ظاهرة الجُعْصُ : حين تتحوَّلُ السجونُ من مراكزَ إصلاحٍ إلى وَكْرٍ للانتقامِ !!
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ تَكُونَ السجونُ مَرَاكِزَ للإصلاحِ وَمَسَاحَاتٍ للتَّغييرِ الإيجابيِّ، حَيْثُ يَدخُلُها السَّجينُ مُجْرِمًا لِيَخرُجَ مُواطِنًا صَالِحًا، ويَعْبُرُ بِوَابَتِها بِلا كَفَاءَاتٍ لِيَظهَرَ مِنهَا بِحِرْفَةٍ تَمنحُهُ فُرْصَةً لِبِنَاءِ حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ يَعِيشُهَا بِكَدِّ يَدِهِ، ويُسَاهِمُ فِي رَفْعَةِ وَطَنِهِ.
لَكِنَّ الوَاقِعَ -وَللأسَف- يَرْسُمُ صُورَةً مُغَايِرَةً تَمَامًا؛ فَبَدَلًا مِنَ الإصْلَاحِ، تَحوَّلَتِ السجونُ إلَى مَصَانعَ لِتَكريرِ المُجْرِمينَ وَإعَادَةِ تَدْوِيرِ المُنحَرِفِينَ!
حَتَّى قِيلَ: "المُتعَاطِي إذَا دَخَلَ السِّجنَ صَارَ مُدمِنًا، وَالمُدمِنُ إذَا دَخَلَهُ صَارَ تَاجِرًا صَغِيرًا، وَالتَّاجِرُ الصَّغِيرُ إذَا دَخَلَهُ صَارَ تَاجِرًا كَبِيرًا!".
وَفِي هَذَا العَالَمِ المُظْلِمِ، تَبرُزُ ظَاهِرَةُ "الجُعْصِ" كَواحِدَةٍ مِنْ أَشَدِّ السّلْبِيَّاتِ فُجُورًا، وَتعني : ضَرْبُ السَّجينِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا بل قد يصل الى المَوْتِ احيانا ؛ فِي حَمَّامَاتِ السِّجنِ، بِتَوَاطُؤٍ بَيْنَ نُزَلَاءَ خَطِرِينَ وَمُرَاقِبِي القَاعَاتِ، وَرُبَّمَا بِمُوَافَقَةٍ مِنَ الإدَارَةِ نَفسِهَا!
وَمِنْ شَوَاهِدِهَا مَا حَدَثَ لِلمُتَّهَمِ المهندس خَالِدِ بَشِيرٍ فِي سِجْنِ الجَعِيفَرِ المَركَزِيِّ، حَيْثُ وُجِدَتْ جُثَّتُهُ مُمَزَّقَةً بَعْدَ أَنْ "بَاعَهُ" خُصُومُهُ لِعُصَابَةٍ دَمَوِيَّةٍ.
وَتَتَنَوَّعُ دَوَافِعُ هَذِهِ الجَرِيمَةِ البَشِعَةِ: فَرُبَّمَا يَحْتَفِظُ الضَّحِيَّةُ بِأَسْرَارٍ تَهَدِّدُ أَعْضَاءَ تِلكَ العُصَابَاتِ، أَوْ يَكُونُ خُرُوجُهُ مِنَ السِّجنِ مُؤَشَّرًا لِكَارِثَةٍ عَلَيهِم، فَيَسْتَعْجِلُونَ التَّخَلُّصَ مِنهُ قَبلَ فَوَاتِ الأوَانِ.
وَلَيْسَتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ وَليدَةَ اليَوْمِ، بَلْ جُذُورُهَا غَائِرَةٌ فِي تَارِيخِ السجونِ العِرَاقِيَّةِ... ؛ فَعِنْدَمَا يُرِيدُ النُّزَلَاءُ "تَنظِيفَ" سَمْعَتِهِمْ أَوْ إِسْكَاتَ شَاهِدٍ عَلَيهِمْ او تأديب ومعاقبة احدهم ، يَنتَظِرُونَ حِينَ يَغْتَسِلُ الضَّحِيَّةُ فِي الحَمَّامِ، ثُمَّ يَهجُمُونَ عَلَيهِ وَوَجْهُهُ مُغَطًّى بِالصَّابُونِ، بَعِيدًا عَنْ أَعْيُنِ الكَامِيرَاتِ، فَلَا يَستَطِيعُ الدِّفَاعَ عَنْ نَفسِهِ، وَلَا يَبقَى إِلَّا صَرِيرُ أَضْلَاعِهِ المَكْسُورَةِ!
لِذَا، يَجبُ عَلَى المُسْؤولِينَ اتِّخَاذُ إِجْرَاءَاتٍ جَادَّةٍ لِحَمَايَةِ الضُّعَفَاءِ وَكَسْرِ حَلْقَةِ العُنْفِ هَذِهِ، وَمِنْهَا:
1. عَزْلُ السجناء الخَطِرِينَ: فَصْلُ سُجَنَاءِ الجِنَايَاتِ الكُبرَى عَن صَغَارِ المُخَالِفِينَ.
2. رَقَابَةٌ لَا تَنَامُ : تَزوِيدُ كَافَّةِ مَرَافِقِ السِّجنِ (بِمَا فِيهَا الحَمَّامَاتُ) بِكَامِيرَاتٍ مُرَاقَبَةٍ، وَتَصمِيمُ حَمَّامَاتٍ فَرْدِيَّةٍ مَنفَصِلَةٍ.
3. إِلغَاءُ الازْدِحَامِ: تَقْلِيلُ عَدَدِ النُّزَلَاءِ فِي الغُرَفِ، وَإِحَالَةُ فِكْرَةِ "القَاعَاتِ الجَمَاعِيَّةِ" إِلَى التَّارِيخِ؛ فَالاكتِظَاظُ يُنْتِجُ عَالَمًا مُوْحِلًا يَتَمَرَّسُ فِيهِ المُجْرِمُونَ عَلَى الإجرَامِ!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat