في مَسَاءٍ يَمْتَلِكُ مَسْحَةً مِنْ عَالَمٍ مُوازٍ، تَشابَكَتْ خُطُواتُنَا عَلَى طَرِيقٍ لَيْسَ مِنْ خَرِيطَةِ الوطن ولا من دوامة الزمن ... ؛ كَانَ الوُجُودُ يَتَقَطَّعُ إِلَى أَلْسِنَةِ نِيُونٍ المضيئة تَتَهَافَتُ فِي الْفَرَاغِ المظلم ... ، حَتَّى اصْطَدَمَتْ عَيْنَاكَ بِعَيْنَيَّ كَسِحَابَةٍ مثقلة بالأمطار تَلْتَقِي بارض جدباء ... ؛ لَمْ تَكُنِ ابْتِسَامَتُكَ إِلَّا شَفْرَةً مطلسمة بأسرار الجمال والجلال وبحيوية الشروق وحيرة الغروب ... .
فَتَحَتْ أَبْوَابَ حَدِيثٍ يَنْسَابُ كَالزِّئْبَقِ عَلَى أَوْرَاقٍ مَنْسِيَّةٍ... ؛ و تَهادَيْنَا كَلِمَاتٍ مِثْلَ مُجَرَّاتٍ تَتَصَادَمُ فِي صَمْتِ الْكَوْنِ، كُلُّ حَرْفٍ يُولَدُ مِنْ رَحِمِ الْغُيُوبِ، يَحْمِلُ أَسْمَاءَنَا وَعَنَاوِينَ أَحْلَامِنَا الْمُهَشَّمَةِ.
وسرعان ما دخل اللَّيْلُ الْكَثِيفُ بَيْنَنَا كَضَيْفٍ غَيْرِ مُرَحَّبٍ به ، فَتَحَوَّلَتْ حِكَايَاتُنَا إِلَى أَشْبَاحٍ تَرْقُصُ عَلَى جَمْرِ الْوَقْتِ... ؛ كُنَّا نُطَارِدُ النَّوْمَ بِأَظَافِرِ شَوْقٍ مُلْتَهِبٍ، كَأَنَّنَا نَخْشَى أَنْ تَأْكُلَ الظُّلُمَاتُ بُصْمَةَ الْلَحْظَةِ... ؛ و كُلُّ نَعْسَةٍ مَطْرُودَةٍ كَانَتْ تُضَاعِفُ أَسْئِلَةَ الْوُجُودِ: هَلْ نَحْنُ أَطْيَافُ أُولَى مَسَّتْهَا نَدَاوَةُ الْحَقِيقَةِ، أَمْ أَنَّنَا مُجَرَّدُ ارْتِدَادَاتِ صَوْتٍ فِي صَحْرَاءِ الْعَبَثِ؟
وَعِنْدَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ بِسِكِّينِهِ الْبَارِدِة ، تَرَاجَعَتْ ظِلَالُنَا إِلَى زَوَايَا الذَّاكِرَةِ... ؛ اذ لَمْ يَكُنِ افْتِرَاقُنَا إِلَّا وَصْلَةَ انْتِظَارٍ مُمُيت وموجع ، تُرَصِّعُهَا رَسَائِلُ تَتَهَادَى كَنُدُوبٍ عَلَى جِلْدِ وَقْتٍ مَسروق ... ؛ لَكِنَّ الْكَلِمَاتِ صَارَتْ تَتَسَاقَطُ كَأَوْرَاقِ خَرِيفٍ، كُلُّ رَدٍّ يَحْمِلُ ذَرِيعَةَ الْبُعْدِ، وَكُلُّ صَمْتٍ يَبْني سُورًا مِنْ زُجَاجٍ... ؛ هَكَذَا انْقَلَبَ النَّعِيمُ إِلَى جَحِيمٍ صَامِتٍ، أَسْكُنُ فِيهِ كَطَفْلٍ يُجَمْجِمُ بِلُغَةِ الْفِرَاقِ، أَتَسَاءَلُ: أَكَانَ الْقُرْبُ وَهْمًا صَنَعَتْهُ أَنْوَارُ اللَّيْلِ، أَمْ أَنَّ الْبُعْدَ كَانَ كامنا فِي جُذُورِ الْلُقْيَا؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat