صفحة الكاتب : رياض سعد

طفولة تحت الأنقاض.. جراح الطفولة تُلقي بظلالها على مراحل العمر
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا تقتصر تبعات البيئة العدائية على لحظاتها العابرة، بل تُخَلِّفُ ندوبًا عميقةً في نفسية الطفل، تُرافقه كظلٍّ قاتمٍ عبر مسيرة حياته... ؛ فالصغير الذي يُحاصَر بالعنف اللفظي أو الجسدي، أو يُستَهزَأ به داخل جدران المنزل، أو يُنحَّى جانبًا في فضاء المدرسة، أو تنْتَهك حرمة جسده في الشارع... ؛ والذي ينشأ في بيئةٍ مشحونةٍ بالسموم النفسية والطاقات السلبية ... ؛ تَستنزف طفولته وتُحوِّلها إلى سجنٍ من الخوف والقلق والاضطراب... ؛ فكل صفعةٍ أو إهانةٍ أو نظرة ازدراءٍ او لفظة جارحة تُشكِّل لَبِنَةً في جدارٍ عالٍ من الكبت، يَختلط خلفه الحزنُ بالقهر، فيفقد الطفلُ إحساسَه بالأمان والطمأنينة، ويتحوّل عالمه إلى مسرحٍ للترقّب الدائم من مجهولٍ مُخيف.

لا تقتصر الآثار على مرحلة الطفولة وحدها، بل تَمتدُّ كشجرةٍ مسمومةٍ لتُثمر اضطراباتٍ نفسيةً وعقد مُزمنةً في مراحل العمر التالية... ؛ فما يُزرع في الصغر من خوفٍ من التواصل الاجتماعي يُنبتُ في الكِبَر رهابًا من المواقف اليومية، حتى البسيطة منها.

وتلك العصبيةُ التي تَندلق كالحمم من أعماقه ليست سوى صرخةٍ صامتةٍ لجروح الماضي ... ؛ تبحث عن متنفَّسٍ لِما كُتِمَ سنواتٍ... ؛ فالتوتر الذي يلاحقه لأتفه الأسباب، والقلق الدائم من نظرات الآخرين ومن مسؤوليات الحياة ، ما هما إلا صدى لصوتٍ داخليٍّ يَهمس: "أنت ضعيف.. ؛ انت مستهدف .. ؛ أنت غير مرغوبٍ بك".

الأخطر أن هذه الجروح النازفةَ قد تدفع البعضَ إلى تبني سلوكياتٍ عدوانيةٍ كدرعٍ واقٍ، أو الانطواء على الذات كملاذٍ آمن، فيَسقطون ضحايا لِما يُسمّى "دورة العنف"؛ حيث يتحوّل المظلومُ إلى ظالمٍ والطيب الى خبيث والمسالم الى عدواني فيما بعد ، أو يَغرق في بحر الاكتئاب والعزلة والوحدة ... ؛ فالعنفُ – بكل أشكاله – لا يَقتل براءة الطفولة فحسب، بل يسرق من الإنسان مستقبلَه الإنساني، ويُحوِّله إلى كائنٍ مشوّهِ المشاعر، عاجزٍ عن الثقة حتى بمن يُحاول مدَّ يد العون له.

فكما أن الشجرةَ تحتاج إلى تربةٍ خصبةٍ كي تُزهِر، تحتاج الطفولةُ إلى دفءِ القلوب وحكمةِ التربية كي تنمو... ؛ فحماية الأبناء من العواصف النفسية ليست ترفًا، بل مسؤوليةٌ مجتمعيةٌ تُجنّب الأجيالَ ويلاتٍ تُهدّد كيان المواطن قبل كيان الوطن.

ومن خلال ما تقدم تعرف حقيقة مخططات الاعداء واصرار العملاء على تدمير وتلويث عالم الطفولة والاساءة اليها بشتى الطرق الملتوية , فقتل الطفولة يؤدي الى قتل روح المواطنة فيما بعد , مما ينعكس سلبا على الوطن .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/12


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • تحليل ظاهرة "الزَّعْل" في المجتمع العراقي: جذورها، تجلياتها، وآليات التعاطي معها  (المقالات)

    • خور عبد الله قضية الامة والاغلبية العراقية , وليست لعبة بأيدي النخب والاحزاب والشخصيات السياسية  (المقالات)

    • لقاء العيون في زمن متشظٍّ : سردية سريالية للالتقاء العابر والافتراق الدائم  (المقالات)

    • الإمام عليّ وصراع الوعي في ضمير العراقيين  (المقالات)

    • التنكر للطائفية : إشكالية الإنكار وتضليل الممارسات الطائفية  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : طفولة تحت الأنقاض.. جراح الطفولة تُلقي بظلالها على مراحل العمر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net