انعكاسات تزامن قمتي (بغداد & الرياض) على مفهوم السيادة
محمد عبد النبي التميمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد عبد النبي التميمي

ارجو ان يكون واضحا ان اللغة التي نكتب بها هذه الأسطر ليست من لغة الصحافة بقدر ما تنتمي إلى لغة الفكر و عبر استنطاقنا للمجريات ..
ان التغيير في ٢٠٠٣ لم يكن ليحدث لولا النتائج الحتمية لشكل و طبيعة الظلم الواقع في العراق من جهة و الرؤية التي يحملها مشروع القوات الغازية تجاه تغيير مفهوم الدولة و سيادتها من جهة اخرى ، يؤكد ذلك مجريات الربيع العربي ابتداءً من تونس و انتهاءً بسوريا ؛ ذلك اننا اصبحنا امام طور جديد و غير مسبوق في فهم و تطبيق مفهوم سيادة الدولة و هو مما لم يخطر في بال الكثير من رجالات الدولة في العراق ؛ حتى المعسكر الغربي و بقيادة الولايات المتحدة الأميركية كانوا حذرين و مصابين بالحيرة من توصيفاتهم للمجريات على الرغم من العمل بفكرة التقادم كونهم اصحاب اليد الطولى - القوة - و من مصاديق ذلك ما حدث من تذبذب في تسمية الحرب على العراق حيث اطلق عليها تسمية (العدالة المطلقة) ثم تم تغييرها إلى (الهول و الصدمة) و تحت مدعى (تحرير العراق) ، و هو امرٌ لابدّ لنا من التأمل فيه و في المجريات التي تلته في بواكير الغزو ..
و اذ أصبح العراق في بوتقة التفاعلات لولادة اسلوب جديد من الإدارة سياسيا و اقتصاديا و بهدف تعميمه في المنطقة بناءً على الرؤية الأميركية المدعومة باعتى قوة عرفتها البشرية فقد تم تعريف السياسة و تناولها بفن الممكن ، و البناء عليه دون غيره من التعريفات فضلا عن اشاعة تناول مصطلح (المصلحة) و شيوعه ، بالتالي فإن ما نعيشه اليوم ليس إلا نتاج ذلك ..
عموما فإننا اليوم امام مفهوم جديد لإدارة الدولة محكوم من قبل الشركات ؛ و بسبيل ذلك نجد ضرورة الحديث عن بعض المجريات ..
في سؤال لموفد شبكة CNN إلى مكتب سماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني (دام ظله) عن توصيف القوات الأميركية و وجودها في العراق و لمّا يتشكل مجلس الحكم بعد ، بل و قبل صدور فتوى الدستور جاء الجواب انها (قوات احتلال) ، تلا ذلك إعطائها تسمية (القوات متعددة الجنسية) في مجلس الأمن و المحافل الدولية ..
و اذا ما دمجنا مصطلحي (متعددة الجنسيات) و (إدارة الدولة) و هو المصطلح الذي استخدمه (برايمر) في وضع القانون الأساسي للمرحلة الانتقالية و الذي ابدى سماحة المرجع الاعلى (دام ظله) تحفظه عليه ؛ فاننا امام تغيير لمفهوم ادارة الدولة يؤكد ذلك ما جرى و ما يجري ، و قد نكون اليوم أمام صورة اكثر وضوحاً ، فما بين قمتي (بغداد & الرياض) ما ينذر بولادة تحالفات تُبنى على اساس الخوف لا لتحقيق حلم ما ؛ كي تعمل تلك التحالفات فيما بعد على ادارة الدول وفق منطق السوق لا التاريخ و السيادة ..
بالتالي فنحن امام سلطة (ادارة الشركات متعددة الجنسيات) و هو ما يعني ان هناك تداخلات و تذبذبات قد تؤدي بالنتيجة الى تغير في فهم معطيات سيادة الدولة و انهيار ما نعرفه و نطبقه بسبيلها ..
ان الحكومات المتعاقبة في العراق بعد دستور عام ٢٠٠٥ لم تكن إلا حقل تجارب بين شد و جذب لتأكيد مفهوم سيادة الدولة من جهة و العمل على إسقاطها لاحلال المفهوم الجديد بديلا عنها من جهة اخرى ..
و اذا شكلت قمة الرياض نموذجا للتحالفات الجديدة فهل ستكون مخرجات قمة بغداد تاكيدا على مفهوم السيادة ام توثيقا لحقبة كان للعراق و العراقين فيها الكعب الاعلى لتأكيد و تثبيت مفهوم السيادة ..
انه و من الأهمية بمكان أن لا يغيب عنا بان الوجود السياسي لا يتعلق بمسك السلطة و فقط ؛ و إنما صناعتها و التاثير فيها و هو ما يعني ان المجموعة السياسية تختلف عن المجموعة الحاكمة فالاخيرة مما يتغير بخلاف الاولى ..
و قد اخبرتنا المجريات بان الولايات المتحدة الاميركية بقضها و قضيضها معضدة بالفقه القانوني الوضعي قد عجزت بالنتيجة - سواء كانت راغبة ام لا - و لم تتمكن من إقامة حكومة في العراق بعد ٢٠٠٣ إلا باختيار الحاكم وفقا لتسلسل الحروف الأبجدية - تجربة مجلس الحكم - في محاولة لسد الفراغ الدستوري و السياسي بهدف إدخال و ارساء فكرة (اللعبة الديقراطية) في الشأن السياسي العراقي و قد عضدت ذلك بقانون إدارة الدولة في محاولة للالتفاف على فتوى الدستور التي اطلقتها المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف سدا لذلك الفراغ مستثمرة الضغط الشعبي المقاوم حينها لصالح العراقيين كل العراقيين فضلا عن اشتراطها كتابة الدستور وفقا لارقى طرق كتابة الدساتير و على ان يكتب بأفكار و أقلام عراقية ، و اذ تحقق للعراقيين ذلك حيث تم انتخاب جمعية تاسيسية قامت بكتابة الدستور تلا ذلك عرضه للاستفتاء فكانت طريقة و آلية كتابته وفقا لارقى ما توصل اليه الفقه القانوني الوضعي و لاول مرة ؛ و هو امر له ما بعده اذ منح شرف تطبيق هذه الطريقة و انزالها للواقع الى العراقيين مما جعل الفقه القانوني الغربي بمازق في حال الفشل و هو ما فرض على قوات الاحتلال العمل على تنجيز ذلك و مراعاة حمايته خوفا من الفشل و من حيث يشاء او لا يشاء ..
ختاما ليس لي إلا التاكيد على اعادة تعريف السياسة على أنها فعلٌ للعقل عبر التاريخ و ليست فنا للممكن و ان وجود الجماعة السياسية و بما قدمته من شهداء ليست غائبة عن المشهد و لن تغيب عنه بعد ان امتزجت دماؤها بجذور نخيله مع ترابه و تاريخه فهي ليست طارئة كما يحلو للبعض تسويقه .
اللهم عجل لوليك الفرج
تحياتي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat