صفحة الكاتب : محمد جواد الميالي

الدول الكبرى والمتوسطة.. وما بينهما
محمد جواد الميالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ترتكز رؤية الدول الكبرى على مفاهيم القوة الشاملة والنفوذ العالمي، وهي تُعنى بتأمين مصالح استراتيجية، تمتد إلى ما وراء الحدود الوطنية، إذ تعتبرها عنصرا أساسيا للحفاظ على الهيمنة في النظام الدولي، الذي يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية والسياسية.

في السنوات الأخيرة، برزت الفجوة بين رؤية الدول العظمى للمصالح المشتركة الاستراتيجية، وبين الدول المتوسطة التي ترتكز سياساتها على المصالح المشتركة قريبة المدى.. وهذا التباين لم يقتصر على الأسس النظرية فحسب، بل تجلى عمليا في التحالفات الإقليمية والمواقف السياسية، التي اعتمدتها بعض الدول في سباقها، نحو دخول "العظمة" في النظام العالمي، وهذا ما يلاحظ مثلا في سياق الأزمة السورية.

ان التحولات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، أبرزت تباينات جوهرية بين استراتيجيات الدول العظمى والدول المتوسطة، في سعيها لتحقيق مصالحها الوطنية والإقليمية، وتجلت بوضوح في كيفية تعامل هذه الدول مع الأزمات الإقليمية، كالأزمة السورية والتحالفات التي نشأت أو تفككت نتيجة لذلك.

دول مثل روسيا والولايات المتحدة والصين، لديها استراتيجيات قائمة على توسيع نفوذها العالمي، مستخدمةً مزيجا من الأدوات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وتسعى فيها لتشكيل النظام الدولي بما يتوافق مع مصالحها، معتمدةً على تحالفات استراتيجية وتخطيط طويلة الأمد، في المقابل تميل الدول المتوسطة، مثل تركيا وايران، إلى التركيز على مصالحها الإقليمية والداخلية، معتمدةً على تحالفات مرنة، وتكتيكات توازن بين القوى العظمى، بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب، مع تقليل المخاطر المحتملة، وأن تكون بخطى قريبة من مصاف الدول العظمى.. على الأقل هذا ما تحلم به، لكن الحدث السوري كان هو الملف الفيصل؟!

مثل التحالف الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا، نموذجا معقدًا للتفاعلات بين الدول العظمى والمتوسطة، بالنسبة لروسيا وإيران، كان الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد مسألة استراتيجية، تهدف إلى تأمين نفوذهما في المنطقة، روسيا من جانبها، سعت إلى الحفاظ على وجودها العسكري، في البحر الأبيض المتوسط عبر قاعدة طرطوس، بينما رأت إيران في سوريا حلقة وصل حيوية لدعم حلفائها في  لبنان، أما تركيا فرغم دعمها المبكر للمعارضة السورية، وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع تعقيدات الواقع الميداني، خاصة مع تصاعد التهديدات الأمنية على حدودها، وتنامي النزعة الانفصالية الكردية، وهنا سيظهر السؤال: لماذا خانت تركيا حلفائها في سوريا؟

مع قرب تغير الإدارة الأمريكية وتولي ترامب الرئاسة، شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولات، أثرت على حركة الحلفاء الإقليميين، فبينما سعت إدارة بايدن إلى إعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، وشراء ذمم بعض الدول متذبذبة القرار، مما دفع تركيا إلى إعادة تقييم علاقاتها مع روسيا وإيران، ودعم تركيا لأحمد الشرع، المعروف "بأبو محمد الجولاني" قائد هيئة تحرير الشام، كجزء من استراتيجيتها لتحقيق توازن جديد في سوريا، هذا التحول في الموقف التركي يعكس طبيعة الدول المتوسطة، التي تسعى للتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية بما يخدم مصالحها الوطنية، ويعبر عن نظرة قاصرة وقصيرة لا تمت بصلة لمفهوم الدول العظمى، وهو الفخ الامريكي الذي سقطت به ادارة اردوغان، التي ربما ستنهار في القريب الآجل لعدة اسباب اهمها:

داخليا تواجه تركيا تحديات اقتصادية وسياسية متزايدة، وتشهد البلاد أزمة اقتصادية خانقة، تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة الليرة التركية، مما أثر سلبا على معيشة المواطنين.

سياسيا يتصاعد التوتر بين الرئيس رجب طيب أردوغان والمعارضة، خاصة في المدن الكبرى كإسطنبول، تجلى ذلك في تظاهرات اجتاحت المدن المعارضة، بعد اعتقال زعيمهم امام اوغلو، وهو ما اعتبرته الحكومة محاولة لزعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

هذه التحديات الداخلية سوف تؤثر على استقرار حكومة أردوغان، مما يفتح المجال أمام تغيرات محتملة في القيادة السياسية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاضطرابات الداخلية في تركيا سوف تنعكس على سياساتها الخارجية، بما في ذلك دعمها للفصائل المسلحة في سوريا، وقد يواجه "الجولاني" تراجعا في الدعم التركي، مما يؤدي إلى إضعاف موقفه في الصراع السوري.

بناءً على ما سبق، يتضح أن الدول العظمى تعتمد على استراتيجيات طويلة الأمد، تهدف إلى تعزيز نفوذها العالمي، بينما تركز الدول المتوسطة على تحقيق مكاسب إقليمية، مع مراعاة التوازنات الداخلية والخارجية، وتركيا كنموذج للدول المتوسطة، تسعى للتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية، إلا أن التحديات الداخلية قد تحد من قدرتها على المناورة، وتؤثر على استقرار تحالفاتها وسياساتها الخارجية، وخيانتها لتحالفاتها السابقة، ربما ستعجل بسقوطها كحكومة اردوغانية الفكر..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد الميالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/24



كتابة تعليق لموضوع : الدول الكبرى والمتوسطة.. وما بينهما
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net