الحياة الأسرية بكل ما تحمله من معانٍ سامية سمو الإنسان التائق للكمال، ترنو للتكاتف والتآصر المثمر، وهذا التعاون البنّاء؛ مخاضه الراحة والسعادة المرجوة من الإنتماء الأسري، بكل ما يحمله من دفء وحنان... ابتداء من الرجل باعتباره مسؤولا عن رعيته، والرمز الذي تعوّل عليه الأسرة في خلق الإستقرار والطمأنينة، وإشاعة الأمان في أجواء الأسرة...
فالرجلُ الذي يحكمُ عائلته بالعنف والقسوة من باب التعالي والسيطرة القمعية، عليه مراجعة النفس، وطيّ صفحة الماضي وترسباته التي ألقت بظلالها على نفسيته اللاشعورية المتراكمة نتيجة الحرمان العاطفي، ونتيجة الفهم الخاطئ المتوارث عبر السنين عن أن المرأة خادمة للرجل، وتابعة له على طول الخط، وأن الأبناءَ لايمتلكون الشخصية وحرية التعبير عن الرأي...
مع أن فقهنا الإسلامي لا يقول بوجوب الخدمة المنزلية - على سبيل المثال - وإنما حددَها بالتمكين من نفسها، وعدم الخروج إلا بإذنه، وأن تسرَّه ولا تغضبه... فعلى الرجلِ الرفق بزوجته في كل الأحوال، عملا بقول نبي الرحمة (ص): (رفقاً بالقوارير) في تشبيه النساء بالقوارير، دلالة على عدم صلابتهن كصلابة الرجل في بنيته الجسمانية... وهناك مواردُ حددَها القرآنُ الكريم في ضرورة التوجيه والموعظة الحسنة، قبلَ الهجر في المضاجع، والضرب، وهو آخر الإحتمالات نادرة الحدوث... هذا الأسلوب التربوي التدريجي مآله التروي والصبر، لقطف النتائج الإيجابية، والعيش في كنف الرأفة والحنو والتسامح، وهي أساسيات العيش الرغيد الذي تمنته لنا شريعتنا الإسلامية...
فمثلما الرجل لا يكون عملـُه على وتيرة واحدة أحيانا، كذلك المرأة تتأثرُ بالظروف الخارجية والنفسية، وتتلكأ في بعض مهام المنزل الخدمية، وبالتالي فأن سفينة الحياة يجب أن تمضي بتؤدة وسكينة، لننعم بلحظاتها السعيدة، فلا ينبغي تعكير صفو هدوئها بقضايا بسيطة لا تستحق...
علماً أن طبيعة المعالجات الأسرية، غالبا ما يشوبُها القلقُ حيال إيجابياتها، ومدى توافقها مع متغيرات العصر، مع الحفاظ على الثوابت الدينية والأعراف الاجتماعية التي تمثل هويتنا وانتماءنا لأمتنا الإسلامية، وضرورة خلق هذا التوازن؛ يوفرُ الأرضية الصلبة للتعامل مع أفراد الأسرة على أسس صحيحة غير قابلة للتجاذبات والتهاون على حساب ما جُبلنا عليه على مرّ التاريخ.
ولا يعني بطبية الحال أن كلّ فرد في الأسرة ينبغي أن يعاملَ كمعصوم عن الهفوات والزلل، ولكن الدستورَ الأمثل في قيمومة الأسرة، ومدّها بأسبابِ الحياة والنبض الدائم؛ هو المغفرة والعفو، وتفهم الأمور قبل الحكم والعقاب...
وهناك أمثلة كثيرة وتجارب مستفيضة، مرّت بها مجتمعاتنا، أثبتتْ ضرورة قيام كل فرد بسرد مشاكله ومعاناته من المحيط الخارجي على أسرته، لتكون عملية تفريغ للشحنات السلبية التي تسببُ الكبت المزمن المؤدي لكثير من الأمراض النفسية... ولكن المشكلة هو أن الأعمّ الأغلب لايعتبر أفرادَ أسرته كأصدقاء يفضي لهم ما يجول في خاطره من أفكار وهواجس... لذا ترى الأفراد في مثل هكذا أسر؛ يعيشون وكأنهم في جزر متناثرة هنا وهناك، لاتجمعهم سوى مائدة الطعام أو قد لا تجمعهم أصلا! وهو خلاف البنية الإسلامية الرصينة، وما تعاهدَ عليه ديننا الحنيف من جعل الأسرة نواة فولاذية متماسكة في جسد مجتمع إسلامي؛ ينشد التطور والنجاح وفق الثوابت الصحيحة والنهج السليم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat