على أسوار الطف، يخضّر الدمع محاريب دون سماء...
كل الدروب تراوغها الجراح...
تاروت أفق الهوى، والندى على شفة الشعر لغة تبحر...
والمسافة بين الحرف والطف مشاجب دمع، يطمئن على أطرافها التوق، ليست القضية في شطارة السؤال، والأجوبة صليات دمع يطلقها النحيب...
سبل مطعونة بالعويل، تختزل المسافات عند لبيك يا زينب... ويبتدأ منها المسير
بل يبتدأ منها المصير، والحروف سيوف الشعراء، والرمل يشعل شواظ الظهيرة بسوط الشمر، وعند كل جيل يتجدد مسير السبايا... وترتفع أصوات التفعيلة من بحر لبحر، وكل خطوة مع السبايا انتماء، مهما امتدت الأزمنة أو تغيرت الأمكنة، تبقى أمنية الشعراء أن تبقى قصائدهم قناديل نور في ركب زينب "عليها السلام"، ما نفع الشعر بلا فكر وعقيدة وروح، لهذا يتكرر دائما ذات السؤال
: -هل سارت قصيدتك في ركب "زينب" أم بعد هي تسعى لتتعلم من سيدة الصبر مسير النور كيف يكون؟
: - أي جواب يساق إلى هذا السؤال، كل الأجوبة يسبقها انكسار قلب وعبرة، واعتراف ضمني بأنه مهما علت حروفنا... أصواتنا... مشاعرنا... لا تكافئ دمعة زينب "سلام الله عليها"، ولا تستوعب جمر المصاب، ومشقة المسير، وغربة الدرب...
كيف أجيب، والدرب ما زال يسألني عن زينب "عليها السلام"، وطيف زينب "عليها السلام" يسأل الدرب أما زال معبدا بالزائرين؟، يسأل عن الطف وعن وديعتها فيه...
قبل الجواب لا بد من تمهل، ليتأهب الحرف، ويتأدب البيان، فالسؤال يضرب في عمق الوجدان...
كل شاعر مُوَالٍ يتلمس شرف انتماء إلهامه للمسيرة الزينبية، فذاك فخر القصيدة وامتحانها، وركب زينب "عليها السلام" لا يقبل الحروف العابرة...
عليها الاغتسال عن درن الدنيا والرياء، وافتراش الحزن الصادق والجزع على ذاك المصاب قبل الانطلاق، إذ إنها ستنطق بدمع السبايا...
(أنا أدركت جذوة الشعر في لهب الضمير، عرفت معنى "لبيك" وحين يكون الحرف حزنا بلا انكسار، حرفا لغير الله لا يركع، صوت مشاعر وسبيل، كل ما كتبنا عبر تلك القرون لا يصل لدمعة طفلة من سبايا الطف، وماذا تريد القصائد أن تفعل أو تقول؟)
: -ما القصيدة إلا ظل سؤال: هل بلغتِ؟ وهل شهدتِ؟ وهل كنت صدى للموكبِ؟
والسؤال الذي يطرحه قلبي على قلبي "أما آن لي أن أُجيد الرثاء؟".
أسائِلُ قَلبِي بِدَمعِ العَزاءْ
أما آنَ لي أنْ أُجيدَ الرِّثاءَ؟
وقد جرَّدَتْني خُطا الأربعينَ
مِنَ الرُّوحِ حتى أطَلْتُ البُكاءَ
فيا لَهْفَ نَفْسِي عَلى مَنْ مَشَتْ
مِنَ الشَّامِ حَتَّى ثَرى كَرْبَلاءْ
لي بعض القوافي تقوم وتعثر على قارعة الفجيعة... نسك مسيرة في شعيرة ندبة تتجدد في كل بيت...
مَنْ أنتَ.. تَسألُنِي الطَّرِيقُ.. وَأينَ سَالِكْ؟
وَمَسَافَةُ العُشَّاقِ تَسألُنِي كَذَلِكْ
مَنْ أنتَ وَالبَيدَاءُ تَسمَعُ هَمْسَنَا
وَتُحِيكُ مِنْ نَسجِ المَسِيرِ لَنَا المَمَالِكْ
وَلأنتَ يَا رُوحَ الفِدَاءِ سَمِعتَهَا
وَعَلِمتَ أنِّي إنْ أجُولُ فَفِي مَجَالِك
مَنْ أنتَ.. وَالرَّايَاتُ تَخفُقُ لِلسَّمَا
فَأُجِيبُ عَبدٌ لِلحُسَينِ عَلَى سُؤَالِك
عِفتُ الدِّياَرَ وَصُحبَتِي.. أهلِي وَأو (م)
لادِي فَلا أخشَى الدُّرُوبَ وَلا المَهَالِكْ
وَأتَيتُ يَا مَولايَ نَبضَةَ عَاشِقٍ
وَفُؤَادُ إنسَانِي يَتُوقُ إلَى وِصَالِك
رُوحِي أَبُثُّ إِلَى المَسِيرِ لِكَربَلا
فِي الأربَعِينَ مَعَ العِيَالِ إِلَى ظِلالِك
أَمْضِي وَأَمْضِي وَالخَيَالُ يَشُطُّ بِي
نَحوَ الفُرَاتِ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى نَوَالِك
وَعَلَى الفِجَاجِ صَبَبتُ دَمعَ قَصَائِدِي
وَالمُفرَدَاتُ هَوَتْ عَلَى وِترِ ابتِهَالِكْ
وَأَنَا هُنَا حَولِي المَلائِكُ حَلَّقَتْ
وَكَذَا هُنَا مُليُونُ سَالِكَةٍ وَسَالِكْ
وَهُنَا المَدَى المُمتَدُّ يَزحَفُ هَاتِفًا
لَبَّيكَ جِئتُكَ إنَّنِي عَبدٌ لِآلِكْ
لَبَّيكَ أمْضِي لِلدَّمِ المَسفُوكِ لِلصَّـ (م)
ـدرِ المُرَضَّضِ دَهشَةً أبكِي لِحَالِك
لَبَّيكَ أَسْرَجْتُ الشُّعُورَ وَلامَتِي
مَوجٌ يُصَارِعُ لِلوُصُولِ إلَى هُنَالِكْ
زَادِي هَوَاكَ.. وَخُضتُ أهوَالَ النَّوَى
عَطِشٌ لِتَرْوِيَ مُهجَتِي بِنَدَى زُلالِكْ
يَا أَيُّهَا الفَذُّ الَّذِي مُذْ قُلتَ (هَلْ
مِنْ نَاصِرٍ) أسرَعتُ أنْهَلُ مِنْ نِضَالِكْ
لَبَّيكَ.. رُوحِي يَا حُسَينُ أبِيعُهَا
وَأمُوتُ قُربَانًا فِدَاءَكَ بَعدَ ذَلِكْ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat