أيهما الأغلى: الحريةُ أمَ الوطن سوريا الحبيبةِ أنموذجا
د . محمد خضير الانباري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . محمد خضير الانباري

وأنا أطرحُ هذا السؤال: أيهما الأغلى الحريةَ أمُ الوطنِ، الذي سبقَ أنَ طرحَ هذا السؤالِ الفلسفيِ على الكثير من القراء والكتاب والمفكرين، بمختلف ثقافاتهمْ الشرقيةِ أمَ الغربية، حيثُ اختلفتْ الإجاباتُ والرؤى وكلُ فسرَ حسبَ ما يعتقدهُ أوْ فهمهِ للحريةِ والوطنِ منْ كلتا الكلمتينِ أوْ المصطلحينِ أوْ المفردتين، وتجربتهُ في الحياةِ المعقدة.
فمحبو الوطن؛ تفردوا وتغزلوا وأنشدوا في حبهِ وحنانه، وتوجوهُ بكأسِ الأولويةِ والأسبقيةِ على الحرية، وبرروا ذلكَ بالقول: ليسَ للحريةِ قيمةً دونَ وطن، وممكنٌ الصبرِ وتحملِ الظلمِ والفقرِ وبطشِ النظامِ الحاكم، والتنازلُ عنْ الحرية، ليحتفظوا بمكانهِ جغرافيا على أرضِ الوطن.
وانطلقَ الرأي الآخرُ منْ محبي الحريةِ؛ بالقول: إنَ الوطنَ لا قيمةً لهُ دونَ الحرية، ، واعتبرَ الوطنُ قيدا على الحريةِ إنَ ظلما فيه، ولهمْ فلسفتهمْ وقناعتهمْ في الإجابةِ منْ تجربةِ الحياة.
إنهُ حقا سؤال فلسفي، ليسَ لهُ إجابةٌ واحدةٌ محددة، فهوَ يعتمدُ على قيمِ الفردِ ومعتقداته.
يرى البعض: إنَ الوطنَ هوَ الأغلى، فهوَ يمثلُ الهويةَ والانتماءَ والتأريخ. بينما، يرى الآخر: أنَ الحريةَ هيَ الأغلى، فهيَ تتيحُ للفردِ أنْ يعيشَ حياةً كريمةً ويحققُ ذاته. إنَ كلا الرأيينِ لهما ما يبررهما.
إنَ الإجابةَ المتوازنة، قالها القائل: إنَ الوطنَ هوَ المكانُ الذي نشأنا فيهِ وترعرعنا، وهوَ يمثلُ تاريخنا وهويتنا ، أن العيشَ في وطنٍ حرٍ يمثلُ ذروةَ السعادة، ولكنْ قدْ يضحي البعضُ بالعيشِ في الوطنِ منْ أجلِ الحرية، لأنَ الحريةَ ؛ هيَ القدرةُ على التعبيرِ عنْ الذات، واتخاذَ القرارات، واختيارَ المسارِ الذي نريدهُ في الحياة، قدْ يضحي البعضُ بالوطنِ منْ أجلِ الحرية، إذا كانَ الوطنُ لا يوفرُ لهمْ هذهِ الحرية.
انقلْ إليكمْ بعضُ ذكرياتي عنْ هذا السؤالِ الفلسفي، شاءتْ الظروفُ أنْ أتواجدَ في سوريا بضعَ سنواتٍ بينَ الأعوامِ 2007- 2011، حيثُ حدثني أحدُ العراقيينَ الأصدقاءِ خلالَ لقائي بهِ في أحدِ المقاهي السوريةِ الجميلةِ وسطَ العاصمةِ دمشقَ القديمة، بعدُ أنْ التقى بأحدِ المواطنينَ السوريينَ (الدروز) منْ سكنةِ الجولان المحتلة، الذي يزورُ سوريا سنويا لتفقدِ أقاربه، ويقوم ببعضَ الجولاتِ السياحيةِ لبعضِ المدنِ السورية، ليعيدَ ذكرياتهِ في وطنهِ السوريِ العزيزِ على نفسهِ حسبَ رأيه.
يقول: نحنُ الدروزَ في الجولان السوريِ المحتلِ منْ قبلُ الكيانِ الصهيوني، وهوَ فلاحٌ ومزارع، نعيشُ أفضلُ منْ السوريينَ في بلدنا سوريا، تدعمنا الحكومةُ الصهيونيةُ بكلِ أنواعِ البذور، وتوفرَ لنا المكننةُ الحديثةُ في الزراعة، وتشتري منتجاتنا الزراعية، وتدفعَ لنا أثمانها بالعملةِ الصعبة، ومنحتنا الجواز الصهيونيَ ، الذي نزورُ فيهِ معظمُ بلدانِ العالم، وتدعمَ أولادنا في الدراسةِ في الداخلِ والخارج، ولدينا تأمينٌ صحيٌ شاملٌ في أرقى المراكزِ الصحية .
أما أهلنا في سوريا الحبيبة، يعيشونَ في مجاعةٍ تامةٍ ومطاردينَ أمنيا منْ مختلفِ أنواعِ الأجهزةِ الأمنيةِ السوريةِ ولأتفه الأسباب، ولا تنحلها إلا، برشي ومبالغ كبيرةً ، وإلا، مصيرهمْ السجونَ الأبديةَ التي لا يمتلكها حديثا، إلا منْ كانَ حفيدا لنيرون سابقا.
قلَ لي بروحِ أبيك، ماذا نحبُ الحريةُ والدعمُ الذي يوفر لنا الكيانُ الصهيونيُ المحتل، أمْ منْ حكومتي الوطنية، التي ثبتَ مفردتي (الوطنيةَ والحرية) في شعاراتها والكتبُ الدراسيةُ فقط، فهيَ حكومةُ الذلِ والقتلِ والتعذيبِ والفسادِ والإجرام، أجبني يا أيها العراقيِ الشهم؟ ومعَ ذلكَ أقلَ لك: فهذا إجابتي ليسَ منْ قلبي، فقلبي يقول: إنَ الوطنَ هوَ الأغلى والأثمنُ والأسمى، ولكنْ ما باليدِ حيلة، لأنها عكسُ ذلك، سوفَ أتهمُ بالخيانةِ لمصلحةِ العدوِ الصهيوني، وأنا لا أقبلُ أنْ تهيننيَ بوطنيتي مقابل حريتي.
ونحنُ نتابعُ أخبارا اليومِ وما قبله، فقدَ بدأتْ الحربُ الأهليةُ بينَ الدروزِ السويديينَ منْ أحفادِ الأطرشْ ، وعسكرَ وميليشياتِ النظامِ الجديدِ في سوريا ، وكلَ لهُ مطالبه، في فرض الأمن والعيش بسلام وتطبيق القانون والسيادة. المصيبةُ تكمن هنا! فالدروزُ يدعمهمْ الكيانُ الصهيونيُ بكلِ جبروته، والعسكرُ مدججينَ بالأسلحةِ وميليشياتِ داعشْ الإرهابيةَ القديمةِ لمختلفِ الجنسياتِ بلحاهمْ وأشكالهمْ الآسيويةِ التتريةِ والمنغولية، التي تحولتْ إلى الجيشِ الوطنيِ السوريِ في قدرةِ قادرٍ في ليلةَ وضحاها، ودعما إقليميا ودوليا لهذهِ السلطةِ الجديدة .
لقدْ كانَ البناءُ الجديدُ في سوريا الحبيبة، غيرَ مدروس، يتحملَ ذنبهُ أمامَ اللهِ – سبحانهُ وتعالى- منْ صاغَ البناءُ والتخطيطُ لذلك، عندما أبعدَ النخبَ الوطنيةَ عنْ السلطةِ السياسيةِ الجديدة، وسلمها لأطرافٍ ، لا تعرفُ الإدارةُ والحكمةُ والمدنية، وليسَ لها قاعدةٌ جماهيريةٌ أوْ وطنيةٍ في سوريا سوى مفردةٍ (داعشْ) ، وتريدَ أنْ تمحيها بأفعالها وتفرض مقبوليتها على الشعب السوري، وهذا يتطلبُ الوقت، لذلكَ كانَ المفروضَ أنَ تسلمَ السلطةِ إلى بعضِ الشخصياتِ الوطنيةِ المعروفةِ منْ المعارضةِ السورية، وما أكثرهمْ منْ انشقوا منْ النظامِ السابق، ويبدأَ البناءُ الصحيحُ بحكومةٍ وطنيةٍ وبرلمانٍ مؤقتٍ يضمُ كلُ أطيافِ الشعبِ السوري.
نقولُ لمنْ لديهِ القرار: تداركوا الأمرُ قبلَ فواتِ الوقتِ وتتحولُ سوريتنا الحبيبةَ وشامنا العزيزةَ إلى ساحةِ قتالِ بينَ أهلها النجباء.
في النهاية، يظلّ السؤالُ مفتوحا، ويعتمدَ على ما يعنيهُ كلٌ منْ الحريةِ والوطنِ بالنسبةِ للفرد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat