صفحة الكاتب : ساره صالح

رسالة لم تكتمل 
ساره صالح

 في صفحات التاريخ الحسيني، تقف رسالة مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين عليه السلام كشهادة مكتوبة بصدق النية ونقاء الولاء، لكنها أيضًا تحمل في طياتها ملامح مأساة بدأت ملامحها تتشكل بصمت.

حين تكدّست رسائل أهل الكوفة على الإمام الحسين عليه السلام، تتوسله القدوم وتعده بالنصرة والبيعة، لم يكن الإمام ليتخذ قراره على عجل، بل أرسل من يثق به، ابن عمه وسفيره الأمين، مسلم بن عقيل، ليستطلع الأوضاع عن كثب.

وصل مسلم إلى الكوفة متخفيًا، واستُقبِل بحفاوة ظاهرة من أهلها، ونزل في دار الصحابي هانئ بن عروة المرادي، فبدأت البيعات تُقدّم له سرًا وجهرًا، وازدادت أعداد المبايعين حتى بلغت قرابة ثمانية عشر ألفًا أؤ خمسة وعشرين ألفا، بحسب ما تنقله الروايات. كتاب الشهيد مسلم ابن عقيل ص٧٧-ص٩١.

لم يكن مسلم يبحث عن أرقام، بل عن صدق القلوب، فلما رأى ما بدا له من الإخلاص والالتفاف، كتب إلى الإمام الحسين عليه السلام:

“أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفًا، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي، فإن الناس كلهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. والسلام.”  معالم المدرستين -السيد مرتضى العسكري-ج٣-ص-٥٣.

هذه الرسالة، التي دوّنت بمداد الأمل، كانت دعوة مفتوحة لبدء الرحلة نحو العراق، حيث كان الحسين عليه السلام ينتظر إشارة تثبت صدق الدعوات التي وصلته.

لكن ما لم يكن مسلم يعرفه آنذاك، هو أن الكوفة ستتبدل قبل أن تصل قدما الحسين إلى مشارفها.
إذ أرسل يزيد عبيد الله بن زياد والياً على الكوفة، فشرع باستخدام سلاح الخوف والتهديد والاعتقال، حتى تفرّق الناس عن مسلم كما تتناثر أوراق الخريف، وبقي وحيدًا، لا ناصر له.

اعتُقل مسلم بعد معركة شجاعة غير متكافئة، وأُخذ إلى قصر الإمارة، فطلب أن يُكتب له كتابٌ إلى الحسين عليه السلام، يحذّره فيه من القدوم، لكن الرسالة الأولى كانت قد سبقت، والحسين عليه السلام كان قد بدأ مسيره نحو كربلاء، استجابةً لذلك النداء الذي كُتب بيد الصدق، وخُذل بخذلان الناس.

وبين الحقيقة والمأساة رسالة مسلم لم تكن كاذبة، بل كانت انعكاسًا لما رآه حينها من لهفة الناس، لكنها تكشف عن طبيعة التحوّل في المجتمعات الهشة أمام البطش 
وفي النهاية، لم تكن رسالة ابن عقيل  مجرّد تقرير سياسي، بل كانت صوتًا من أصوات الولاء، تم تسجيله في دفتر السماء، ليُقرأ كل عام، ويذكّرنا أن الطريق إلى كربلاء كان معبّدًا بالنيات الصادقة، والقلوب الخائفة، والدماء الطاهرة وعلى الأمة أن تتعلّم من خذلان مسلم، وكيف لا تكرّر خيانتها للحق حين يُنادى
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ساره صالح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/03



كتابة تعليق لموضوع : رسالة لم تكتمل 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net