صفحة الكاتب : محمد جواد الميالي

رحلة مع ركب كربلاء
محمد جواد الميالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في كل زمان تتجدد نماذج لمواقف كربلاء لا كحدث تاريخي، بل كعقيدة نابضة في صدور أولئك الذين ورثوا عن الحسين صرخة "هيهات منّا الذلة".. فلم تكن كربلاء يوماً نهاية، بل كانت بدءا لمسيرة لا تنتهي، عنوانها الاستشهاد في سبيل الحق، وبوصلتها الدفاع عن العقيدة والمستضعفين.. 
في عقيدة أتباع أهل البيت ومنذ أن بكت السماء دما على الحسين، ما توانوا عن التمسك بمسيرة ومنهج الحسين، والتي قدّمت الموت قربانا للحياة، وما كان فيها الاستشهاد خيارا طارئا، بل هو ركنٌ معتاد وطبيعي من ضمن سياق وقواعد الإيمان، كيف لا ونحن من تشربنا حب الحسين، وسرنا على درب العباس وزينب، نحن الذين ما ترهبنا السيوف، بل واجهناها بصدور عارية، وقلوب عامرة باليقين، من كربلاء إلى جنوب لبنان، ومن سامراء إلى صنعاء، كانت هذه العقيدة حاضرة، متجذرة، تنتقل من صدر إلى صدر، ومن دم إلى دم، لتصنع رجالاً لا يخافون الموت، بل يرونه جسراً نحو الخلود.

اليوم، في قلب الجمهورية الإسلامية في إيران، نرى مشاهد حسينية تتجدد، فالشعب الإيراني البسيط العادي، الذي اعتاد أن ينادي "الله أكبر" لا في زمن الراحة، بل تحت وابل القصف والنار، لم يرتجف أو يهرب، بل يزداد ثباتا، ذاك المشهد الذي حفز الأحرار حول العالم.. قذائف صهيونية تسقط على مبنى الإذاعة والتلفزيون الإيراني، والزجاج يتساقط من النوافذ، والمذيعة "سحر امامي" تقف بكل شموخ، تتلو الأخبار بثباتٍ لا تزعزعه أصوات الانفجارات.. بصورة زينبية فوق تل الطغاة.. وخلف الكاميرات، صوت الموظفين يعلو: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"، أيّ ثبات هذا الذي يولد من رحم النار ويبقى مبتسمة في وجه الموت؟!

يقابل ذلك كيان غاصب وهجين، الذي جمعته صفقة وعد بلفور، لا عقيدة توحده، ولا أرض تناديه، شعبٌ تربى على الاستيطان، لا على الانتماء، على الخوف، لا على الكرامة، حين تسقط صواريخ خيبر أو تُذكر سيرة سليماني، يهربون إلى الملاجئ كما تهرب الفئران إلى الجحور، ترى رجالهم يركضون عراة، مخمورين، يدهس بعضهم بعضا خوفا من الموت، وهي خاتمة يحتضنها من يقفون في طهران، ويهرب منها المحتلون في تل أبيب.

ذلك هو الفارق الجوهري بين شعب العقيدة وشعب المصالح، بين من يرى في الموت حياةً، ومن يرى في الحياة عبوديةً للذل والخوف، إيران اليوم لا تقاتل دفاعا عن حدودها فقط، بل عن شرف الأمة، عن كرامة الشعوب، عن جوهر الأخلاق الإنسانية، هي لا تواجه صواريخ فحسب، بل تواجه مشروع إبادة ثقافي وسياسي وديني، تقف فيه شامخة، تنوب عن أحرار العالم، تدفع ثمن الانتصار للحق وحدها، وسط صمت مخجل من دول ادعت يوماً الدفاع عن حقوق الإنسان.

نحن نصل إلى مفترق الطرق، إلى لحظة الحقيقة، لقد سقطت الأقنعة، وظهر وجه المعركة.. إنها حربٌ أخلاقية قبل كل وصف اخر، بين معسكر الحقوق والحقيقة، ومعسكر الباطل الذي يقوده الكيان الصهيوني، فما عاد الحياد ممكنا، بل صار خيانة، لم تعد الكلمات كافية، بل صار الصمت عارا، من لم يقف اليوم إلى جانب المظلومين، إلى جانب إيران، إلى جانب اليمن، إلى جانب كل من يقاتل لأجل الحق، فقد تجرّد من إنسانيته، وفقد شرف الموقف، وخسر مكانه في صفحات التاريخ.

إنها بشكل ما كربلاء جديدة.. فلنختر، أنحن مع معسكر الحسين أم مع يزيد؟ فالحرب ليست بين دول، بل بين المبادئ والعار، ومن أراد أن يعرف موقعه من كربلاء، فلينظر، أهو مع يطالب بحقه تحت القصف، أم مع تل أبيب التي تهرب من ظلها؟ فالزمن لا يرحم المتخاذلين.. والتاريخ لا يكتب اسماء المحايدين.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد الميالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/17



كتابة تعليق لموضوع : رحلة مع ركب كربلاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net