صفحة الكاتب : محمد السمناوي

"اليقظة الليليّة بين إغراءات "الرّها" وبركات القيام: دراسة في الحِكَم التربويّة والمنهج العملي المستنبط من روايات المعصومين عليهم السلام"
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المستخلص

      تکشف هذه الدراسة عن الصراع الروحي بين إغراءات شيطان "الرّها" المثبِّط ونداء القيام، من خلال تحليلٍ حديثيٍّ تربويٍّ لخمس روايات لأهل بيت العصمة والطهارة ( عليهم السلام)، ويستنبط البحث حِكَمًا تربويةً ثلاثيةً: (١) تحويل اليقظة الليلية إلى معركة إرادة، (٢) التدرج في حلّ عُقَد الشيطان (الذِّكر → الوضوء → الصلاة)، (٣) الربط بين المواظبة والثمار الملموسة (نور الوجه، النشاط الروحي). كما تُقدِّم منهجًا عمليًّا لتفكيك الوساوس عبر آليات مستمدة من النصوص، مع تعزيزها بشواهد قرآنية وحديثية. والنتائج تؤكّد أن تجاوز "الرّها" يحتاج إلى تكامل الترهيب (عقوبة التكاسل) والترغيب (بركات القيام)، وتوصي الدراسة بدمج هذه المنظومة في البرامج التربوية في الحياة الأسرية اليومية والمؤسساتية بشكل مستمرة.
الكلمات المفتاحية: اليقظة الليلية - إغراءات الرّها - بركات القيام - الحِكَم التربوية - المنهج العملي - روايات المعصومين عليهم السلام.
Abstract
This study delves into the spiritual struggle between the discouraging allure of "al-Raha" (lethargy/laziness) and the call to Qiyam (night vigil/standing in prayer), through a modern educational hadith analysis of five narrations from the Infallibles. The research extracts three key educational wisdoms: (1) transforming night wakefulness into a battle of will, (2) the gradual dismantling of Satan's knots (Dhikr → Wudu → Prayer), and (3) linking perseverance with tangible fruits (radiance of the face, spiritual vitality). It also proposes a practical methodology for dismantling temptations via mechanisms derived from the texts, reinforced by Quranic verses and prophetic traditions. The findings confirm that overcoming "al-Raha" necessitates integrating both deterrence (punishment for idleness) and encouragement (blessings of Qiyam). The study recommends integrating this framework into continuous daily family educational programs.
Keywords: Night Vigil - Allure of Al-Raha - Blessings of Qiyam - Educational Wisdoms - Practical Methodology - Narrations of the Infallibles (AS).


المقدمة: 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمدٍ وآله الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.  
أولاً: بيان الموضوع
    أما بعد، فإن قيام الليل من أعظم النعم الإلهية التي جعلها الله تعالى فرصةً للتزود بالطاعات والقربات، ومدرسةً روحيةً يتعلم فيها المؤمن دروس العبودية واليقظة. لكنه في الوقت نفسه يحمل تحدياتٍ روحيةً ونفسيةً، حيث تُعرض على الإنسان إغراءات الشيطان في النوم والكسل، أو ما يُعرف بـ"الرَّها" – ذلك الداعي الخفي الذي يصرف القلب عن مناجاة الرب المتعال، وفي المقابل، تترقب المؤمنَ بركاتُ القيام والمناجاة، التي وردت في الروايات الشريفة عن العترة الهادية عليهم السلام بوصفها من أعظم القربات وأجلّ العبادات.  
ثانياً: إشكالية البحث:
      تتمثل إشكالية هذا البحث في التساؤل عن كيفية تحقيق التوازن بين تحديات "الرَّها" (إغراءات النوم والفتور) وبركات القيام، وكيف يمكن استنباط حِكَمٍ تربويةٍ ومنهجٍ عمليٍّ من روايات المعصومين (عليهم السلام) لتعزيز اليقظة الليلية، بما يحقق الغاية من السهر في طاعة الله تعالى.  
ثالثاً: تساؤلات البحث:
1. ما مفهوم "الرَّها" في المجاميع الحديثية، وما علاقتها باليقظة الليلية؟  
2. ما الحِكَم التربوية المستفادة من الروايات والأخبار في فضل القيام والمناجاة الليلية؟  
3. ما المنهج العملي الذي يمكن استنباطه من الكلمات النورانية عن المعصومين (عليهم السلام) لتحقيق اليقظة الليلية وتجاوز إغراءات الكسل؟  
4. كيف يمكن تطبيق هذه التوجيهات في الواقع المعاصر، بما يتناسب مع ظروف الإنسان اليوم؟  
رابعاً: أهمية البحث:
     تتجلى أهمية هذا البحث في كونه يتناول قضيةً تربويةً وروحيةً بالغة الأثر في حياة المؤمن، حيث إن اليقظة الليلية من الأسرار العبادية التي ترفع مقام العبد وتقرّبه من مولاه. كما أن استنباط منهجٍ عمليٍّ من الروايات يُمكّن المسلم من مواجهة التحديات المعاصرة التي تعيق الانقطاع إلى الله ليلاً.  
خامساً: أهداف البحث:
1. الكشف عن المفهوم الحقيقي لـ"الرَّها" وإغراءات النوم في ضوء الروايات.  
2. استخلاص الحِكَم التربوية من النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) حول فضل السهر في العبادة.  
3. تقديم منهجٍ عمليٍّ مستنبطٍ من الروايات لتعزيز اليقظة الليلية.  
4. بيان كيفية تطبيق هذه التوجيهات في الحياة اليومية.  
سادساً: منهج البحث: 
    يعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي الاستنباطي، من خلال دراسة الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وتحليل مضامينها التربوية، واستنباط الحلول العملية منها، مع الاستعانة ببعض الشواهد القرآنية والنفسية المعاصرة.  
سابعاً: هيكلية البحث
   تنقسم هيكلية البحث بدراسة مفهوم اليقظة الليلية وفضائلها من خلال روايات المعصومين (عليهم السلام)، مع تحليل ظاهرة "الرَّها" الشيطانية ووسائل مقاومتها وفق النصوص الدينية، ثم ينتقل إلى استنباط منهج عملي لتحقيق اليقظة، عبر تحليل التربية الروحية (مثل روايات عيسى ومريم عليهما السلام) وتحديد خطوات عملية (كحل عقد الشيطان ونظام حياة يومي) مستمدة من الروايات، وينتهي بتلخيص النتائج وتقديم توصيات تطبيقية لتعزيز القيام الليلي في الواقع المعاصر، مع التأكيد على الجانب التربوي والعملي المستفاد من النصوص الشرعية، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا في هذا البحث، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول: مفهوم اليقظة الليلية وتحدياتها في ضوء الروايات
       تُعدُّ اليقظة الليلية من العبادات القلبية التي تجسّد صلة العبد بربّه، وتكشف عن عمق إيمانه وانضباطه الروحي. يسعى هذا المبحث إلى تحليل مفهوم اليقظة الليلية في ضوء النصوص الدينية، بدءًا من دلالاتها اللغوية والاصطلاحية، مرورًا بفضائلها الروحية كما وردت في الروايات. ثم ينتقل إلى كشف تحدياتها الرئيسية، ممثلةً بإغراءات الشيطان (الرَّها)، ويقدّم في ضوء النصوص الشرعية أساليب عملية لمقاومتها، لتحقيق توازن بين حاجات الجسد ونهج الروح.
المطلب الأول: مفهوم اليقظة الليلية في اللغة والإصطلاح وفضلها
أولاً: اليقظة الليلية في اللغة 
    اليقظة ضد النوم، ويُقال: استيقظَ الرجلُ ويَقْظانُ، ويُوصف الشخص باليقظة (يَقِظٌ) عندما يكون متنبّهًا حذرًا، ذا فطنةٍ وبصيرةٍ، وجمعها أيقاظ.  
ثانياً: اليقظة الليلية في الاصطلاح 
      لا يبتعد المعنى الاصطلاحي عن الدلالة اللغوية، فاليقظة تعني: الانتباه والفطنة، مع حسن إدراك الأمور وأخذ الحيطة فيها.  
1. اليقظة الليلية في الروايات:
   - تحليل رواية الإمام الباقر (عليه السلام) عن تيقظ العبد ليلاً.  
     عن أبي جعفر عليه السلام، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من عبد الا وهو يتيقظ مرة أو مرتين في - الليل أو مرارا، فإن قام والا فحج الشيطان فبال في أذنه، ألا يرى أحدكم إذا كان منه ذلك قام ثقيلا وكسلان".  
    يُستفاد من هذه الرواية الشريفة تحليلٌ دقيقٌ لظاهرة اليقظة الليلية حيث تبيّن أن كل عبدٍ يمر بلحظات يقظةٍ طبيعيةٍ أثناء الليل تمثل فرصاً ذهبيةً للعبادة، وإهمالها يؤدي لعواقب روحية تتمثل في سيطرة الشيطان وحبسه للنفس مما ينتج عنه الكسل والثقل صباحاً، وتقدم الرواية رؤيةً تربويةً عميقةً تستثمر الفطرة الإنسانية عبر تحفيز المؤمن لاستغلال هذه اللحظات، كما تكشف عن صراعٍ خفيٍّ بين اليقظة الإيمانية والوساوس الشيطانية، ويستنبط منها الفقيه استحباب القيام عند اليقظة الليلية مع بيان فلسفة المستحبات الليلية، كما تقدم منهجاً عملياً لتدريب النفس على الاستجابة السريعة لهذه الإشارات الإلهية، وتجمع الرواية بين التشخيص النفسي الدقيق والتحليل الروحي العميق مع التوجيه التربوي الواقعي، مما يجعلها نموذجاً متكاملاً للتربية الإيمانية التي تبني شخصية المؤمن اليقظ الذي يعيش حالةً من التوازن بين متطلبات الجسد وحاجات الروح.  
   - المقارنة بين حال من يستيقظ للعبادة وحال من يغلب عليه النوم.  
      من خلال رواية الإمام الصادق (عليه السلام): "ما مِن عبدٍ إلا وهو يتيقظ مرة أو مرتين في الليل أو مرارًا، فإن قام وإلا فحَجَّ الشيطان فبال في أذنه، ألا ترى أحدكم إذا كان منه ذلك قام ثقيلًا كسلان؟"، تتجلى مفارقة واضحة بين حالتين:
الأولى: حال المستيقظ للعبادة:
أ‌-     انتصار على وسوسة الشيطان: يستجيب لنداء الفطرة الإلهية، فيقطع حبل الشيطان الذي يسعى لإبقائه غارقًا في الغفلة.
ب‌-    نشاط روحي وجسدي: يُحافظ على حيويته صباحًا، لأن استغلاله لليقظة الليلية بالذكر أو الصلاة يمنحه بركةً في الوقت وطاقةً إيمانية.  
ت‌-    تكريس للعلاقة مع الله تعالى: يصبح قلبه مُشرقًا بنور العبادة، مما يعزز مراقبته لله ويقظته الدائمة.  
الثانية: حال المُستسلم للنوم:
أ‌-    استسلام للشيطان: إهمال اليقظة يُتيح للشيطان "أن يَحُجَّ (يُغلِّف) أذنه" — كما في الرواية — أي يُثقلها بالوساوس والكسل، فيصبح الصباح ثقيلًا عليه.  
ب‌-    خسارة روحية: يفوت فرصةً ذهبيةً للاستغفار أو الدعاء في وقت الأسحار، الذي تُستجاب فيه الدعوات.  
ت‌-    آثار نفسية وجسدية: يشعر بالخمول والضيق، لأن النوم الزائد — خاصة بعد اليقظة الفطرية — يُضعف طاقة الجسد والروح معًا، ولو قلنا الفكرية لكان ذلك أفضل، لأن حقيقة الإنسان هي بفكره، و"أن أصل العقل هو الفكر" ، كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام). 
     ومن هنا الرواية تُظهر صراعًا خفيًّا بين فطرة الإنسان (المائلة إلى العبادة واليقظة) وإغواء الشيطان (الرَّها). فمن ينتصر على كسل النوم يُحقق "اليقظة المزدوجة": جسديًا بالاستيقاظ، وروحيًا بالانتباه إلى حاجات النفس الإيمانية. بينما من يغلب عليه النوم يُصاب بـ"الغفلة المزدوجة": جسديًا بالثِّقل، وروحيًا بانسداد أذن القلب عن سماع نداء الحق. 
     وبذلك يتبين الفرق بين الحالَين ليس مجرد "استيقاظ أو نوم"، بل هو "اختبار لإرادة المؤمن" في اختيار طريق النور أو الظلام. والرواية — بهذا — تقدم معيارًا عمليًّا لقياس درجة يقظة القلب من خلال آثارها الملموسة على الجسد والروح.
2. الفضائل الروحية لليقظة الليلية:
  أ- استنباط الحِكَم من رواية أمير المؤمنين (عليه السلام) عن نور الوجه وقيام الليل.  
     يمكن استنباط الفضائل الروحية لليقظة الليلية في ضوء رواية أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتي رواها القطب الرواندي والتي جاء فيها: " لا تطمع في نور الوجه مع النوم في الليل كله، ولا في الأمان من الدنيا مع مصاحبة الفسّاق".  
     تقدم الرواية الشريفة رؤية عميقة للعلاقة الجوهرية بين اليقظة الليلية والتحول الروحي، حيث يمكن استنباط عدة فضائل وحكم:
- النور الإلهي في المظهر والباطن، حيث تشير الرواية إلى أن "نور الوجه" هو أثر مترتب على قيام الليل، مما يكشف عن ارتباط مباشر بين السهر للعبادة والإشراق الروحي، وتأثير العبادة الليلية في صقل الشخصية وإضفاء الهيبة والوقار، وتميز المؤمن القائم بعلامات ظاهرة تدل على إيمانه.
- البعد التربوي والوقائي، والذي يتمثل في تقيم الرواية مقارنة بين النوم طوال الليل (كرمز للغفلة) وفقدان النور، ومصاحبة الفساق (كرمز للمعصية) وفقدان الأمان، مما يشير إلى أن اليقظة الليلية تمثل نظاماً وقائياً من الانزلاق في المعاصي، وتخلق مناعة روحية ضد مفاسد الصحبة السيئة.
- الحكمة الإلهية في التكليف، والتي بدورها تكشف الرواية عن سنن إلهية ثابتة لقانون السببية في العلاقة بين العمل والنتيجة، وكذلك الترابط العضوي بين اليقظة الليلية والنور الوجودي، فضلاً عن التوازن المطلوب بين حاجات الجسد والروح.
- البعد الاجتماعي للفضيلة والتي تبرز الرواية أثرين مترابطين وهما الأثر الفردي في اكتساب نور الوجه، والأثر الاجتماعي في تحصيل الأمان من فتن الدنيا، وهذا مما يدل على أن العبادة الليلية ليست فردية فقط، بل لها انعكاسات مجتمعية.
 وخلاصة القول يمكن القول ان هذه الرواية تؤسس رؤية متكاملة لليقظة الليلية كمشروع تحولي شامل، يبدأ من التغيير الذاتي لينتهي إلى التأثير في المحيط الاجتماعي، مع التأكيد على أن النور الحقيقي هو ثمرة للسهر الإيماني لا لمجرد السهر المادي.
ب- قيام الليل بين الثواب المخفي والآثار المشهودة
     لقد أشارت الروايات الشريفة إلى حقيقتين رئيستين في موضوع قيام الليل:
- الثواب المخفي، والذي دلت عليه الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ما من عمل حسن...إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فإن الله لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده" ، وهذا يشير إلى أن:
- ثواب صلاة الليل من الأسرار الإلهية.
- عظمة هذا الثواب تفوق التصور.
- الله تعالى أخفاه لحكمة، كما أخفي ليلة القدر.
      وقد أستدل الإمام عليه السلام بقوله تعالى: " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ" ، حيث: "قرة الأعين" تشير إلى اللذة الروحية، والإخفاء هنا تكريم للمتهجدين، والجزاء يتناسب مع كمال العمل.
     أما الآثار المشهودة فيمكن تصورها في الروايات التي تتحدث عن الآثار الظاهرية كـ"مصحة للبدن" ، و"تبيض الوجه"، و"تجلب الرزق"، حيث قال أبو عبد الله (عليه السلام):"صلاة الليل تبيض الوجه، وصلاة الليل تطيب الريح وصلاة الليل تجلب الرزق". 
    وعند مراجعة الروايات التي تتحدث عن الآثار المعنوية، يتبين أنها دلت صراحة على أن قيام الليل "مطردة الداء عن أجسادكم"  ، و"مرضاة للرب"، و"تعرض للرحمة"، وهي من أخلاق النبيين، ومن تمسك بها فقد تمسك بأخلاق الأنبياء والمرسلين، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أنه (عليه السلام) قال: " قيام الليل مصحة للبدن، ومرضاة للرب عز وجل، وتعرض للرحمة، وتمسك بأخلاق النبيين".  
    ومن خلال ما تقدم يتبين وجه العلاقة بين البعدين من خلال الثواب المخفي يظهر آثاره المشهودة في الدنيا، والآثار الدنيوية ما هي إلا ظل للثواب الأخروي، وكلما عظم الخفي ظهرت آثاره في الشاهد، ناهيك إن قيام الليل يمثل مدرسة إلهية تتكامل فيها الأسرار الباطنة (الثواب المخفي)، والمظاهر الظاهرة (الآثار المشهودة)، وهو ما يجعل هذه العبادة من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه، كما ورد في كلمات الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
المطلب الثاني: إغراءات الشيطان (الرَّها) وأساليب مقاومتها
     يُعدُّ المطلب الثاني من هذا البحث محطةً أساسيةً للكشف عن "آليات الحرب الخفية" التي يشنها الشيطان ضد المؤمنين في ساعات الليل المباركة، حيث تتجلى المعركة الحقيقية بين "اليقظة الإيمانية" و"إغراءات الشيطان (الرَّها)" ، وينقسم هذا المطلب إلى محورين رئيسيين: الأول يُسلط الضوء على "طبيعة عدو الليل" من خلال تحليل رواية الإمام الباقر (عليه السلام) التي تكشف أساليب الشيطان في التسلل إلى النفس عبر وساوس "الرَّها" وإضعاف العزيمة، بينما يتناول المحور الثاني المنهج العملي النبوي لمواجهة هذه الإغراءات، مستنداً إلى الرواية النبوية الشريفة عن "عقد الشيطان" وطرق حلها بالذكر والوضوء، مع تقديم تطبيقات عملية مستنبطة من النصوص الشرعية، ويمثل هذا المطلب "خريطة طريق روحية" تكشف عن السنن الإلهية في الصراع بين "نور اليقظة وظلام الغفلة"، وتقدم حلولاً تربويةً متكاملةً تعين المؤمن على تجاوز عقبات الليل بنجاح، وذلك من خلال ما يلي:
1. تحليل ظاهرة "الرَّها" في الرواية:
   ان تحليل رواية الإمام الباقر (عليه السلام) عن شيطان الليل (الرَّها) وكيفية عمله، يمكن بيانه من خلال ما رواه البرقي بسند معتبر عن الباقر (صلوات الله وسلامه عليه) قال: "إن للّيل شيطانا يقال له (الرّها) فإذا استيقظ العبد وأراد القيام إلى الصلاة قال له: ليست ساعتك ثم يستيقظ مرة أخرى فيقول: لم يئن لك، فما يزال كذلك يزيله ويحبسه حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر بال في أذنه ثم انصاع يمصع بذنبه فخرا ويصيح".  
     تمثل رواية الإمام الباقر (عليه السلام) عن شيطان الليل المسمى "الرَّها" وثيقةً استراتيجيةً تكشف عن حرب نفسية خفية يشنها العدو اللدود على المؤمن أثناء ساعات الليل المباركة. هذه الظاهرة ليست مجرد خرافة أو أسطورة، بل هي حقيقة روحية أكدتها النصوص الدينية المتواترة، ولها تجليات واضحة في حياة المتهجدين، وإن كلمة "الرَّها" تحمل في طياتها معاني الإزعاج والملاحقة المستمرة، وهذا الشيطان يتخصص في محاربة المؤمنين عند محاولتهم القيام لصلاة الليل. وكما أن لكل وقت من أوقات اليوم أعداءه الخاصين، فإن الليل له هذا العدو المتربص الذي يعمل بنظام دقيق.
     ولننظر إلى كيفية عمل هذا الشيطان الخبيث: عندما يستيقظ العبد لصلاة الليل، يأتيه الوسواس الخادع "ليست ساعتك بعد"، ثم يتدرج في غوايته بقوله "لم يحن الوقت بعد". هذه الوساوس ليست عشوائية، بل هي جزء من خطة محكمة تهدف إلى تأخير المؤمن عن لحظة الاستجابة الإلهية. إنها تشبه تماماً تلك الوساوس التي تأتينا أثناء المهمات النبيلة والمفيدة الأخرى، مثل تردد الإنسان عند البدء بكتابة بحث علمي أو مشروع مفيد، حيث تأتيه الأفكار المثبطة "ليس الآن، غداً سيكون الوقت أفضل".
    ثم ان الأخطر في عمل "الرَّها" هو أنه لا يكتفي بالوسوسة، بل يتحول إلى حاجب يمنع المؤمن من القيام، فيصبح كالسجان الذي يقيد الإنسان بسلاسل الكسل والخمول، وهذا ما نلاحظه في حياتنا اليومية عندما نعزم على عمل خير ثم نجد أنفسنا مقيدين بأغلال التسويف والمماطلة.
    الرواية أعلاه تذكر أن هذا الشيطان عندما يطلع الفجر يبول في أذن العبد، هذه العبارة تحمل رمزية عميقة، فالأذن هي عضو السمع الذي نستمع به إلى نداء الحق، وعندما تتلوث بالبول الشيطاني - وهو رمز النجاسة - تفقد حساسيتها تجاه النداءات الإلهية. إنها تشبه تماماً ما يحدث عندما نتعرض لسموم الأفكار السلبية التي تلوث عقولنا فتفقدنا الحماس للخير.
    ناهيك إن تصرف الشيطان عند الفجر بالصياح ورفع ذيله هو تعبير عن الفرح الوهمي بانتصاره، تماماً كما يحاول إبليس أن يزرع في نفس المؤمن الإحساس بالهزيمة والفشل عندما يضيع عليه وقت الفجر. لكن الحقيقة أن هذه صيحة يأس، لأن المؤمن ما زال قادراً على التوبة والبدء من جديد، وإن فهم هذه الآلية الشيطانية للعدو هو نصف العلاج. فكما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): " إنما سمي العدو عدوا لأنه يعدو عليك، فمن داهنك في معايبك فهو العدو العادي عليك "  فعندما ندرك أن هذه الوساوس ليست أفكارنا الطبيعية، بل هي هجمات مدروسة، نستطيع أن نواجهها بوعي وإرادة، بالإستيقاظ من النوم والإنتباه لعملية المواجهة، فقد جاء أيضاً عن إمام المتقين (عليه السلام):" من نام عن عدوه أنبهته المكايد " ، وعنه(عليه السلام): "من نام لم ينم عنه ".  
   فالعلاج العملي لهذه الظاهرة يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم قطع دابر التسويف بالقيام الفوري، ولو لأداء ركعتين خفيفتين. كما نتعلم من الروايات أن الوضوء والذكر سلاحان فعالان ضد هذه الوساوس. وهذا يشبه تماماً برامج مقاومة الإدمان التي تعتمد على كسر الحلقة المفرغة بالبدء بخطوات صغيرة، وفي النتيجة فإن معركة الليل هذه هي جزء من الصراع الأكبر بين قوى الخير والشر. والفهم العميق لآليات العدو يمنحنا الوعي اللازم للانتصار في هذه المعركة المصيرية. فكما أن "الرَّها" يتخصص في الليل، علينا أن نتخصص في مقاومته بالعلم والعمل.
2. الأساليب العملية لمواجهة إغراءات النوم:
      روى ابن أبي جمهور عن النبي (صلى‌الله‌ عليه ‌وآله): أنه قال يوماً لأصحابه:" إنّ الشيطان ليعقد على قافية رأس  أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد مكان كل عقدة عليك ليل طويل فأرقد فإذا انتبه وذكر الله حُلّت منها عقدة ، فإذا توضأ حلّت أخرى، فإذا صلّى حلّت العقدة الثالثة فأصبح نشيطا طيب النفس، وإِلاّ أصبح خبيث النفس كسلان".  
   إن الحديث النبوي الشريف يقدم لنا منهجاً متكاملاً لمواجهة تلك الحالة التي يعاني منها الكثيرون عندما يستيقظون لصلاة الليل، فيجدون أنفسهم مثقلين بكسل غريب وعزيمة ضعيفة. فالنبي (صلى الله عليه وآله) يبين لنا أن الشيطان لا يترك المؤمن حتى وهو نائم، بل يعقد على رأسه عقداً ثلاثاً، كل عقدة منها تمثل حبسة نفسية وجسدية تمنعه من القيام لعبادة ربه.
    وإن أول هذه العقد وأكثرها تأثيراً هي تلك الوسوسة التي يلقيها الشيطان في نفس النائم بأن الليل طويل، فيغرقه في بحر من التسويف والمماطلة. وهنا يأتي دور الذكر عند الاستيقاظ كأول سلاح لتفكيك هذه العقدة، فحين يذكر العبد ربه ينكسر سحر تلك الوسوسة، ويبدأ الجليد الذي يكبل إرادته بالذوبان.
    وتأتي مرحلة الوضوء كتحول جذري في الحالة النفسية والجسدية، فالماء لا يطهر الأعضاء الظاهرة فقط، بل ينفذ إلى الأعماق فيغسل تلك الأوهام التي بثها الشيطان في نفس المؤمن. وكما أن الماء يحيي الأرض الميتة، فإن الوضوء يحيي القلب الغافل، فينقل المؤمن من عالم الكسل والخمول إلى عالم النشاط والحيوية، وأما الصلاة فهي ذروة التحرر من تلك القيود الشيطانية، حيث تنتقل النفس من حالة العبودية للنوم والراحة إلى حالة العبودية لله تعالى. وفي هذه اللحظة يشعر المؤمن بأن تلك الأثقال التي كانت تكبله قد زالت، ويصبح نشيطاً طيب النفس، وكأنه ولد من جديد.
     وإن التطبيقات العملية لهذا المنهج النبوي كثيرة، منها ما يتعلق بتهيئة الجو المناسب لليقظة، مثل النوم مبكراً وعدم الإكثار من الطعام قبل النوم. ومنها ما يتعلق بالجانب النفسي، مثل تقوية العزيمة وتذكير النفس بفضل قيام الليل، ولا ننسى دور الأذكار قبل النوم التي تعد حصناً منيعاً ضد تلك الوساوس الشيطانية، وإن فهم هذه الآلية الشيطانية ومعرفة العلاج النبوي لها يمنح المؤمن رؤية واضحة في معركته اليومية مع هذا العدو الخفي. فكما أن الطبيب عندما يعرف نوع المرض وطريقة علاجه يكون أقدر على الشفاء، كذلك المؤمن عندما يعرف حقيقة هذه العقد الشيطانية والعلاج النبوي لها، يكون أقدر على التغلب عليها وتحقيق النصر في هذه المعركة المصيرية.
المبحث الثاني: المنهج العملي لتحقيق اليقظة الليلية
     يتناول هذا المبحث المنهج العملي لتحقيق اليقظة الليلية من خلال رؤية متكاملة تجمع بين التهيئة النفسية والتطبيق العملي. في المطلب الأول نستعرض الأسس الروحية لقيام الليل بدءاً من الاستعداد الذهني المستوحى من قصة السيدة مريم (عليها السلام) وصولاً إلى الأثر التربوي الذي يصوغ شخصية المؤمن، أما المطلب الثاني فيقدم خارطة عمل تفصيلية تشمل آليات مواجهة العقد الشيطانية وفق المنهج النبوي، مع اقتراح نظام حياة يومي مستمد من سيرة المعصومين (عليهم السلام) لتعزيز الاستمرارية في القيام، وذلك من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: التربية الروحية والتهيؤ النفسي للقيام
1.    الاستعداد الذهني والنفسي
     روى القطب الراوندي مرسلاً  أن عيسى (عليه ‌السلام) نادى أمه بعد موتها فقال:" كلّميني يا أمّي هل تريدين العود إلى الدنيا؟" فأجابت:" بلى لكي أصلي لله في جوف الليل القارس وأصوم في اليوم الشديد الحرّ يا بني فإنّ الطريق مخوف".  
    في هذه الرواية العميقة التي تنقلها لنا المصادر المعتبرة عن الحوار بين النبي عيسى (عليه السلام) وأمه السيدة مريم (عليها السلام) بعد وفاتها، تتبدى لنا حقائق كبرى عن فلسفة العبادة الليلية وحقيقتها الجوهرية. فالرواية تكشف أن السيدة العذراء (عليها السلام) وهي في عالم الآخرة تتمنى العودة إلى الدنيا لا لشيء إلا لتقف بين يدي ربها في جوف الليل القارس، وتصوم في اليوم الشديد الحر، وهذا الموقف يحمل في طياته دلالات عميقة عن حقيقة الاستعداد الذهني والنفسي للقيام:
أ‌-     نجد أن اشتياق السيدة مريم (عليها السلام) للعبادة في أقسى الظروف الجوية (الليل القارس والنهار الشديد الحر) يكشف عن أن العبادة الحقيقية تنبع من شوق داخلي وحب صادق للقاء الله تبارك وتعالى، لا من مجرد عادة أو تكليف شرعي. فهي سلام الله عليها لم تطلب العودة للدنيا لتحقيق منفعة دنيوية أو حتى أخروية، بل لمجرد التلذذ بالمناجاة والوقوف بين يدي الحبيب.
ب‌-    تظهر الرواية أن الرغبة المعنوية هي الوقود الحقيقي للعبادة الليلية. فالسيدة مريم (عليها السلام) وهي في عالم النعيم تذكر بحنين أقسى لحظات العبادة في الدنيا، مما يدل على أن القلب عندما يذوق حلاوة المناجاة يتحول الثقل إلى لذة، والمشقة إلى نعيم.
ت‌-    الإشارة إلى أن "الطريق مخوف" تلفت النظر السيدة مريم (عليها السلام) إلى أن العبادة الليلية ليست مجرد حركات وسكنات، بل هي رحلة روحية في طريق محفوف بالمخاوف والمكاره، لكن شوق اللقاء يذلل كل الصعاب، وهذا يذكرنا بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار."  
ث‌-    نستوحي من هذه الرواية أن التربية الروحية الحقيقية تزرع في النفس حب العبادة لذاتها، لا لمجرد طلب الثواب أو خوف العقاب. وهذا ما يجعل المؤمن يبحث عن أوقات الشدة في العبادة (كقيام الليل في البرد القارس) لأنها أصدق تعبيراً عن الإخلاص.
ج‌-    الرواية تقدم لنا نموذجاً حياً للاستعداد الذهني والنفسي للقيام، حيث يصبح الليل القارس مطلباً لا مكروهاً، والحر الشديد محبوباً لا مبغضاً. وهذا التحول في المفاهيم هو جوهر التربية الإيمانية التي تصنعها العبادة الليلية.
ح‌-    نستنتج أن الرغبة المعنوية هي التي تحول العبادة من ثقيل على النفس إلى مشتاق إليه القلب. فكما أن العاشق يجد لذة في السهر لرؤية محبوبه، كذلك العابد يجد متعة في قيام الليل لأنه لقاء مع الحبيب الأسمى.
    وبالتالي إن هذه الرواية تفتح أمامنا نافذة على عالم القلب العابد، وتكشف أن سر الاستعداد للقيام يكمن في إيقاد شعلة الحب الإلهي في القلب. فإذا اشتاقت السيدة مريم (عليها السلام) - وهي في الجنة - إلى عبادة الدنيا، فما أحوجنا نحن إلى أن نعيد النظر في دوافعنا للعبادة، وأن نربي أنفسنا على حب العبادة لذاتها، لا لمجرد الخوف من النار أو طلب الجنة.
   وقد أجاد السيد صدر الدين حين قال: 
إلهي رضاك رضاك لا جناتُ عدنٍ     وهل عدن تطيب بلا رضاكا  
2. الآثار التربوية لليقظة الليلية
     من خلال الروايات الخمسة التي تم الإستدلال بها على (اليقظة الليليّة بين إغراءات "الرّها" وبركات القيام) يمكن الوقوف على الآثار التربوية لليقظة الليلية في ضوء الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، حيث تقدم لنا الروايات الشريفة رؤية تربوية متكاملة لآثار القيام الليلي على بناء الشخصية الإيمانية، حيث تكشف عن تحولات عميقة على مستوى الأخلاق والسلوك. فمن خلال دراسة هذه النصوص نستطيع أن نستنبط منهجاً تربوياً متكاملاً لصناعة المؤمن الواعي، وذلك وفق ما يلي:
أ‌-     تأثير القيام على الأخلاق والسلوك: تكشف رواية الإمام الصادق (عليه السلام) عن الأثر الأخلاقي المباشر لليقظة الليلية، حيث يتحول المؤمن من حالة الكسل والخمول إلى النشاط والحيوية. فالشيطان عندما يبول في أذن الغافل عن القيام، إنما يترك أثراً أخلاقياً يتمثل في ثقل النفس وسوء الخلق. بينما القيام الليلي يمنح المؤمن طهارة باطنية تنعكس على أخلاقه وسلوكه اليومي ، وفي رواية الإمام الباقر (عليه السلام) عن شيطان الليل (الرها) نجد كيف يصنع القيام شخصية مقاومة للوساوس، قادرة على مواجهة إغراءات التسويف والمماطلة. هذه الشخصية المتحدية للشيطان تكتسب مناعة أخلاقية ضد كل أشكال الغفلة والإهمال.  
ب‌-    صناعة الشخصية الواعية: تقدم رواية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عقد الشيطان منهجاً عملياً لبناء الشخصية الواعية عبر ثلاث مراحل:  
- ذكر الله تعالى: الذي يوقظ الوعي الروحي ويحرر العقل من أغلال الغفلة التي هي جزء العلة أن لم تكون علة تامة في الوقوع في المعاصي.
- الوضوء: الذي ينقل الشخصية من حالة السلبية إلى الفاعلية.
- الصلاة: التي تكرس حالة اليقظة الدائمة.
         هذه المراحل الثلاث تصنع شخصية متوازنة تجمع بين اليقظة الروحية والنشاط الجسدي.
ث‌-    التحول الوجودي للمؤمن: تكشف رواية أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الأثر الوجودي لليقظة الليلية، حيث تتحول الشخصية من الظلمة إلى النور، ومن الخوف إلى الأمان. فـ"نور الوجه" ليس مجرد مظهر خارجي، بل هو انعكاس للنور الباطني الذي يكتسبه القائمون ، أما رواية السيدة مريم (عليها السلام) فتكشف عن أعلى درجات الوعي، حيث يصبح القيام شوقاً ذاتياً لا تكليفاً خارجياً. هذه الرواية ترسم لنا نموذج الشخصية التي تتحول عبادتها من مجرد واجب إلى حاجة روحية عميقة.  
      ومن خلال هذه الروايات نستطيع أن نستخلص أن اليقظة الليلية ليست مجرد عبادة فردية، بل هي مشروع تربوي متكامل لصناعة الشخصية المسلمة التي تجمع بين:
- القوة الروحية (في مواجهة الشيطان)
- النضج الأخلاقي (في التعامل مع النفس والآخرين)
- الوعي الذاتي (في إدراك حقيقة العبودية)
     وهو ما يجعل من القيام الليلي مدرسة متكاملة لصناعة الإنسان الرباني الذي يحقق التوازن بين حاجات الجسد وطموحات الروح.  
المطلب الثاني: خطوات عملية مستنبطة من الروايات
     يطرح هذا المطلب منهجاً عملياً متكاملاً لتحقيق اليقظة الليلية من خلال خطوتين أساسيتين: الأولى تركز على الآليات النبوية لمواجهة العقد الشيطانية عبر ثلاث مراحل متدرجة (الذكر، الوضوء، الصلاة) مع اقتراح آليات معاصرة لتطبيقها، والثانية تقدم نظاماً شاملاً للحياة اليومية مستوحى من سيرة المعصومين (عليهم السلام) لتعزيز القدرة على القيام، يشمل عادات يومية مبنية على الأسس الروحية وجدولاً زمنياً مرناً يتناسب مع ظروف العصر مع الحفاظ على الجوهر التعبدي، وذلك من خلال الأمرين الآتيين:
1- المنهج النبوي في التعامل مع عقد الشيطان: إن النفس البشرية تُعد ساحة صراع دائم بين قوى الخير وقوى الشر، وأحد أبرز مظاهر هذا الصراع هو تأثير الشيطان على الإنسان، لا سيما في أوقات الغفلة والراحة. ومن هنا، يبرز المنهج النبوي الشريف في التعامل مع هذه الوساوس الشيطانية كمنارة هادية وطريق عملي للتغلب عليها، والحديث الشريف الذي أورده ابن أبي جمهور مرسلاً عن النبي (صلى الله عليه وآله)  يقدم لنا خريطة طريق واضحة لكيفية فك عقد الشيطان وتحقيق النشاط الروحي والنفسي، ويمكن تصورها من خلال ما يلي:
أ‌-     تفصيل خطوات حل العقد الثلاث وفق الرواية النبوية
     يتجلى في هذا الحديث الشريف منهج تربوي نبوي فريد ومحكم، يفكك تأثير الشيطان على الإنسان في ثلاث خطوات متتالية، تمثل كل منها مرحلة من مراحل التغلب على الكسل والفتور والخمول الذي يعقده الشيطان على "قافية الرأس" (مؤخر الرأس، وهي كناية عن مركز التحكم والتفكير).
-    العقدة الأولى: التغلب عليها بـ"ذكر الله" عند الانتباه.
o    شرح الرواية: يقول النبي (صلى الله عليه وآله): "فإذا انتبه وذكر الله حُلّت منها عقدة". هذه العقدة هي غالباً ما تمثله بداية التثبيط ، وهي الكسل الأولي الذي يجعل الإنسان يفضل النوم على الانتباه والقيام.
o    تحليل الدلالة: إن مجرد "ذكر الله" عند الاستيقاظ - سواء بالبسملة، أو بالحمد، أو بالتهليل، أو بالاستغفار - هو أول شرارة لليقظة الروحية. هذا الذكر ليس مجرد كلمات تُقال باللسان، بل هو استحضار لوجود الله تعالى، وإقرار بعبوديته، وتذكير للمؤمن بغايته في الحياة. هو بمثابة إعلان حرب على حالة الغفلة التي يحاول الشيطان أن يُبقي الإنسان فيها. إنها نقطة انطلاق لكسر قيود الكسل، وتوجيه الوعي نحو الهدف الأسمى.
-    العقدة الثانية: التغلب عليها بـ"الوضوء".
o    شرح الرواية: "فإذا توضأ حلّت أخرى". بعد فك العقدة الأولى بالذكر، يأتي دور الوضوء لفك العقدة الثانية.
o    تحليل الدلالة: الوضوء ليس مجرد طهارة حسية، بل هو طهارة روحية ومعنوية عميقة. الماء، بحد ذاته، له أثر منعش ومنشط للبدن، ومن الناحية الفقهية هو "طاهر بنفسه ومطهر لغيره"  ولكن الأهم هو الأثر الروحي للوضوء. فهو تهيئة للبدن والروح للقاء الله، وهو إعلان عن الاستعداد للوقوف بين يديه. كل قطرة ماء تتطهر بها الأعضاء، يتبعها طهارة روحية من الذنوب والكسل، كما ورد في روايات أخرى . الوضوء يكسر حواجز الكسل الباقية، ويعد الجسد والروح للعبادة الأكمل، إنه خطوة عملية ملموسة تخرج الإنسان من حالة الخمول إلى حالة الاستعداد.
-    العقدة الثالثة: التغلب عليها بـ"الصلاة".
o    شرح الرواية: "فإذا صلّى حلّت العقدة الثالثة فأصبح نشيطا طيب النفس، وإِلاّ أصبح خبيث النفس كسلان". هذه هي العقدة الأخيرة والنهائية، والتي بفكها تتحقق النتيجة المرجوة.
o    تحليل الدلالة: الصلاة هي عماد الدين، وهي قمة الاتصال بين العبد وربه. بعد الذكر والوضوء، تأتي الصلاة لتكون التتويج لهذه العملية. الصلاة ليست مجرد حركات، بل هي خشوع، وتضرع، ومناجاة، وتدبر. في الصلاة، بل "أولها التكبير وأخرها التسليم" ، ويتجلى تمام الانقطاع إلى الله، وتُشحذ الروح، ويُطرد الشيطان بشكل كامل. بتمام الصلاة، يتحقق النشاط التام، ليس نشاط البدن فحسب، بل نشاط النفس، وطيبتها، واستقرارها. والعكس صحيح، فمن لم يمر بهذه الخطوات، يبقى تحت تأثير الشيطان، "خبيث النفس كسلان"، مما يدل على الأثر السلبي الكبير للكسل الروحي على حالة الإنسان النفسية والجسدية.
ب ــــــ كيفية تطبيق هذه الخطوات في العصر الحديث
     إن المنهج النبوي، بما فيه من حكم خالدة، لا يقتصر على زمان ومكان معين، بل هو قابل للتطبيق في كل عصر ومصر، وفي عصرنا الحديث، حيث تتزايد التحديات من تشتيت للانتباه، ومغريات للكسل، وضغوط للحياة، ومواقع التواصل الاجتماعي، بل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يصبح تطبيق هذا المنهج أكثر أهمية وإلحاحاً:
-    الوعي بوجود "عقد الشيطان" ومواجهتها:
o    التطبيق: يجب على الفرد المعاصر أن يدرك أن الكسل والفتور في العبادة، خاصة في الاستيقاظ لصلاة الفجر أو التهجد، ليس مجرد ضعف بدني، بل هو جزء من تأثير شيطاني يحاول أن يثبطه. هذا الوعي هو الخطوة الأولى نحو المقاومة. يجب أن يكون هناك نية واضحة وصادقة لمواجهة هذا التثبيط، توجد العديد من الروايات في مصادرنا التي تتحدث عن الكسل والفتور في العبادة. هذه الروايات تحذر من الكسل في عبادة الله، وتوضح أن الكسل يؤثر على الدين والدنيا على حد سواء، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من كسل عن طهوره وصلاته فليس فيه خير لامر آخرته، ومن كسل عما يصلح به أمر معيشته فليس فيه خير لامر دنياه " ، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): "إني لأبغض الرجل - أو أبغض للرجل - أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل ".  
-    تفعيل "ذكر الله تعالى" الفوري عند الاستيقاظ:
o    التطبيق: بمجرد أن ينتبه الإنسان من نومه، وقبل أن تسيطر عليه أفكار الكسل، يجب أن يبدأ بذكر الله تعالى. يمكن أن يكون ذلك عبر: 
-    أذكار الاستيقاظ المأثورة: مثل " اللهم إني أصبحت في نعمة منك وعافية وستر، فصل على محمد وآل محمد، وأتمم عليَّ نعمتك وعافيتك وسترك ".  
-    الدعاء:  أفضل طريقة لطلب العون من الله تعالى عبر أهل البيت (عليهم السلام) هي الدعاء إليهم والتوسل بهم، مع التذكر بأنهم حجة الله في الأرض.
-    التفكير في الغاية: تذكير النفس بفضل صلاة الفجر أو التهجد، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:" والذي نفس محمد بيده لدعاء الرجل بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أنجح (لأنجح - ك) في الحاجات من الضارب بماله في الأرض".  
o    التحدي الحديث: في عصرنا الراهن، غالباً ما يكون أول ما يفعله الفرد عند الاستيقاظ هو تفقد هاتفه المحمول. هذا يحرف الذهن عن ذكر الله تعالى ويفتح الباب لوساوس جديدة. لذا، يجب أن يكون ذكر الله تعالى هو أول فعل يمارسه الإنسان عند الانتباه واليقظة.
-    الاستعجال في الوضوء كخطوة عملية للمواجهة:
o    التطبيق: بعد الذكر، يجب على الإنسان أن يبادر فوراً إلى الوضوء، دون تسويف. يجب أن يرى في الوضوء ليس فقط وسيلة للطهارة للصلاة، بل وسيلة لكسر قيود الكسل التي تكون لا تزال موجودة.
o    التحدي الحديث:  يفضل البعض العودة إلى النوم أو تأجيل الوضوء. هنا يأتي دور الإرادة والعزيمة. الوضوء بالماء البارد يمكن أن يكون أكثر فعالية في إنعاش الجسد والروح وكسر حلقة الخمول.
-    الصلاة كتحرر كامل وتحقيق للنشاط:
o    التطبيق: بعد الوضوء، يجب الإسراع إلى أداء الصلاة، كما يجب أن يرى الإنسان في الصلاة قمة هذه العملية، وهي الغاية التي من أجلها فك العقد، وعند حلها تكون الصلاة المأتي بها بخشوع وتدبر وهي التي تحقق النشاط الروحي والنفسي الحقيقي، وإذا كانت كذلك فهي من مصاديق الصلاة المعراجية التي أشتهر على الألسن" ان الصلاة معراج المؤمن" ، وكذلك هي" قربان كل تقي".  
o    التحدي الحديث: تشتت الذهن أثناء الصلاة بالهموم الدنيوية أو الأفكار العابرة هو من التحديات الحديثة، لذا يجب التركيز على استحضار عظمة الله تعالى، والتدبر في آيات القرآن الكريم، والخشوع في الدعاء الواردة عن آل محمد (عليهم السلام)، لضمان فك العقدة الثالثة بالكامل.
2- نظام حياة لتعزيز اليقظة والقيام في جوف الليل من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
     إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه، قدّم للبشرية منظومة حياتية متكاملة لا تقتصر على الجانب الظاهري من العبادات، بل تمتد لتشمل عمق النفس والروح. وبالتأمل في كلماته الشريفة حول "اليقظة"، نجد منهجًا فريدًا يهدف إلى إيقاظ القلب والعقل من غفلة الدنيا، ليكون الإنسان مؤهلاً للقيام بين يدي ربه في جوف الليل، تلك اللحظات المباركة التي تُعدّ معراجًا حقيقيًا للمؤمن.
أ‌-     استنباط عادات يومية لتعزيز اليقظة من روايات أمير المؤمنين (عليه السلام)
     تُشكل كلمات الإمام علي (عليه السلام) حول اليقظة والغفلة أساسًا متينًا لبناء عادات يومية تعزز الوعي الروحي وتُهيئ النفس للقيام في السحر:
-    اليقظة: نور واستبصار ونعمة:
o    الروايات: 
    "اليقظة نور".  
    "اليقظة استبصار".  
    "التيقظ في الدين نعمة على من رزقه".  
o    الاستنباط والتعليق: هذه الأقوال تؤسس لمفهوم اليقظة كقيمة عليا وموهبة إلهية. فعندما تكون اليقظة "نورًا" و"استبصارًا"، فهذا يعني أنها ليست مجرد حالة بدنية، بل هي بصيرة قلبية وعقلية تُمكّن الإنسان من رؤية الحقائق على ما هي عليه، وتميز بين الهدى والضلال. وكونها "نعمة"، يعني أنها تتطلب شكرًا وحفاظًا.
o    العادة اليومية المقترحة: 
    المراقبة الواعية: تعويد النفس على الوعي الدائم بما يجري حولها وداخلها. قبل الشروع في أي عمل أو بعد الانتهاء منه، تخصيص لحظات لـ"المراقبة الفكرية": هل هذا العمل يقربني من الله أم يبعدني؟ هل أفعالي اليوم كانت وفق مرضاة الله؟ هذا النوع من المراقبة المستمرة يُبقي القلب متيقظًا، ويُرسّخ النور والبصيرة.
-    الاستظهار باليقظة لحفظ النفس:
o    الرواية: "من لم يستظهر باليقظة لم ينتفع بالحفظة".  
o    الاستنباط والتعليق: "الحفظة" هنا قد تُفسر بالملائكة الحافظة، أو بالقوى الحافظة التي أودعها الله في الإنسان كالذاكرة والفهم، والمعنى هو أن الإنسان إذا لم يكن في حالة يقظة ووعي لما يأتيه وما يصدر عنه، فإن الملائكة لا تستطيع أن تحفظه من الوقوع في الشر، كما أن قواه العقلية لا تنتفع من المعلومات والحجج التي لديه. اليقظة هنا هي أساس الحماية والانتفاع.
o    العادة اليومية المقترحة: 
    المحاسبة الدورية: في نهاية كل يوم، أو حتى في منتصفه، يُخصص وقت لمحاسبة النفس على الأعمال والأقوال، ولو قلنا المحاكمة لكان أفضل، هل قمت بما عليّ؟ هل ابتعدت عما نهيت عنه؟ هذه المحاسبة تديم اليقظة وتمنع الغفلة من التراكم، وتُمكن الإنسان من تصحيح مساره باستمرار، وبالتالي الانتفاع من الحفظ الإلهي.
-    إفاقة القلب من سكر الغفلة والغرور:
o    الروايات: 
    "فأفق أيها السامع من سكرتك، واستيقظ من غفلتك، واختصر من عجلتك" .  
    "سكر الغفلة والغرور أبعد إفاقة من سكر الخمور".  
    "انتباه العيون لا ينفع مع غفلة القلوب".  
o    الاستنباط والتعليق: الإمام (عليه السلام) يُشبه الغفلة بالسكْر، وهو سكر أشد وأخطر من سكر الخمر لأنه يطال القلب والبصيرة. اليقظة المطلوبة هي يقظة القلب لا مجرد يقظة الجسد أو العيون. هذه الأقوال تُحذر من عواقب الغفلة وتدعو إلى الصحو القلبي.
o    العادة اليومية المقترحة: 
    التأمل في المصير: تخصيص وقت يومي للتأمل في الموت، والآخرة، وحقيقة الدنيا، وزوالها. هذا التأمل يُبقي القلب حيًا ويُذيب سكر الغفلة. فالإمام (عليه السلام) يقول: "ألا مستيقظ من غفلته قبل نفاد مدته؟!" و"ألا منتبه من رقدته قبل حين منيته؟!"   هذا التذكير بالمصير يحفز على الاستيقاظ الروحي والعمل الصالح.
    دراسة الكتاب العزيز والتفكر فيه: كما قال (عليه السلام): "قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ!"  إن مدارسة القرآن الكريم والتدبر في آياته يفتح الأبصار والأسماع والأفئدة، ويُضيء القلب بنور اليقظة.
-    الاستصباح بنور اليقظة:
o    الرواية: "ما برح لله - عزت آلاؤه - في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات، عباد ناجاهم في فكرهم، وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة".  
o    الاستنباط والتعليق: هذه الرواية تُبين أن اليقظة هي وسيلة للقرب الإلهي والمناجاة الفكرية. إنها حالة استنارة داخلية تشمل كل الجوارح.
o    العادة اليومية المقترحة: 
    الخلوة والذكر الخفي: تخصيص وقت يومي للخلوة مع الذات بعيداً عن المشتتات، ومناجاة الله تعالى بالفكر والقلب. هذا يغذي نور اليقظة في الأعماق ويُهيئ القلب لاستقبال الفيض الإلهي، ويُعدّ أفضل تحضير لليقظة في جوف الليل.
ب - جدول زمني مقترح للالتزام بقيام الليل بناءً على التوجيهات الدينية
     بناءً على هذه الرؤى العلوية، يمكن اقتراح جدول زمني يومي يعزز اليقظة ويُهيئ للقيام في جوف الليل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الجدول مرن وقابل للتكيف مع ظروف الفرد، لكنه يحدد المبادئ الأساسية:
-  قبل النوم (تحضير للنوم الواعي) ويتمثل هذا التحضير في ثلاثة أمور:
الأول: المحاسبة والتوبة: تخصيص 5-10 دقائق لمراجعة أعمال اليوم، والاعتراف بالتقصير، والتوبة الفورية من أي ذنب. (امتثالًا لـ "من لم يستظهر باليقظة لم ينتفع بالحفظة").
الثاني: الوضوء والنوم على طهارة: تجديد الوضوء قبل النوم مباشرة. (سنة مؤكدة وفيه نور).
الثالث: ذكر الله تعالى: قراءة بعض الأذكار أو الأدعية المأثورة قبل النوم (مثل آية الكرسي، أو سور صغيرة، أو التسبيحات). (لـ "ذكر الله تعالى" عند الانتباه).
ج-  لحظة الاستيقاظ (كسر العقدة الأولى):
-  الذكر الفوري: فور الاستيقاظ وقبل أي فعل آخر، ذكر الله تعالى (مثل " الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور "، أو "سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر").
-  نية القيام: استحضار نية القيام للصلاة وقراءة القرآن، وتذكير النفس بفضل هذا الوقت. (تأسيًا بـ "أفق أيها السامع من سكرتك، واستيقظ من غفلتك").
د- التحضير للقيام (كسر العقدة الثانية):
- الوضوء الطاهر والمنعش: القيام فورًا للوضوء. يُستحب أن يكون بالماء البارد إذا أمكن، لتنشيط البدن والروح. (لـ "فإذا توضأ حلّت أخرى").
- التأمل السريع: أثناء الوضوء أو بعده مباشرة، لحظات تأمل في عظمة الوقت وحاجة العبد لربه في هذه الساعة المباركة. (لـ "استصبحوا بنور يقظة في الأبصار والأسماع والأفئدة").
هـ - جوف الليل (قمة اليقظة وكسر العقدة الثالثة):
- صلاة الليل أو التهجد: البدء بصلاة الليل (ركعاتها المعروفة) أو على الأقل ركعتين خفيفتين (صلاة الوتر أو الشفع والوتر). (لـ "فإذا صلّى حلّت العقدة الثالثة فأصبح نشيطا طيب النفس").
- الدعاء والمناجاة: الإكثار من الدعاء والتضرع والاستغفار في السجود، والتأمل في معاني الأدعية المأثورة. (لـ "عباد ناجاهم في فكرهم، وكلمهم في ذات عقولهم").
- قراءة القرآن: تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم، بتدبر وخشوع.
و- ما بعد القيام وصلاة الفجر (ترسيخ اليقظة):
-  أداء صلاة الفجر في أول وقتها: بعد قيام الليل، تكون النفس مهيأة تمامًا لأداء صلاة الفجر بوعي وخشوع.
- أذكار الصباح: المداومة على أذكار الصباح بعد صلاة الفجر.
- التخطيط لليوم: التفكير في أعمال اليوم القادمة بنية حسنة، مما يحول النشاط الروحي إلى فعالية في الحياة.
ملحوظات مهمة:
•    التدرج: لا يُشترط تطبيق كل هذا الجدول دفعة واحدة. يمكن البدء بخطوات صغيرة والتدرج شيئًا فشيئًا، فالمداومة على القليل خير من الانقطاع عن الكثير.
•    الإخلاص والنية: الأساس في كل ذلك هو الإخلاص لله تعالى والنية الصادقة لتحقيق اليقظة والقرب منه.
•    النوم الكافي: يجب عدم إهمال الحصول على قسط كافٍ من النوم (غير المفرط) لكي لا يكون الجسد منهكاً، فإن البدن له حق، والاعتدال سنة نبوية.
     بهذا النظام الحياتي المستلهم من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، يمكن للمؤمن أن يحول ليله ونهاره إلى سلسلة من المحطات الروحية التي تعزز اليقظة الداخلية، وتطرد الغفلة، وتُهيئ القلب لاستقبال الأنوار الإلهية، لا سيما في جوف الليل حيث تتجلى أسرار العبادة والمناجاة.
ثامناً: خاتمة البحث 
     وفي الختام، يؤكد هذا البحث أن فهم آليات الشيطان في التثبيط، ومعرفة العلاج النبوي المتكامل لها، يمنح المؤمن الوعي اللازم والقدرة العملية على الانتصار في معركة اليقظة الإيمانية المصيرية. هذا الانتصار لا يقتصر على تحقيق السعادة الروحية فحسب، بل يحوّل حياة الفرد إلى رحلة متكاملة نحو القرب الإلهي، والتوازن الروحي والجسدي، والفاعلية في بناء مجتمع صالح، ولقد كشفت هذه الدراسة المعمقة عن جوهر الصراع الروحي الذي يواجهه المؤمن، والذي يدور بين إغراءات "الرّها" (الكسل والفتور) – ذلك الشيطان المتربص الذي يسعى لتثبيط العزم وإثقال الروح عن الطاعات – ونداء "القيام" المبارك في جوف الليل. استنادًا إلى الروايات الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام)، قدم هذا البحث منهجًا تربويًا وعمليًا متكاملاً لتعزيز اليقظة الإيمانية، ومواجهة التحديات النفسية والشيطانية بفاعلية.
أولاً: النتائج 
لقد أسفرت الدراسة عن جملة من النتائج الجوهرية التي تُعمّق فهمنا لظاهرة اليقظة والقيام:
1.    أظهر البحث أن عبادة قيام الليل تتجاوز كونها مجرد فعل تعبدي، لتصبح ساحة معركة مصيرية بين إرادة المؤمن ووساوس شيطان "الرّها". هذه المعركة تتطلب عزمًا راسخًا ووعيًا مستمرًا للتغلب على قوى التثبيط التي تسعى لإثقال القلب وحجب النور عنه.
2.    كشفت الدراسة عن الأبعاد المتعددة لبركات قيام الليل، التي لا تقتصر على الثواب الأخروي الجزيل – والذي يُعد من الأسرار الإلهية لعظيم قدره – بل تمتد لتشمل آثارًا مشهودة في حياة المؤمن الدنيوية. هذه الآثار تشمل: 
o    الجمال الظاهري: نور الوجه وطيب الريح.
o    النشاط الشامل: النشاط الروحي والجسدي، مما يجعل البدن "مصحة" تقي من الداء وتجلب الرزق.
o    القرب الإلهي: مرضاة الرب والتعرض للرحمة الإلهية الواسعة.
o    السمو الأخلاقي: التمسك بأخلاق النبيين (عليهم السلام).
o    المناعة الروحية: خلق درع حصين ضد مصاحبة الفساق والانزلاق في دروب المعاصي والانحرافات.
3.    أكدت الدراسة على المنهج العملي المتدرج والمستنبط من الرواية النبوية الشريفة لفك العقد الثلاث التي يعقدها الشيطان على "قافية الرأس" عند النوم: 
o    الذكر عند الانتباه: يمثل الخطوة الأولى الحاسمة لكسر قيد التسويف والكسل، وهو بمثابة شرارة الوعي الأولى.
o    الوضوء: يمثل تحولاً جذريًا وطهارةً روحيةً وعمليةً، تنقل المؤمن من حالة الخمول إلى الاستعداد والنشاط.
o    الصلاة: تُعد ذروة التحرر من القيود الشيطانية، وهي المحطة التي يتحقق فيها النشاط التام وطيب النفس من خلال الاتصال الكامل بالله تعالى.
4.    أبرز البحث أن العبادة الحقيقية، لا سيما قيام الليل، تنبع من شوق داخلي وحب صادق للقاء الله تعالى. هذه الرغبة المعنوية تحوّل العبادة من عبء وثقل إلى لذة ومحبوب، مما يدفع المؤمن للبحث عن أوقات الشدة فيها لينال أجرها كاملاً.
ثانياً: التوصيات
بناءً على هذه النتائج المعمقة، توصي الدراسة بما يلي:
1.    ضرورة دمج إطار الترهيب من عقوبة التكاسل والترغيب في بركات القيام ضمن البرامج التربوية الأسرية والمؤسساتية بشكل مستمر، لتعزيز ثقافة اليقظة الليلية وتثبيتها في نفوس الأجيال.
2.    يجب على المؤمن المعاصر، والمربين بشكل خاص، إدراك أن الكسل والفتور في العبادة ليس مجرد ضعف بدني عارض، بل هو جزء من تأثير شيطاني ممنهج. هذا الوعي يمثل الخطوة الأولى والأكثر أهمية للمواجهة الفعالة.
3.    التطبيق العملي للمنهج النبوي خطوة بخطوة: 
o    عند الاستيقاظ: المبادرة الفورية بذكر الله تعالى دون تسويف، لكسر العقدة الأولى.
o    الاستعجال في الوضوء: اعتباره وسيلة أساسية لكسر قيود الكسل والانتقال إلى حالة النشاط.
o    المسارعة إلى الصلاة: أداء الصلاة بعد الوضوء مباشرة بخشوع وتدبر، لكونها تتويجًا للعملية وتحقيقًا للنشاط الروحي والنفسي الكامل.
4.    يُقترح وضع وتطبيق جدول زمني مرن يتناسب مع ظروف العصر الحديث، يشمل: 
o    روتينًا روحيًا قبل النوم: للمحاسبة والمحاكمة الذاتية، تجديد الوضوء، والذكر المأثور.
o    الذكر الفوري ونية القيام: كأول فعل عند الاستيقاظ.
o    الوضوء الطاهر والمنعش: مع التأمل السريع كتحضير للقيام.
o    أداء صلاة الليل أو التهجد: مع الإكثار من الدعاء والمناجاة وتلاوة القرآن في جوف الليل.
o    ترسيخ اليقظة صباحًا: بأداء صلاة الفجر في أول وقتها، وأذكار الصباح، والتخطيط لليوم بنية حسنة.
5.    يجب التشديد على أهمية البدء بخطوات صغيرة والتدرج في تطبيق هذا النظام، مع التأكيد على الإخلاص لله تعالى والنية الصادقة كركيزة لكل عمل. كما يجب الحفاظ على التوازن بين العبادة وراحة الجسد من خلال الحصول على قسط كافٍ من النوم المتوازن، فلكل ذي حق حقه.
تاسعاً: المصادر والهوامش
1-    الأزهري، تهذيب اللغة، 9/202، الرازي، زين الدين، مختار الصحاح، ص: 349، إبن منظور، لسان العرب، 7/466، 467، الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص: 700.
2-    إبن الأثير، النهاية في غريب الحديث، ج5/299، مختار أحمد، معجم اللغة العربية المعاصر3/ 2515.
3-    البرقي، المحاسن، ج1/ ص86. 
4-    يُشير تعبير "بال الشيطان في الأذن" إلى سيطرة الشيطان على النائم الغافل عن الطاعة، وهو تعبير مجازي يدل على سخرية الشيطان وتلاعبه بالإنسان عندما ينام حتى الصباح. وردت هذه العبارة في عدة أحاديث نبوية بألفاظ مختلفة كحديث "فحج رجليه" الدال على تباعد الفخذين، وحديث ابن مسعود الذي يحذر من شرّ ذلك. اختلف المفسرون بين من أخذها على ظاهرها كالقاضي عياض الذي رأى في تخصيص الأذن إشارةً لحاسة الانتباه، ومن اعتبرها كنايةً مجازيةً كالشيخ البهائي الذي فسر الفحج بالمشي السيء والبول كتعبير عن التلاعب الشيطاني. ويبقى التفسير المجازي بأنه تمثيل لتثاقل النوم وعدم الاستجابة لنداء الطاعة هو الأقرب والأكثر انسجاماً مع السياق. ينظر: هامش البرقي، المحاسن، ج1/ ص86.
5-    الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق: مصطفى درايتي، مركز البحث والتحقيق للعلوم الاسلامية مكتب الاعلام الاسلامي في الحوزة العلمية - قم المقدسة، ط1، 52. 
6-    الراوندي، لب الالباب، كما عنه مستدرك الوسائل، ج6، ص340، ح6955.  
7-    المجلسي، بحار الأنوار، ج84، ص 140.
8-    سورة السجدة/الآية:17.
9-    المجلسي، بحار الأنوار، ج87، ص 143.
10-    الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص363.
11-    جاء في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:" عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم ومطردة الداء عن أجسادكم". الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص362.
12-    المجلسي، مصدر سابق، ج 87، ص 142 - 148.
13-    البرقي، المحاسن، مصدر سابق، ج1، ص167، ح249.  
14-    الآمدي، غرر الحكم، مرجع سابق، 8745، 3876، 4424.
15-    الآمدي، مرجع سابق، 3258، 7956، 8672.
16-    الشريف الرضي، نهج البلاغة، الكتاب 62، والخطبة 34.
17-     قافية الرأس: مؤخّره.
18-    الراوندي، درر اللآلي، مرجع سابق، كما في النوري، مستدرك الوسائل، ج6، ص340، ح6956.  
19-    يشير مفهوم الإرسال إلى الإطلاق والتحرير من القيود، فيُقال أرسل الطائر أي أطلقه ليطير بحرية، ويوصف الكلام غير المقيد بالسجع بالنثر المرسل. وهذا المفهوم اللغوي ينطبق على الحديث المرسل من حيث كونه مطلقاً من قيد الإسناد الكامل، وفي الاصطلاح الحديثي: يُعرف الحديث المرسل بأنه ما سقط من سنده راوٍ أو أكثر، بشرط عدم معرفة اسم الراوي المحذوف. وينقسم الإرسال إلى نوعين رئيسيين: النوع الأول: ما سقط منه جميع الرواة في الواسطة بين الراوي الأخير والمعصوم (عليه السلام)، والنوع الثاني: ما سقط بعض رواته دون البعض الآخر، ويُشترط في كلا النوعين ألا يكون الراوي المحذوف معروفاً، لأن الراوي المعروف المحذوف يُعتبر في حكم المذكور، مما يجعل الحديث مسنداً لا مرسلاً. ينظر: الفضلي، عبد الهادي، أصول الحديث، ص 175. 
20-    الراوندي، لب الالباب، كما عنه النوري، في المستدرك، ج6، ص338، ح6948.  
21-    الشريف الرضي، نهج البلاغة، الحكمة ٢٣٧.
22-    الصدر، حسن، تكملة أمل الآمل، ص239.
23-    البرقي، المحاسن، ج1/ ص86.
24-    البرقي، المحاسن، مصدر سابق، ج1، ص167، ح249.  
25-    الراوندي، درر اللآلي، مرجع سابق، كما في النوري، مستدرك الوسائل، ج6، ص340، ح6956.  
26-    الراوندي، لب الالباب، كما عنه النوري، مستدرك الوسائل، ج6، ص340، ح6955.  
27-    الراوندي، لب الالباب، مرجع سابق، كما عنه النوري، في المستدرك، ج6، ص338، ح6948.  
28-    الراوندي، درر اللآلي، مرجع سابق، كما عنه النوري، في المستدرك ، ج6، ص340، ح6956.  
29-    التثبيط هو كل ما يؤدي إلى إعاقة الإنسان عن فعل الخير أو الطاعة، سواء كان ذلك بتثبيط عزيمته، إلقاء اليأس في قلبه، إشغال وعيه، أو جعله يميل إلى الكسل والفتور، وهذا ما يسعى الشيطان جاهداً لفعله مع بني آدم، كما ذكر الحديث النبوي الشريف عن "عقد الشيطان" على قافية الرأس.
30-    الشهيد الثاني، زين الدين، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج1، ص246. 
31-    توجد في كتب الشيعة الكثير من الروايات التي ترشد إلى أهمية الوضوء في الأخلاق، وتوضح فوائده ونتائجه الحسنة في حياة الإنسان. هذه الروايات تشير إلى أن الوضوء يُعتبر من أدوات التقرب إلى الله تعالى، ويزيد من الرزق، وينفي الفقر، ويُساعد على غفران الذنوب. ينظر: المجلسي، بحار الأنوار، ج63، ص362؛ الطبرسي، مكارم الأخلاق ، ص140. 
32-    الكاظمي، كتاب الصلاة - تقرير بحث النائيني، ج2، ص21. 
33-    الكليني، الكافي، ج5، ص85.  
34-    الكليني، مصدر سابق.
35-    المجلسي، ج83، ص283.
36-    البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج5، ص437. 
37-    لا يخفى على المتتبع للحكمة الإسلامية وعميق بيانها أن عبارة "الصلاة معراج المؤمن" قد ذاعت وانتشرت على الألسن انتشاراً واسعاً، حتى غدت من أشهر الأوصاف المتداولة في فضل الصلاة ومكانتها. وبفعل كثرة تداولها، بات يُظنّ أنها حديث شريف مسندٌ إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة الأطهار من أهل بيته (عليهم السلام)، ولكن، عند إمعان النظر والتحقيق الدقيق في المصادر الحديثية المعتبرة لدى الفريقين، الشيعة والسنة، يتبين أن هذه العبارة، على الرغم من عظيم معناها وجميل مبناها الذي يتفق مع روح الصلاة وجوهرها، لم يرد لها سندٌ متصلٌ يُفضي إلى المعصومين (عليهم السلام). لقد قمنا باستقصاء دقيق وشامل لكلمات كبار العلماء والمحدثين في شتى العلوم الإسلامية، وبحثنا في أكثر من 497 موضعاً من كتبهم ومصنفاتهم، المنشورة في مكتبة أهل البيت عليهم السلام الإلكترونية، ولعلّ اللافت للانتباه، هو أن معظم كتب الحديث القديمة والموثوقة عند الشيعة، وكذلك مجمل كتب السنة التي دُوّنت في القرون الأولى للإسلام، قد خلت تماماً من ذكر هذه العبارة بصيغة مسندة، وكذلك ما جاء في مسند أحمد، وموجوع كتب ورسائل القاسم بن إبراهيم الرسي، ومنازل السائرين وروح الأرواح في شرح أسماء الملك المفتاح، وغيرها من الكتب الصوفية، ولم تظهر هذه العبارة بشكلها المتداول إلا في بعض المؤلفات التي خطّها علماؤنا المتأخرون (رضوان الله تعالى عليهم) في القرون الأخيرة، مثل كتاب "روضة المتقين" و"بحار الأنوار" للعلامة المجلسي (أعلى الله مقامه)، و"الرواشح السماوية" للمحقق الداماد (قدس سره)، وعليه، فإن الظاهر من خلال هذا التحقيق هو أن عبارة "الصلاة معراج المؤمن" ليست برواية مسندة عن المعصومين (عليهم السلام)، بل هي من عبارات وتعبيرات المتشرعة وعلمائنا الأجلاء المتأخرين (رضوان الله تعالى عليهم)، الذين صاغوها بعمقٍ وجمالٍ لتلخيص المعنى العظيم للصلاة كسبيل للارتقاء الروحي والقرب الإلهي. ورغم أنها ليست حديثاً بالمفهوم الاصطلاحي، إلا أن معناها يتوافق تماماً مع حقيقة الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، ووسيلة للعروج الروحي إلى مراتب القرب والكمال، وهو ما تعضده آيات القرآن الكريم وروايات كثيرة أخرى في فضل الصلاة، ويمكن القول ان الصلاة معراج المؤمن هو لسان حال الحقيقة، نعم وردت الإشارة إليها في مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام، والأصح هو من تأليف شقيق البلخي، بحسب النسخة الخطية الموجودة في جامعة هارفرد.
38-    الشريف الرضي، نهج البلاغة تحت الرقم 36 من قسم الحكم.
39-    غرر الحكم، مرجع سابق، 5925.
40-    غرر الحكم، مرجع سابق، 104.
41-    غرر الحكم، مرجع سابق، 176.
42-    غرر الحكم، 2058.
43-    الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 153.
44-    غرر الحكم، 5651.
45-    غرر الحكم، مرجع سابق، 1870.
46-    غرر الحكم، مرجع سابق، 2752.
47-    الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 223 و 180.
48-    الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 222.


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/11


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • الغدير: يوم تنصيب الأوصياء وتكامل الدين - قراءة في الأبعاد العقديّة، التاريخيّة والاجتماعيّة  (المقالات)

    • عرفات وكربلاء: محطتان للمغفرة وتجديد العهد – "قراءة موجزة في الأبعاد الروحيّة والإجتماعيّة لليوم المشهود"  (المقالات)

    • التقسيم الزمني الوظيفي : تحليل الساعات الانسانية مقابل الساعات الحيوانية في استثمار الوقت "  (المقالات)

    • الحوقلة: دلالات وفضائل  (المقالات)

    • حدود الطب  (المكتبة الالكترونية)



كتابة تعليق لموضوع : "اليقظة الليليّة بين إغراءات "الرّها" وبركات القيام: دراسة في الحِكَم التربويّة والمنهج العملي المستنبط من روايات المعصومين عليهم السلام"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net