(كربلاء هي كربلاء) (زفة كربلائية)
اسعد عبد الرزاق هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسعد عبد الرزاق هاني

كل يوم يمر يثبت لي أن علاقتي بالأستاذ عبد الرزاق الحكيم لم تكن علاقة عابرة، هو رجل ودود على سجيته، يحمل الفرح في طريقة استقباله للناس، فاجأني حين عانقني مهنئا بنجاح ابني الذي نسيته أنا، فهو مازال في المرحلة الابتدائية، سالت حينها عن ذكريات طفولته، عن النجاح؟ فأجابني
بل الفرحة الأكبر عند أهل كربلاء كانت هي ختمة القران، وكانت تسمى (الزفة).
تحول الموضوع الخاص إلى موضوع كربلائي عام، حدثني عن عوالم الكتاتيب ومراسيم التخرج وزفة الختمة.
قال: -سأحدثك عن بعض الأمور التي تعلقت بذاكرتي مثل (المشق) قلت:
-الذي أعرفه أن المشق هو خروج مواكب التطبير الحسينية، قبل أذان الفجر استعراض المواكب يسمى (المشق) ابتسم لي وقال المشق هو الإملاء والخط، دراسة الكتاتيب كانت أكاديمية بحتة، عندنا في كربلاء كنا ننتشر على شكل حلقات يقف أمامنا الشيخ أو مساعده (الخلفة) وهو أكبر منا سنا، يشرف الشيخ على الامتحان اليومي وطريقة التعليم كانت بأحرف الهجاء (أبجد هوز) وفي المشق يكتب الشيخ أحرفا ونكتب خلفه لتقوية الخط، كنا نكتب السطر 40 مرة، كانت هذه المواضيع تسعدني كثيرا واتذكرها دائما كلما أقرأ عن كربلاء أتأمل في تلك الأساليب الدراسية البسيطة والتي أعدت للمجتمع أساتذة وعلماء رغم بساطة تلك المدارس.
سألته عن أدوات الكتابة ابتسم لحظتها وقال كانت السبورة عبارة عن صحيفة نحاسية يكتب عليها بالحبر الأسود، وهناك (برمة) ضحكت مستغربا وما تعني البرمة؟
أجاب البرمة إناء من خزف تغسل فيه الكتابة، وحين يخطئ الطالب يمسح السبورة بلسانه لذلك تجد معظم الطلاب السنتهم سوداء من تأثير الحبر، قلت هذا يعني أن الدراسة كانت صعبة، والقانون كان منضبطا والطالب يبقى مرتبطا بالكتاتيب، ابتسم لي وقال:
- و(الطمغة) كان لكل شيخ طمغة يختم بها أرجل التلاميذ خاصة أيام الخميس وفي الصيف يعاينها يوم السبت، سألته لماذا يفعل الشيخ ويختم أقدام التلاميذ؟ أجابني:
ـ ليتأكد من عدم ذهابهم إلى النهر والسباحة، والذي يستحم في بيته يأخذ تذكرة من ولي أمره، وإذا تبللت دون تذكرة فالفلقة بالانتظار، وفي المرحلة الثانية كانت مرحلة ختم القران الكريم، قلت:
- عدنا إلى موضوع الزفة هذا يعني أن مدرسة الكتاتيب كانت تختص في القران، والعوائل تهتم بحفظ أولادها القران الكريم، قال لي الأستاذ وكأنه تذكر قضية مهمة وهي مسالة الأجرة:
- لم يكن هناك تحديد لأجر معين يتم التعامل عليه، كانت الأجرة طوعية مقابل تعليمه كونها هدية تقدم للشيخ، وكل طالب حسب مقدرة أهله المالية، هناك من يعطي بـ (القمري) وهناك من يعطي (بيشلغ) الدرهم، كنت أصغي للأستاذ وأنا أعيش تلك التفاصيل وأرى هذه العوالم تتحرك أمامي، رحت أسال عن تلك المدارس (الكتاتيب) قال:
- الأولاد يدرسون عند الكتاتيب، أما البنات فهناك معلمات (الملا) تكون المرحلة الدراسية للختمة القرآنية سته أشهر، كان في العتبة الحسينية عدد من الشيوخ، الشيخ حميد الكعبي، الشيخ حسن كوسه، السيد صادق نشاه، الشيخ علي أكبر النائيني، الشيخ علي العاملي، والشيخ حسن القصير، والسيد محمد رضا الاستربادي، ومجموعة أخرى من الشيوخ، أما في العتبة العباسية كان أبرز الكتاب الشيخ علي أبو (كفانة) والشيخ محمد مهدي الحائري، والشيخ عبد الكريم الكربلائي محفوظ، والشيخ علي، وهناك في سوق الصفارين وفي مسجد العطار في شير فضه كان يعلم السيد مهدي الحكيم، وفي مسجد الكرامة باب السلامة الشيخ علي الحر، قلت مبتسما:
- ما شاء الله عليك أستاذ ذاكرة متوقدة ولله الحمد، قال هناك عشت حياتي وأغلب الشيوخ أعرفهم معرفة شخصية، واليوم أعرف أولادهم وأحفادهم، قلت:
- لكنك لم تحدثني عن حفل التخرج (الختمة) بعد، أجابني:
ـ يحمل التلاميذ الكبار (لالات) الفوانيس والصناع يحملون الشموع والبخور والحرمل في الصواني، الطفل المتخرج يرتدي عقالا مقصبا وشماغا أبيض وعباءة ذات (كيلوبدون) تبدأ المسيرة من باب بيت المتخرج خاتم القران يهتفون بأهازيج حلوة، يتقدم الشيخ حمال يرفع (الحجلة) يعني الصينية يوضع عليها ورد الياس وشموع ويرددون
(والشمس وضحاها... هاها
والقمر إذا تلاها... هاها)
وكثير من الأهازيج الأخرى يزورون الحسين عليه السلام ثم صحن العباس سلام الله عليه ويعودون إلى البيت الذي انطلقوا منه حيث عائلة التلميذ وأهازيج حلوة بألحان شجية، يردد قبل انتهاء الزفة الشيخ
(شيخه تعبا... ذاق النصبا
يرجو الذهبا... في تعبته)
يقدم للشيخ مبلغا من النقود وهدية التخرج وقطعة قماش و(كله قند) يعني سكر صلب بشكل مخروط، وللطلاب وجبة عشاء.
قلت للأستاذ عبد الرزاق الحكيم لقد متعتني بكربلاء وعيشتني أجواء الفرح الكربلائي.. فشكرا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat