التقسيم الزمني الوظيفي : تحليل الساعات الانسانية مقابل الساعات الحيوانية في استثمار
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي

المقدمة:
في عصر تسارعت فيه وتيرة الحياة، وتزاحمت فيه المهام، أصبح الوقت هو المورد الأكثر ندرةً وقيمةً. لكن كيف يُدار هذا المورد؟ وهل يستثمره الإنسان بالشكل الذي يميزه عن غيره من الكائنات؟ تُظهر الملاحظة أن كثيرًا من الأفراد يُضيعون ساعاتهم في أنشطة لا تختلف عن سلوكيات الحيوانات في حاجاتها الأساسية، بينما يُهملون الجوانب التي تُعلي من إنسانيتهم. هذا الواقع يطرح إشكالية عميقة حول كيفية تحديد الأولويات الزمنية، ومعايير تقسيم الوقت بين ما هو غريزي وما هو عقلي/قيمي.
إشكالية البحث:
يتمحور المقال حول التناقض بين الاستخدام الأمثل للوقت وفق الرؤية الإنسانية، وإهداره في أنشطة لا تتجاوز الحاجات الأساسية المشتركة بين الإنسان والحيوان. فبينما خُلق الإنسان ليعمر الأرض بالعلم والعمل الصالح، نجد أن نسبة كبيرة من يومه تُستهلك في أنشطة لا تُفرق بينه وبين الكائنات الأخرى، مما يُضعف إنتاجه وقيمته الاجتماعية والروحية.
أسئلة البحث:
1. ما المعايير التي تُصنّف بها الساعات إلى "إنسانية" و"حيوانية"؟
2. كيف يؤثر التوزيع الزمني غير الواعي على تدهور القيمة الإنسانية للمرء؟
3. ما الآليات العملية لتعزيز نسبة الساعات الإنسانية في حياة الفرد؟
4. ما دور التربية والأسرة في غرس ثقافة الاستثمار الواعي للوقت؟
أهمية الموضوع:
1. الفردية: يساعد في تعزيز وعي الفرد بمسؤولية الوقت كأمانة.
2. التربوية: يُقدّم نموذجًا تطبيقيًا لتربية النشء على إدارة الوقت.
3. المجتمعية: يُسهم في بناء مجتمعات منتجة تُقلل من الهدر الزمني.
4. الدينية: يرتبط بمفهوم العمر كرأس مال الإنسان في الإسلام.
أهداف البحث:
1. تحليل الأنماط السلوكية في إدارة الوقت وربطها بالهوية الإنسانية.
2. وضع إطار نظري لتقييم الساعات اليومية وفق معايير القيمة المضافة.
3. اقتراح أدوات عملية لتحويل "الساعات الحيوانية" إلى "إنسانية".
4. تقديم توصيات تربوية لتعزيز ثقافة الوقت في المناهج التعليمية والأسرية.
في البداية اقول الحمد لله الذي جعل الوقت نعمةً عظيمةً، وأسأله أن يبارك في أوقاتنا ويجعلها مفيدةً في طاعته.
أما بعد، فإليك أيها القارئ العزيز بعض الأمثلة التي تُوضّح الفرق بين "الساعات الحيوانية" و"الساعات الإنسانية"، والتي يمكننا استخدامها كموعظة لأولادنا لتعليمهم احترام الوقت واستثماره فيما ينفع:
أولًا: الساعات الحيوانية (التي يشترك فيها الإنسان مع الحيوان في الغالب)
1. الأكل بشراهة دون حاجة – مثل قضاء ساعات طويلة في تناول الطعام أو الإسراف فيه دون ذكر لله أو شكر على نعمته.
2. النوم الزائد عن الحاجة– كمن ينام ساعاتٍ طويلةً دون فائدة، بينما كان يمكنه أن يستيقظ لطلب العلم أو الصلاة أو البرّ.
3. اللهو غير المفيد– مثل إضاعة الوقت في اللعب أو الترفيه الزائد دون فائدة، أو متابعة ما لا ينفع من وسائل التسلية.
4. الثرثرة والكلام الفارغ – كقضاء الساعات في الغيبة والنميمة أو الكلام الذي لا خير فيه.
5. الانتظار دون فائدة – مثل الجلوس ساعاتٍ طويلةً أمام الشاشات أو في الطرقات دون استغلال الوقت في ذكر الله أو القراءة المفيدة.
ثانيًا: الساعات الإنسانية (التي تميز الإنسان العاقل وتُعلي شأنه)
1. طلب العلم – مثل قضاء ساعةٍ في قراءة كتاب نافع، أو حضور درس علم، أو تعلم مهارة مفيدة.
2. التفكُّر في خلق الله – كالجلوس في الطبيعة والتأمل في عظمة الخالق، أو قراءة آيات القرآن بتدبُّر.
3. بر الوالدين ومساعدة الآخرين – مثل تخصيص وقت لزيارة الأقارب، أو مساعدة المحتاجين، أو تعليم الصغار ما ينفعهم.
4. العبادة والذكر – كصلاة النوافل، وقراءة الأذكار، والدعاء، لا سيما الصحيفة السجادة، ورسالة الحقوق، وقيام الليل.
5. العمل الجاد والنافع – مثل التخطيط لمستقبل أفضل، أو تعلم حرفة، أو الإبداع في عملٍ يفيد المجتمع.
موعظة لأولادنا:
"حان الوقت لنقول لهم ان الوقت كالسيف إن لم تقطعه سوف يقطعكم، فاحرصوا أن تكون ساعاتكم إنسانيةً لا حيوانيةً. وتذكَّروا أن الحيوان يأكل وينام ويلهو، ولكن الله ميّزكم بالعقل والعلم والعمل الصالح. فاجعلوا وقتكم جسرًا إلى الجنة، ولا تكونوا ممن يندمون يوم القيامة على الوقت الضائع، كما قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99-100]."
الخاتمة
بعد هذا التحليل لوظيفة الوقت في حياة الإنسان وتمييز الساعات الإنسانية عن الحيوانية، يمكن استخلاص النتائج والتوصيات التالية:
أولاً: أهم النتائج:
1. تبين أن هناك فرقاً جوهرياً بين استثمار الوقت بشكل إنساني (عقلي/قيمي) واستهلاكه بشكل حيواني (غريزي).
2. أظهر التحليل أن زيادة نسبة الساعات الحيوانية تؤدي إلى تدهور القيمة الإنسانية للفرد وإنتاجيته.
3. ثبت أن التربية الأسرية تلعب دوراً محورياً في تشكيل الوعي الزمني منذ الصغر.
4. بينت الدراسة أن الإسلام قد سبق في التأكيد على قيمة الوقت كرأس مال الإنسان.
ثانياً: أهم التوصيات:
1. ضرورة وضع برامج توعوية لأفراد الأسرة لترشيد الاستخدام الزمني.
2. أهمية إدراج مفاهيم إدارة الوقت في المناهج التربوية.
3. تطوير أدوات عملية لقياس وتقييم أنماط استثمار الوقت.
4. تشجيع المؤسسات المجتمعية على تبني مبادرات لنشر الثقافة الزمنية.
5. الاستفادة من النماذج الإسلامية في ترتيب الأولويات الزمنية.
وفي الختام، فإن إعادة اكتشاف الوقت كأمانة إلهية ومورد استراتيجي هو المدخل الحقيقي لتحقيق التميز الإنساني.
أسأل الله أن يهدي أولادنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجعل أوقاتنا عامرةً بالطاعة والعمل الصالح.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat