الجولاني: عميل بصيغة "ثائر".. من سجون الاحتلال إلى حضن الاستخبارات
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

في عالم يضج بالتضليل السياسي والتلاعب الإعلامي، تظهر شخصيات غامضة تتدثر بثياب "الثورة" وتخفي تحتها ولاءات مشبوهة ومهمات مريبة... ؛ و من بين تلك الشخصيات يبرز اسم أحمد الجولاني، الذي لا يزال يكتنفه الغموض في الأصل والنسب والهوية، ما يثير تساؤلات جادة حول حقيقة خلفياته، ومن يقف وراء صعوده السريع في مشهد الجماعات المسلحة في سوريا.
■ عميل بوجه ثائر
ليس ثمة شك لدى كثير من المتابعين والباحثين بأن الجولاني ليس إلا صنيعة استخباراتية تم تصنيعها وتوجيهها بدقة، لتنفيذ أجندات دولية في المنطقة... ؛ ووفق تقرير لصحيفة The Independent البريطانية نُشر عام 2016، أكدت مصادر استخباراتية أن "أبو محمد الجولاني" كانت له علاقات تنسيق غير مباشرة مع أجهزة استخبارات غربية وإقليمية، خاصة بعد إعلانه الانفصال المزعوم عن تنظيم القاعدة وتحوله من "جبهة النصرة" إلى "هيئة تحرير الشام".
وقد دعم هذا الطرح تحقيق نشرته مجلة The Intercept الأميركية، استند إلى وثائق مسرّبة من وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA)، كشفت عن مراقبة لقاءات واتصالات بين قيادات من "جبهة النصرة" وعملاء أجانب في تركيا وقطر، مما يعزز فرضية أن هذا التنظيم كان أداة في لعبة إقليمية ودولية أكبر من مجرد شعارات "الجهاد" و"الثورة".
■ من سجن بوكا إلى ساحات سوريا
يرتبط اسم الجولاني أيضًا بمحطات مظلمة في العراق، حيث تؤكد تقارير من BBC Arabic عام 2014 أنه كان أحد نزلاء سجن بوكا الأميركي السيء الصيت، والذي خرج منه لاحقًا العديد من قادة الإرهاب، بينهم أبو بكر البغدادي... ؛ وقد وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش الدور الذي لعبه هذا السجن في إعادة تدوير القيادات المتطرفة، وتسهيل صعودها مجددًا في كل من العراق وسوريا، مما يشير إلى وجود هندسة استخباراتية مدروسة خلف هذا المشروع الدموي.
■ الدعم الإسرائيلي و"الإنسانية المسمومة"
في السياق ذاته، لم تعد خافية على أحد طبيعة العلاقة بين إسرائيل وبعض الفصائل المسلحة في الجنوب السوري... ؛ فقد كشفت تقارير صادرة عن بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) في الجولان عام 2017، أن الجيش الإسرائيلي قدم مساعدات طبية ولوجستية لفصائل مسلحة، بعضها على صلة مباشرة بـ"جبهة النصرة"، وذلك تحت غطاء "المساعدات الإنسانية".
هذه المعلومات لا يمكن فصلها عن الدور الذي أُوكل للجولاني وأتباعه في محاربة محور المقاومة، ومعاداة الشعوب والتيارات الإسلامية ، وعلى رأسها حركات واحزاب أتباع أهل البيت ، في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين وايران واليمن وغيرها ... ؛ وقد صرح قادة الكيان بدورهم المحوري في اسقاط نظام بشار الاسد واعتلاء الجولاني لسدة الحكم في سوريا .
■ مواقف عدائية واصطفاف صهيوني
في مناسبات عديدة، عبّر الجولاني عن عدائه الواضح للمقاومة الإسلامية، فهاجم حزب الله وحركة حماس، كما تبنى خطابًا طائفيًا متشنجًا ضد الشيعة والنظام السياسي في العراق وإيران... ؛ لكن ذروة السقوط الأخلاقي تمثلت في تصريحه الأخير، بالتزامن مع المواجهة بين إيران وإسرائيل، حيث أعلن ـ دون خجل ـ أن "أجواء سوريا مفتوحة أمام سلاح الجو الإسرائيلي"، مضيفًا أن "الجبهة واحدة بيننا وبين إسرائيل – ونحن في خندق واحد - ضد الإيرانيين المسلمين "!
إن كان في هذا التصريح من دلالة، فهو يكشف عن الوجه الحقيقي للصهيونية الجديدة، التي ترتدي أقنعة دينية وثورية، لكنها تنفذ أجندات استعمارية تستهدف استنزاف المنطقة وتمزيق نسيجها الديني والقومي والاجتماعي ... ؛ ولعل هذه الاحداث والوقائع الحالية والسابقة تعد تمهيدا لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بشر به نتنياهو ودعا الى تنفيذه ولو بالقوة .
#"الجولاني وساعة الصفر: المشروع الإقليمي لضرب الشيعة وإسقاط العراق"
في عمق المشهد الإقليمي المتوتر، تبرز شخصية أبو محمد الجولاني لا بوصفه "معارضًا سوريًا" كما يحاول الإعلام الغربي والعربي تسويقه، بل كأداة تنفيذية لمشروع واسع يهدف إلى تطويق الشيعة ومحاصرتهم تمهيدًا لإبادتهم سياسيًا واجتماعيًا وحتى وجوديًا، ضمن مخطط دولي تشترك فيه قوى متعددة، تبدأ من واشنطن ولا تنتهي عند تل أبيب أو أنقرة أو الرياض.
لقد دلّت أحداث العقد الأخير في سوريا على أن المهمة الأصلية للجولاني لم تكن إسقاط النظام السوري فحسب، بل كانت تستهدف مناطق الوجود الشيعي تحديدًا، سواء في محيط دمشق أو في ريف حلب وحمص او الساحل السوري ، وامتدت لاحقًا إلى الحدود اللبنانية حيث شنّت عصاباته الإرهابية هجمات متكررة ضد بلدات شيعية، فضلاً عن محاولات اختراق جبهة حزب الله وتفجير الداخل اللبناني... ؛ اذ لا يمكن قراءة هذه التحركات بمعزل عن نَفَسٍ طائفي حاقد يخدم أجندة إقليمية معروفة هدفها خنق محور المقاومة وإعادة تشكيل المنطقة على أسس مذهبية تُمزّق ما تبقى من نسيجها الاجتماعي.
لكن الأدهى من كل ذلك، أن المهمة الأخطر للجولاني لم تبدأ بعد، وهي المهمة المرتبطة بالعراق تحديدًا، حيث يتماهى مشروعه المشبوه مع المشاريع الغربية والصهيونية والخليجية لإسقاط العملية السياسية في البلاد، وتدمير التجربة الديمقراطية الهشة التي لا تزال تتلمس طريقها وسط كمائن الداخل وألغام الخارج. فالعراق، بنظامه الجديد بعد 2003، وبأغلبيته الشيعية التي باتت تمثل ثقلاً سياسياً وشعبياً، يشكّل عقدة وجودية لقوى الهيمنة القديمة التي ترى في تمكين الشيعة تهديدًا لـ"الستاتيكو" الطائفي التقليدي الذي حافظ على تبعية المنطقة لعقود.
لقد تكشفت خيوط التعاون بين تنظيم الجولاني (الذي يتلون بأسماء متعددة) وبين الأجهزة الاستخباراتية الغربية والتركية والقطرية والسعودية في أكثر من محطة، وليس من قبيل المصادفة أن تُفتح له المعابر وتُغضّ الطرف عن تحركاته، بينما يتم قصف كل مقاوم حقيقي يقف في وجه المشروع الصهيوني – الأمريكي.
والأخطر من ذلك، أن تحركات الجولاني الأخيرة في الشمال السوري، و في مناطق التماس مع العراق، توحي بأنه بانتظار ساعة الصفر، تلك اللحظة التي قد تكون مرتبطة بتطورات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الجارية، أو بأي تفجير إقليمي جديد يُستثمر لخلط الأوراق وإعادة توزيع النفوذ.
في مقابل هذه التهديدات المتزايدة، لا تزال الحكومة العراقية تُبدي حالة من التراخي واللامبالاة المقلقة، فلا إجراءات وقائية تُتخذ، ولا خطط دفاعية تُعدّ، بل إن الحدود الغربية والشمالية لا تزال مشرّعة أمام تسلل الجماعات الإرهابية والمتطرفين... ؛ كما أن ظاهرة العمالة الأجنبية، خصوصًا من الجنسيات السورية والعربية ذات الخلفيات الفكرية المشبوهة والطائفية والتكفيرية ، تتوسع يومًا بعد يوم، ما يثير المخاوف من خلايا نائمة تنتظر لحظة الانفجار.
آن الأوان لأن تعي الدولة العراقية أن الأمن لا يُصان بالشعارات ولا بالمواقف الرمادية، بل بسياسات صارمة تبدأ من غلق الثغرات الحدودية، وطرد العناصر المريبة، والتدقيق في ملف العمالة الوافدة، وبالأخص من الدول التي كانت ولا تزال حواضن للتكفير والتفجير... ؛ فالعراق لا يحتمل انتكاسة جديدة، لا على يد الجولاني ولا على يد من يقف خلفه من أجهزة ومشاريع تكره العراق وشعبه وقواته المسلحة والامنية .
■ الجولاني مشروع استخباراتي لا يحمل قضية
في الخلاصة، لم يكن أحمد الجولاني يومًا حامل مشروع وطني أو إسلامي، بل هو نموذج آخر للدمى الاستخباراتية التي أُطلقت لتشويه الدين، وتفتيت المجتمعات، وتمرير التطبيع، وتمهيد الطريق أمام "إسرائيل الكبرى" من خلال فتح الجبهات التي كانت تُعتبر سابقًا خطوطًا حمراء.
إن تصفية الحسابات لا تتم بالصراخ الطائفي، بل بكشف الخونة والمتآمرين، ومن بينهم هذا "الثائر المزيف"، الذي استبدل البوصلة من القدس إلى تل أبيب، ومن المقاومة إلى الخيانة , ومن العروبة الى الصهيونية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat