صفحة الكاتب : محمد النصراوي

العراقيون ينتخبون.. ثم ماذا؟
محمد النصراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في كل دورةٍ انتخابية، تُعلق الآمال، وتُرفع الشعارات، وتُضخ المليارات في الحملات، تكتظ الشوارع باللافتات، وتحتدم الحوارات في المقاهي والمجالس والفضائيات، ويُطل الساسة بوعودهم المعتادة: سأفعل وسأُنجز، لكن ما إن تُقفل صناديق الاقتراع وتُعلَن النتائج، حتى يعود السؤال الأهم ليتصدر أحاديث العراقيين: "وماذا بعد؟"

لقد باتت الانتخابات في العراق، رغم رمزيتها الديمقراطية، لدى شريحة واسعة من المواطنين، أشبه بمحطةٍ دوريةٍ تُعيد تدوير ذات الوجوه، وتُعزز نفوذ ذات القوى، دون أن تُحدث التغيير الجوهري الذي ينتظره الناس، تتبدل القوانين، وتُعاد صياغة الدوائر، لكن الوجع يبقى ذاته: بطالة، فقر، خدمات متدهورة، وغياب الثقة بالدولة.

هل هي أزمة ثقةٍ أم انسدادٌ سياسي؟

الكثير من العراقيين يشعرون أن العملية الانتخابية لم تعد تعني لهم الكثير، لا بسبب جهلٍ أو ضعف وعي، بل لأن تجاربهم الطويلة مع الوعود التي تبخرت بعد الفوز، جعلتهم يفقدون الحماسة، أحزابٌ كبرى تحدثت عن "السيادة" و"العدالة" و"مكافحة الفساد"، لكنها حين وصلت إلى قبة البرلمان انشغلت بالصراعات وتقاسم الحصص.

نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة لم تتجاوز 41%، بحسب المفوضية، وهو رقمٌ صادم، يعكس أزمة ثقةٍ كبيرة، هنا لا بد من طرح السؤال المؤجل دائماً: هل تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية هذا الواقع؟

في الحقيقة، جزءٌ من الإخفاقات الحكومية كان نتيجةً لموقف المواطن نفسه، حين قرر المقاطعة وترك الميدان فارغاً، ففتح الطريق لأولئك الذين ينتقدهم اليوم، وجزءٌ آخر يعود إلى من شارك في التصويت، لكنه لم يتحر النزيه والكفوء، بل اختار على أساسٍ طائفيٍ أو عشائريٍ أو مصلحةٍ آنية، الديمقراطية لا تنجح فقط بوجود الصناديق، بل بوعي الناخب أيضاً.

الفوز.. بداية أزمة أم فرصة للتغيير؟

صحيحٌ أن تشكيل الحكومات في العراق غالباً ما يتحول إلى صفقاتٍ مغلقة، تخضع لمنطق التوافق والمحاصصة، ما يُفرغ مبدأ "الفائز الأكبر" من محتواه، ويحول البرلمان إلى غرفة مغلقة تُدار فيها التسويات لا السياسات، لكن الصورة ليست سوداء بالكامل.

ففي السنوات الأخيرة، برزت أصواتٌ جديدة، مستقلة، تحمل رؤيةً، وشجاعة، وتحاول أن تكسر النمط التقليدي في الأداء السياسي، بعضها نجح في الوصول، وبعضها ما زال في طور التكوين، هذه التجارب، وإن لم تغير المشهد كلياً بعد، إلا أنها تؤسس لوعيٍ سياسيٍ مختلف، وتبعث إشارات أملٍ بأن التغيير ممكن، إن ترافق مع دعمٍ شعبيٍ حقيقي، وخطابٍ ناضج، وممارسةٍ مدنيةٍ مستمرة.

الشباب والاحتجاج.. هل من خيارٍ ثالث؟

الغضب الشعبي المتصاعد، خصوصاً بين فئة الشباب، مشروعٌ ومفهوم، وهو تعبير عن رفضٍ واضحٍ للمسار السياسي الحالي، لكن الاكتفاء بالمقاطعة لا يغير شيئاً، بل يمنح القوى التقليدية فرصةً للاستمرار دون رقيب، التغيير لا يكون فقط بالإعتراض، بل بالانخراط الذكي، وصناعة البدائل، والتنظيم، والتأثير من داخل النظام وخارجه.

المطلوب اليوم ليس فقط أن ننتقد، بل أن نُشارك ونحاسب، ونرتقي بخياراتنا، وندعم الكفوء والنزيه، لا أن ننتظره دون أن نمنحه الصوت والفرصة.

ختاماً..

قد لا تكون الانتخابات معجزة، لكنها إن وُضعت على السكة الصحيحة، وشارك فيها الناخب بوعيٍ لا بردة فعل، فإنها قادرةٌ على أن تكون بوابةً لواقعٍ أفضل، لا مجرد واجهةٍ لنظامٍ مأزوم، إن طريق الإصلاح طويل، لكنه يبدأ من صندوق الاقتراع، ومن اختيارٍ مسؤول، لا من مقاطعةٍ صامتة، أو تصويتٍ عشوائي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد النصراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/13



كتابة تعليق لموضوع : العراقيون ينتخبون.. ثم ماذا؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net