الروح السياسة في الدين، عمامة الشيخ أحمد النراقي شاهدا
د . تقى محمود السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . تقى محمود السعدي

نبحث في سيرة العلماء لنتعرف على أهم مزاياهم الكريمة ونتأمل في مواقفهم الاجتماعية والسياسية ومتابعتهم لجميع قضايا الأمة الفكرية والسياسية ليكون الحضور فاعلا.
سماحة الشيخ أحمد النراقي والملقب بالفاضل النراقي، ابن المولى محمد مهدي النراقي، من علماء القرن الثالث عشر الهجري ولد في قرية نراق في كاشان، وكان أديباً وشاعراً، درس الفقه، والأصول، والكلام، والفلسفة عند والده ورحل إلى العراق لغرض الزيارة ومواصلة الدراسة الحوزوية في حوزة النجف الأشرف، وواصل دروسه في كربلاء وعاد إلى كاشان، وتصدّى للمرجعية بعد وفاة والده سنة 1209 هـ.
نعود إلى مرتكزات السيرة العلمية ومواقفه التي حققت له هذا الحضور الإنساني، كان الشيخ النراقي يتقن اللغة العربية، وبعض اللغات الأخرى، وله اطلاع في مختلف العلوم مما جعله يكتب فيها، له كتاب رد فيه على الشبهات التي أثارها الفادري النصراني (هنري مارتين)، على الإسلام وقد سماه (سيف الأمة وبرهان الملة)، حيث نقل فيه من الكتب السماوية بنفس ألفاظها، ثم ترجمها إلى اللغة الفارسية.
وأما المواقف السياسية فهي مواقف خالدة سجلها له التأريخ، كانت حقبة حكم القاجاريين، خاصة فترة حكم فتح علي شاه القاجاري واحدة من أكثر الفترات حساسية وأكثرها إثارة في التاريخ الإيراني، منها وقوع حربين كبيرتين بين إيران وروسيا في عامي (1222 و1241 هـ) أدت بالنهاية إلى توقيع اتفاقيتين، هما:
”اتفاقية گلستان“ و” تركمان چاي“. ذكر مؤلف كتاب (التاريخ السياسي والدبلوماسي الإيراني):
”ارتفعت حدة الغليان الشعبي ضد الروس إلى أعلى درجة تذكر، فقد دعا أبناء الشعب والعلماء وأغلب المسؤولين إلى إعلان الحرب ضد الحكومة الروسية، وفي 5 ذي الحجة سنة 1241 هـ دخل السيد محمد المجاهد ومعه مائة من العلماء، السلطانية، وقامت مجموعة أخرى من الأهالي بزعامة العالم النراقي بالتوجه إلى فتح علي شاه وتظاهروا أمامه“، وقد أصدر هؤلاء المجتهدين فتوى جماعية، جاء فيها أن من يتقاعس عن جهاد الروس يعد كمن عصى الله وتبع الشيطان، وإثر المواعظ والخطابات الحماسية التي أطلقها العلماء الحاضرون في المخيمات وميدان الحرب، استعاد الإيرانيون جميع المناطق والمدن التي خسروها في حربهم الأولى مع الروس.
مثل هذا التفاعل الإنساني لرجل الحوزة لا بد أن يخلد عند العلماء ويبين وبفصلٍ كي يكون دليلا وراشدا إلى العمل القويم.
ذكره السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة حيث قال:
"كان عالماً فاضلاً جامعاً لأكثر العلوم، لاسيما الأصول والفقه والرياضيات، شاعراً بليغاً"، كتب عنه الشيخ محمد رضا المظفر في مقدمة كتاب جامع السعادات:
"هو صاحب (مستند الشيعة) المشهور في الفقه، وصاحب التأليفات الثمينة، وكفاه فخراً أنّه كان أحد أساتذة الشيخ العظيم المولى مرتضى الأنصاري".
عرفه الشيخ أقا بزرك الطهراني في كتابه طبقات أعلام الشيعة:
"عالم كبير وفقيه بارع ومصنف جليل، ولامع متبحر ورئيس مطاع، وذكره الكثير من العلماء ورجال الثقافة"
من أهم مميزات الإنسان الشيعي أنه يثق بعلماء أمته بتاريخهم بمنجزاتهم العلمية مكانتهم الروحية التي تصل لحد المعجزات، المعروف أنه توفى في قريته قرية نراق في كاشان أثر الوباء الذي اجتاح تلك المناطق، كان قد أوصى أن يدفن في النجف الأشرف بجوار قبر أبيه في صحن الإمام علي عليه السلام.
علينا أن نعرف أولا المسافة التي سينقل أثرها الجثمان وثانيا الإجراءات لم تكن ممكنة من حيث الطريق وأساليب المحافظة على الجثامين في هذا الزمن، يحدثنا صاحب كتاب روضات الجنات، أن الجثمان بقى بعد هذا السفر في أحدى المنازل، والقراء حوله مشغلون بتلاوة القرآن جلسوا حوله، يصف أحد تلاميذه، كنت خائفاً عليها من الفساد والرائحة لشدة حرارة الجو، فلما جلست عنده لم أجد منه إلا الرائحة الطيبة تشبه رائحة المسك، بل لم يوجد في بدنه أي تغير أصلاً إلى أن دفن في صحن الإمام علي عليه السلام.
وربما لو تمحص الإنسان في الأمور العقلية سيجد هذه الحالة وحدها تشكل المعجزة، ومن الكرامات التي سجلها له التأريخ بعد وفاته، وتشهد له امة من الناس والقضية معروفة ومعلومة نقلها لنا السيد محمد كلانتر، عملت الحكومة العراقية على عمارة أسس الرواق المُطهّر ــ لحضرة أمير المؤمنين عليه السلام ــ بعد أن تضعضعت وأشرفت على الخراب، فحفروها شيئاً فشيئاً وبنوها بالحديد والإسمنت والطابوق, إلى أن وصل البناء قرب مدفن المولى أحمد النراقي ووالده المولى محمد مهدي النراقي، فحفروه وإذا بجثتين رطبتين وجدتا تحت الصخرة التي فوقهما وعليهما اسميهما، كأنهما ماتا من يومهما وأُقبرا من ساعتهما، ولم يبد عليهما أيُ تغير وتفسخ“.
وهذه من علامات رحمة الله وترجمة لقوله عليه السلام فزنا وفازت شيعتنا، عليك السلام سيدي أمير المؤمنين وقدس الله سر العلماء ورحم أموات المسلمين، جنة ورضوان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat