأمِّ عينيها اليوم العاشر من محرّم الحرام ذلك الشهر الذي كان أهل الجاهلية أنفسهم يحرّمون فيه القتال... وقد إستشهد فيه والدها (عليه السلام) ومن كان معه من الركب الحسيني الطاهر، إذ فقدت في يومها من يعزّ على كلّ إنسان فقدهم بصفاتهم، ومواصفاتهم؛ إذ إستشهد عمّها العبّاس (عليه السلام) ساقيها وساقي العطاشى، وأخوها أكثر الناس شبهًا بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خَلقه، وخُلقه علي الأكبر (عليه السلام)، وأخوها الطهر عبد الله الرضيع (عليه السلام) وهو في عمر لم يتجاوز الست شهور، وإبن عمّها العريس القاسم (عليه السلام)... وتلوّعت بحرق الخيام، وفرارها مع بقيّة الأطفال لائذين بالعمّة أم المصائب السيّدة زينب (صلوات الله عليها) ثم تمّ نقلها مع السبايا إلى الكوفة ثم إلى الشام.
وهناك في خربةِ الشام حيث لم تعد تحتمل فراق أبيها وهي تنادي أين أبي؟ أين أبي الحسين؟ أخذها النوم وقد رأت في منامها حبيب قلبها والدها الإمام الحسين (عليه السلام) فإستيقظت وهي تقول: أريدُ أبي... أريدُ أبي... وقد قصّت على النسوة ما رأته في منامها وأخذن بالبكاء، وبكى الأطفال، وإرتفع النياح، والعويل فإنتبه اللعين يزيد مستيقظًا، وقال ما الأمر، فأجابوه رقيّة تطلب والدها، فأمر بتقديم رأس أبيها لها... رأته (صلوات الله عليها) ، ففزعت، وأنّت، وماتت على الرأس الشريف وهي بنت الثلاث، أو الأربع سنين أو أكثر من ذلك بقليل بحسب الروايات في الخامس من شهر صفر في سنة إحدى وستين هجرية ولا تزال أنّتها لليوم تدوّي في الآفاق، وتصهر قلوب المحبّين، وتزيد في لعنات اللاعنين على الطاغية يزيد، وأعوانه في كلّ عصرٍ، وحين.
أخذت الطفلة رقيّة تجهش بالبكاء وتسأل والدتها: وأين يقع قبرها (عليها السلام) ؟ أجابت الأم: في الشام خلف المسجد الأموي بمئة متر، أو أكثر في دمشق وتحديدًا باب الفراديس... ما قصدها مهموم إلّا وفرّج الله (تعالى) همّه، ولا مغموم إلّا وكشف الله (تعالى) غمّه، ولا طالب حاجةٍ إلّا وقضى الله (تعالى) حاجته... هي طفلة صغيرة توقّف نبضها في حبِّ الحسين (عليه السلام) فأحيا الله (تعالى) ذكرها وأين يزيد منها الآن وهو في مزبلة التاريخ! ، وهي ( صلوات الله عليها) في الذكر النبيل الخالد يبكيها كلّ من عرفها، ويفجع لمصابها كلّ من ذكرها وهذه يا صغيرتي هي السيّدة رقيّة إبنة الإمام الحسين (عليه السلام).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat