في أعماق الروح تتلاشى المسافات، يراوغها التوق، سألوا سيد البلاغة أمير المؤمنين "عليه السلام" كم المسافة بين الأرض والسماء؟ قال هي خفقة دعاء.
لهب يشتعل في دم القصيدة ليسكن روح الشاعر، وبين الجسد والروح تتوهج الحروف، والموت في شغف الشعراء يعني موت كل شيء ينبض في الحياة، كربلاء ثمر الجنة، ألفة القلب المسكون بــ "يـــا حسين"، شجن المسافات لا يعد بالأميال، لهذا أردت أن أهيج كوامن الشعر في شاعرة جزيرة تاروت
- كم المسافة بين تاروت وكربلاء؟
سؤالك يفتح بابا واسعا للتأمل في جغرافيا الوجدان
هل يقاس الانتماء بالميل؟
الحكاية ليست بين أفق وأفق، ولا بين نخلة ونهر، هي المسافة بين "هل من ناصر، ولبيك يا حسين" بين نداء ودمعة، وتحليق قلوب عجنت بطين طُهِّرَ بدماء الحسين "عليه السلام".
من قلب الخليج إلى قلب كربلاء مسافة نبض مآتم حين تضج بـ "يـا حسين"...
بصدى لطم يردد في مواكب العزاء من تاروت ليهطل في الفرات دمعا...
لا تسألني عن المسافة، بل سلني عن جراح القلوب وهي تعبر المسافة...
أَنَا بِتَارُوتَ... والنَّبْضَاتُ تَسْبِقُنِي
لِكَرْبَلَاءَ... خُطَى الأَشْوَاقِ تَبْتَدِرُ
مَا بَينَ قَلْبِي وَبَينَ السِّبْطِ رَابِطَةٌ
وَبِالمَشَاعِرِ يُنْفَى البُعْدُ وَالسَّفَرُ
وَذِي المَسَافَةُ حِسٌّ لَا أَدَاةَ لَهَا
حَتَّى الدُّمُوعُ إِذَا لَبَّتْهُ تَنْهَمِرُ
تَمْشِي أَنَايَ وَرُوحِي حَيْثُ مَرْقَدُهُ
فَالحُبُّ إِنْ صَدَقَتْ فِيهِ الرُّؤَى ظَفَرُ
**
تتوهج القصيدة عند شغف قربة مذبوحة الوريد، أو عند كف نام على الفرات، منذ نعومة اللون كان شكل الدمعة يحمل تباريح وجع لا يستكين، إلى أي منهج تنتمي لهفة الزائرين وبين البهجة وحزنها يكبر الحنين.
-وفاء بين الحداثة والأصالة؟
سؤالك يتصل بجوهر التجربة الشعرية، وانتماء الكلمة بين جاذبية التراث ومغناطيس التجديد.
أجدني واقفة على الحد الفاصل بين الأصالة والحداثة، أحاول أن أحمل شعلة الأصالة من عبق الأوائل، وأسير بها في أفق الحداثة.
لست تابعة مقلّدة في ركب السالفين، ولا خاضعة في موكب المحدثين، لي أفق شاسع أسافر فيه بصحبة المعاني من ضفاف التراث إلى سواحل الحداثة والمستقبل.
ولأدفن نفسي في أسلوب استهلكه الزمان، ولا أغتال إيقاعا تحت اسم التجريب...
للأصالة روحها المتجذرة في عمق التاريخ، وهي التي تغذي غصون التجديد والحداثة، هي مرايا تعكس ملامحنا القديمة لنكتشف الجديد في جوهرنا.
أنا أؤمن أن الشعر العربي كائن حي يتنفس من الماضي لكنه لا يشيخ، يتجدّد دون أن يفقد اسمه، وينهض جذوة من رماده كلما ظنوا أنه انطفأ.
سمّني إن شئت حداثية تقليدية، أو تقليدية حداثية... لكنني في الحقيقة شاعرة لا أنتمي إلا للجمال حين يتفجر في اللغة، وللدهشة حين تشتعل في النص. ولكربلاء حين تتوج هامة القصيدة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat