الطاغية هو الحاكم المطلق غير مقيد بالقانون وهو من اغتصب السلطة العليا الشرعية، يوصف بأنه متوحش يدافع عن منصبه بوسائل قمعية، وفي الوصف الإسلامي هو كل ذي طغيان على الله سبحانه وتعالى، وكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة والإنسان لا يصبح مؤمنا بالله إلا حينما يكفر بالطاغوت.
ويرى الكاتب المصري المرحوم (إمام عبد الفتاح) يعتبر الطاغية هو رجل يصل إلى الحكم بطريقة غير مشروعة، لم يكن حقيقة أن يحكم لو سارت الأمور سيرا طبيعيا، ولهذا يتحكم بأمور الناس بإرادته وكما يحلو له ويحاكمهم بهواه.
اقترن اسم يزيد بأعظم جريمة ارتكبت في تاريخ المسلمين، وهي قتل الحسين عليه السلام، ولذلك فإن الكثير من كتب التاريخ والسير والتراث يؤكدون على أن تولي يزيد بن معاوية لمقاليد الخلافة يعتبر لعنة من لعنات الزمن وانحرافا واضح النهج ضد الإسلام، أنا لست المقارنة بين الرمزين المتضادين، رمز الشر يزيد بما يملك من أذى وشرور، و بين رمز الخير الحسين عليه السلام وإحسانه، الحسين عليه السلام أكبر من سبل المقارنة، لكني مع إنصاف النهضة الثورية ساعيا لاستنهاض قيم الخير، يلمح لنا ابن خلدون أن شخصية يزيد كانت أكبر شعبية من شخصية الحسين عليه السلام وجماهيريته، وإن نبقى نتعامل بهذا المنطق الهزيل مع الثورة ظلمنا أنفسنا وظلمنا الثورة الحسينية، وهذا يعني أن القوم ما زالوا لا يدركون جوهر الثورة المعطاءة، سأعطي مثالا يقول الكاتب الاسكتلندي (توماس كارلايل) علمتني ثورة كربلاء معنى الإيمان بالله سبحانه، وهذا يعني أنه أثقف من ابن خلدون بنظرته نحو جوهر الثورات، وأكثر إيمانا واوسع فكرا، كون ابن خلدون ركز على فارق القدرة العسكرية، وهذا الفيلسوف ركز على شيء أهم، ركز على ارتباطات النهضة الحسينية للإمام بالله سبحانه، وكتب عن أسمى درس تعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمانا راسخا بالله سبحانه وتعالى، وأعجب أن يأتي اليوم من يؤيد ابن خلدون، ويكرر نفس الأسباب في زمن ظهرت فيه النتائج وانتصر الحسين عليه السلام، رغم قلة الفئة التي كانت معه.
هناك من المتعصبين اليوم من يبحث ليزيد عن مناقب تزكيه، ونحن نريد أن نصل إلى التقييم التاريخي بشخصيته، الطبري وابن الأثير وابن الجوزي وابن أبي الحديد والقندوزي وعبد القادر البغدادي يعدون أن أكبر الموبقات لمعاوية استخلافه ليزيد السكير الخمير، وهو أول من أسس الملاهي في الإسلام، وأكد الإمام الحسين بنفسه على حقيقة إدمان يزيد الخمور، يقول المستشرق الانجليزي (ادوارد براون)عن تأثره العميق بنبل قضية الإمام الحسين عليه السلام، هل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثا عن كربلاء، قضية مهمة طرحها أبو الفرج بن الجوزي وهو فقيه حنبلي من الحنابلة، ليس العجب من قتل عمر بن سعد وعبد الله بن زياد بما فعلوا من عظيم الجرم، إنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنية الحسين عليه السلام وإعادة رأسه الشريف إلى المدينة، أليس في الشرع أن يصلى عليه ويدفنه، لو احترم الرأس وصلى عليه ولم يتركه بطست ولم يضربه بقضيب ما الذي كان يضره.
القضية أن العدو قد قتل وانتهى، فلماذا العبث بنقل رأسه، وأن يوضع في طست، وأسر أهل بيته، أراد الشماتة وأراد الفضيحة لتظهر رائحة الرأس، هذا يكشف عن أحقاد متوارثة، بعد موت يزيد تولى الحكم ابنه معاوية فخطب بالناس ليبين مفاسد جده معاوية ثم أ بيه يقول (ثم قلد أبي وكان غير خليق بالخير، فركب هواه واستحسن خطئه وعظم رجاءه فأخلفه الأمل وقصر عنه الأجل، فقلت منعته وانقطعت مدته وصار في حفرته رهنا بضيقه وأسيرا بجرمه)،ثم بكى معاوية بن يزيد وقال إن أعظم الأمور علينا، علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه وقد قتل عترة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإباحة الحرمة وحرق الكعبة، وما أنا المتقلد أموركم ولا المتحمل تبعاتكم.
كلما أقرأ عن الإمام الحسين عليه السلام وهو يواجه يزيد بن معاوية، هذه المواجهة تجعلني أنظر إلى الأمر من زاوية أخرى نحو الأسباب التي جعلت يزيد في مواجهة الحسين عليه السلام، من منحه السلطة والمكنة، وهذا يعود بنا الى الانحراف السياسي الذي هو وليد السقيفة وترتبت عليه عقبات استثمرها معاوية، الخليفة الأول بويع بدون نص سماوي أو أمر من رسول الله صلى الله عليه واله، والأول خالف سيرة الرسول أوصاها للثاني، والثاني حولها للثالث، هذا التحليل أقر به المجمع العلمي لأهل البيت عليهم السلام، في (أعلام الهداية) وفق هذا المنطلق كانت الأمة ومصير الرسالة الإسلامية العوبة بيد معاوية يسوسها كيف شاء، قرر أن يأخذ البيعة بالخلافة ليزيد من بعده، هذا المحور يذهب بمكونين:
المكون الأول.. الزمرة الأموية الساعية لعودة أحكام الجاهلية والانتصار على الإسلام براية الإسلام.
والمكون الثاني.. جهالة الأمة وانحرافها الدنيوي، لهذا كان يفكر معاوية أولا أن تثبيت دعائم ملك ابنه ليس بمواجهه الحسين فقط وإنما بشراء الذمم واسكات الصوت المعارض، لو يتأمل اي عاقل
حقيقة الحسين عليه السلام وهو وسط الحشد من الطغاة ولعب السياسة هو المنهج الذي يسير على نهج القران، نهج ثابت لا يتغير حسب الظروف مقابل الناس يتبعون مصالحهم، لنعرف الوجع الذي يكمن في القضية، والي الكوفة المغيرة بن شعبة، عرف بأن معاوية ينوي عزله، أسرع إلى نسج خيوط مؤامرة، جلبت الويلات على الامة الاسلامية، سعى ليخدم مصالحه ، ويمنح ما لا يملك, همس في أذن يزيد يمنيه بخلافة أبيه، ويزين له الأمر ويسهلها.
وجد معاوية أن خطة شيطانية يمكن أن يكون المغيرة عاملا لتنفيذها، فسأله مخادعا ومن لي بهذا؟
فرد عليه المغيرة اكفيك اهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد المصرين أحدا يخالفك، هكذا قبض المغيرة على ربح عاجل لصفقة مؤجلة، ورجع إلى الكوفة بكل قوة ينفذ الخطة وهو يقول لقد وضعت رجلا معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد صلى الله عليه وآله / كتاب الكامل في التاريخ /
وهاجت الأمة في شقاق ونفاق حتى على نطاق النواصب أنفسهم أغدق معاوية الأموال على من قبل البيعة ويقتل من رفضها، قتل الإمام الحسن وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن خالد وعبد الرحمن بن ابي بكر، هذه الأمور واضحة وتقدر ان تكّون التصور النظري لثورة الإمام الحسين عليه السلام، وبيان الإطار الفكري والشرعي والسياسي والاخلاقي أليس من الظلم أن يعيش الحسين عليه السلام بما يمتلك من شان وكرامة ومنزلة بين مثل هذه الحثالة من المجتمع الأموي.
أعانا الله قلبك مولاي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat