عندما يكون الإنسان مستقيماً!
خديجة عبدالواحد ناصر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
خديجة عبدالواحد ناصر

{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} الجن/16
قد تجد إنساناً ذا مظهر بسيط جداً يؤدي فرائضه وواجباته في أجواء تقليدية، وقد تلحظ فيه أداءه لأمور عرفية وآداب اجتماعية لا يختلف فيها عن الباقين ولا يكاد يبين منه شيء سوى ذلك. وقد تجهل عمّا يخبئ في داخله، هل هو كالذهب يصمد أمام تغيرات الطبيعة، ويتجلى نقاؤه بتعريضه للنار، أم هو معدن آخر سرعان ما يصدأ بتغيرات الجو! وأنت لا تعلم مدى صبره وتماسكه في المحن والمصائب والضغوط والشدائد.
والأمر ليس كذلك، فالمرئيات ليست بقشورها بل بلبابها، وليس الناس بوجوههم بل بقلوبهم، فقد يكون ذلك الإنسان ذا معدن أصيل وسريرة طيبة بل هبة من هبات السماء ونفحة من نفحات الله.
ذلك هو الإنسان المستقيم.. وتلك هي الاستقامة. إنها كلمة نكررها في الليل والنهار: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} كلمة مانعة جامعة تعني أن نستقيم في العقيدة والسلوك... في الأعمال والأخلاق، كما أنها تعني الاستقامة في الدين والوقوف عند حدود الله.
روي أن النبي (ص) قال حين نزل قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} هود/112، قال (ص): (شمروا... شمروا... فما رئي ضاحكاً) قال له تعالى: إنك مأمور بالاستقامة ما دمت قد آمنت أنت وأتباعك... وتلك مسؤولية عظيمة.
ويأمر تعالى المؤمنين بأن لا يطغوا فيضيعوا إيمانهم وزهرة حياتهم التي قضوها في حمل الرسالة وتبليغ الدعوة، وأن يكونوا مصممين على مواصلة السير صامدين أمام الأهواء والضغوط بعيدين عن ردود الفعل السلبية، وعن كل الزوايا الضيقة التي تحجم طاقاتهم وتضيع أهدافهم سائرين بخط مستقيم ثابت وواضح لا تزلُّ فيه أقدامهم ولا تتحكم فيه أهواؤهم ولا تختلط عندهم الأفكار والرؤى.
ولأن الإنسان في هذا الكون هو الهدف والوسيلة، كان لا بد أن يكون واعياً في حمل أمانته أميناً في أداء رسالته صادقاً في تبليغها مستقيماً وصابراً في طريق المواجهة والمواصلة، عندما يكون الإنسان مستقيماً... تغدق السماء عليه مطراً وتتفجر الأرض عيوناً وبوجود الماء يوجد كل حي، وتزيد الأرزاق وتكثر البركات والنعم {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الأعراف/96. وإن زيادة النعمة ووفور الخير لا يكون مبعثه الإيمان المؤقت الذي قد يتراجع في ظروف الشدة أو الرخاء إنما هو الاستمرار على الإيمان والتقوى من خلال الاستقامة بكل ما تشتمل عليه من عمق ومن صبر وتحدي.
عندما يستقيم الإنسان... تصبح الأرض عبارة عن روضات يانعات تملاً النفس مسرة وتوسع العين قرة، نرى السماء فيها زرقاء صافية صفاء الروح وهي تقف بين يدي ربها في ساعات السحر عندما يستقيم الإنسان ذلك يعني أنه لن يكون طاغياً أو أن يركع للطغاة ويسير في خطهم ويركن إليهم ولا يعني أن يكون منافقاً أو ازدواجياً تحركه ردة الفعل وتدفعه الأنا والمصلحة لأن يأخذ أكثر مما يعطي، عندما يكون الإنسان مستقيماً...
يُستجاب الدعاء وتنزل بركات السماء بالخير والعطاء وتتنزل الملائكة بالأمن والبشائر:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت/30.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat