صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

آيات قرآنية في كتاب حديث الغدير للسيد الميلاني (ح 1)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جاء في کتاب حديث الغدير للسيد علي الحسيني الميلاني: حديث الغدير، هذا الحديث العظيم الذي اهتمّ به الله سبحانه وتعالى، واهتمّ به رسوله، والأئمّة الأطهار، وكبار الصحابة، والعلماء عبر القرون، وقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ" (المائدة 67) هذه الآية المباركة من الآيات المتعلقة بيوم الغدير، إلاّ أنّها وردت في القرآن الكريم في سياق آيات يخاطب بها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة 65-66)، ثمّ بعد الآية أيضاً: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (المائدة 68). المخاطب في هذه الآيات وإنْ كان أهل الكتاب، لكنّ الآيات هذه منطبقة على أُمّة محمّد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أيضاً تمام الانطباق، إذ يجوز أن يقال: ولو أنّ الاُمّة الإسلاميّة آمنت، ولو أنّهم آمنوا واتّقوا، لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولادخلناهم جنّات النعيم، ولو أنّهم أقاموا الكتاب والسنّة، وما أُنزل إليهم من ربّهم في أمير المؤمنين وأهل البيت الأطهار، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، والاُمّة الإسلاميّة أيضاً منهم أُمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون. مررّة أُخرى يعود ويقول: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ" (المائدة 68)، فقبل "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ" (المائدة 67) كانت الآية "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ" (المائدة 66)، وبعدها أيضاً "لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمَْ" (المائدة 68) ومع ذلك "لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمَ" (المائدة 68) من هذه الاُمّة "مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينََ" (المائدة 68).

ويستطرد السيد الحسيني الميلاني قائلا: كما أنّ أهل الكتاب أُمروا بالعمل بكتبهم، أي اليهود مأمورون بالعمل بالتوراة، والنصارى مأمورون بالعمل بالإنجيل، فالمسلمون مأمورون بالعمل بالكتاب والسنّة، فإذا عملوا بالكتاب والسنّة وما أُنزل إليهم من ربّهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنْ ليزيدنّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً. وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أُنزل إلى رسول الله، وأتمّ به الله سبحانه وتعالى الحجّة على الاُمّة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" (المائدة 67). وقد قرأنا في حديث الدار في يوم الانذار: إنّ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال: (أمرني ربّي بأنْ أُبلّغ القوم ما أُمرت به، فضقت بذلك ذرعاً حتّى نزل جبرئيل وقال: إن لم تفعل لم تبلّغ ما اُرسلت به). فكانت الدعوة وكان إبلاغ إمامة أمير المؤمنين وخلافة إمامنا عليه‌ السلام من جملة ما أمر به رسول الله منذ بدء الدعوة، وإلى أواخر أيّام حياته الشريفة المباركة، لأنّ هذه الآية في سورة المائدة، وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن بإجماع المسلمين. أتذكّر في تفسير القرطبي يذكر الإجماع بصراحة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن، كما أنّا في رواياتنا أيضاً يوجد عندنا نصّ على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن. فكان النبي مبلِّغاً خلافة علي من بعده وداعياً الناس إلى الإيمان بها إلى جنب الإيمان بالله والرسول في جميع أدوار رسالته المباركة.

وعن الآيات القرآنية التي نزلت قبل وبعد خطبة الغدير يقول السيد على الحسيني الميلاني: لقد نزلت في قضية الغدير، وفي يوم الغدير، آيات من القرآن الكريم، نزلت آية قبل خطبة الغدير هي قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ" (المائدة 67) إلى آخر الآية، ونزلت آية بعد خطبة الغدير هي قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا" (المائدة 3) ونزل قوله تعالى: "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ" (المعارج 1) عندما اعترض ذلك الأعرابي على ما قاله رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، سائلاً النبي بأنّك أمرتنا بالصلاة فصلّينا، أمرتنا بالزكاة فأدّينا، وإلى آخره، واليوم جئت وأخذت بعضد ابن عمّك ونصبته علينا وليّاً، أهذا أمر من الله أو شيء من عندك ؟ تقريباً بهذا اللفظ، فنزل قوله تعالى: "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ" (المعارج 1) إلى آخره. فهذه آيات متعلّقة بقضية الغدير، ولكلّ آية بحث مستقل، أي لو أردنا أنْ نذكر الروايات في شأن نزول هذه الآيات لاحتجنا إلى مجال أكثر، وكما أشرت من قبل، فالليلة الواحدة لا تكفي للإحاطة بجميع جوانب قضية الغدير.

وعن دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌ السلام يقول السيد الميلاني في كتابه: حينئذ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بهذا الحديث المتواتر قطعاً على إمامة أمير المؤمنين عليه‌ السلام. وجه الاستدلال بهذا الحديث يتلخّص في أنّه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بعد أنْ أخذ منهم الإقرار وأشهدهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم، مشيراً إلى قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ" (الأحزاب 6))، مقتضى هذه الآية المباركة كون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ مالهم الولاية عليه، فأخذ منهم الإقرار على هذا المعنى، ثمّ فرّع على ذلك بقوله: (فمن كنت وليّه) ويوجد في بعض الألفاظ (فمن كنت أميره) (فعليّ مولاه) (فعليّ وليّه) (فعليّ أميره) إلى آخره، فأثبت رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لعلي ما ثبت له من الأولويّة بالناس من الناس، أي من أنفسهم، ثمّ إنّهم جميعاً بايعوه على هذا وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، وهنّأوه، ونظمت فيه الأشعار. ومحور الاستدلال بحديث الغدير كلمة (مولى)، ومجيء هذه الكلمة بمعنى (الأولى)، وذلك موجود في القرآن الكريم في سورة الحديد، موجود في الأحاديث النبوية المعتبرة حتّى في الصحيحين، موجود في الأشعار العربية والاستعمالات الفصيحة. وحينئذ، يتمّ الاستدلال على ضوء الكتاب والسنّة والاستعمالات العربية الصحيحة الفصيحة. وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكلّ من عدا رسول الله، كلّ من كان مؤمناً عدا رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم، كان مؤمناً حقيقة أو ادّعي له الإيمان، فعليّ أولى به من نفسه، بما فيهم كبار الصحابة ومشايخ القوم و إلى آخره.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/13



كتابة تعليق لموضوع : آيات قرآنية في كتاب حديث الغدير للسيد الميلاني (ح 1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net