الإمام الصادق (ع) ملاذ الفقهاء
زاهر حسين العبدالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زاهر حسين العبدالله

مقدمة:
الإمام الصادق عليه السلام هو السادس من أئمة أهل البيت عليهم السلام ولد في (١٧) ربيع الأول، في سنة (83 هـ) في المدينة المنورة أستلم زمام الإمامة وهو في عمر (٣٤) سنة. مدة إمامته (٣٤) سنة. مدة عمره الشريف (٦٥) سنة وتاريخ استشهاده (٢٥) شوال سنة (١٤٨) ه. على ايدي العباسيين وانتشرت مدرسة أهل البيت عليه السلام بشكل كبير في زمانه بسبب الظروف التي انشغل فيها الحكام بأنفسهم بين تدهور الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية فبلغت مدرسة أهل البيت في هذا الزمان الآفاق وانتشرت علومها على يد مولانا الباقر والصادق عليهما السلام في شتى المجالات من علوم القرآن والفقه والحديث والفلك والفيزياء والكمياء والطب والكلام وغيرها من العلوم التي لا زال أثرها باقي ليومنا الحاضر كما سنشير لبعض تلك العلوم في طيات هذا المقال. فبذل الإمام الصادق عليه السلام روحه في خدمة الإسلام والمسلمين واختار رضوان الله على رضى خلقه فأجزل له العطاء رب العز والجلال كما ورد في الرواية عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام
قال: إن الله عز وجل يقول: بجلالي وجمالي وبهائي وعلائي وارتفاعي لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه، وهمه في آخرته، وكففت عنه ضيعته، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر. (١)
محاور المقال :
١-انتشار مذهب جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام في الآفاق الإسلامية
٢- شواهد تاريخية في فضل مولانا الصادق عليه السلام
٣- تقسيم العلوم عند مولانا الصادق عليه السلام
١-انتشار مذهب جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام في الآفاق الإسلامية
فانتشر حب الإمام في قلوب شيعته واستلهموا العلوم من معين علمه وكان جامعته في مسجد جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وتعدت علومه محبوبه ووصلت إلى المدارس الأخرى من المسلمين فلم يبخل قط بعلمه على أحد فبذله حباً لله ولرسوله صلى الله عليه وآله حتى بلغ تلاميذه في بعض الأخبار أربعة آلاف طالب كلا يقول حدثنا جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام. كما انه نزل الكوفة وبقي (عليه السلام) فيها سنتين أيام أبي العباس السفاح، فازدلفت إليه الشيعة من كل فج زرافات ووحدانا تستقي منه العلم وترتوي من منهله العذب الروي وتروي عنه الأحاديث في مختلف العلوم، وكان منزله (عليه السلام) في بني عبد القيس. وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء البجلي لابن عيسى القمي: إني أدركت في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد (عليه السلام). (٢) ولم تقف الشهادات في حقه عند عامة الناس بل وصلت حتى حكام عصره منهم
٢- شواهد تاريخية في فضل مولانا الصادق عليه السلام :
المنصور الدوانيقي يقول في حق الصادق عليه السلام: (ان هذا الشجى المعترض في حلقي لهو من اعلم الناس). وفي قول آخر له (انا اهل بيت لا نخلوا من محدث وان محدثنا اليوم هو جعفر ابن محمد). وله حوار مع الامام الصادق عليه السلام معترضاً على اقوال أهل العراق في حقه عليه السلام
فقال المنصور الدوانقي: زعم أوغاد الشام وأوباش العراق أنك حبر الدهر وناموسه، وحجة المعبود وترجمانه، وعيبة علمه وميزان قسطه، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى فضاء النور، وإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملا، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا، فنسبوك إلى غير حدك، وقالوا فيك ما ليس فيك، فقل فإن أول من قال الحق لجدك، وأول من صدقه عليه أبوك (عليه السلام)، فأنت حري بأن تقتص آثارهما، وتسلك سبيلهما.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنا فرع من فروع الزيتونة، وقنديل من قناديل بيت النبوة، وسليل الرسالة، وأديب السفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور، وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر. فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال: قد أحالني على بحر مواج لا يدرك طرفه، ولا يبلغ عمقه، تغرق فيه السبحاء ويحار فيه العلماء، ويضيق بالسامع عرض الفضاء، هذا الشجا المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يحل قتله، ولا يجوز نفيه... ألخ. (٣)
فقال أبو جعفر المنصور: قد قبلت عذرك لصدقك، وصفحت عنك لقدرك، فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): عليك بالحلم فإنه ركن العلم، وأملك نفسك عند أسباب القدرة، فإنك إن تفعل كل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظا، أو أبدى حقدا، أو يجب أن يذكر بالصولة، واعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل، ولا أعلم حالا أفضل من حال العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.
فقال أبو جعفر المنصور: وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت. (٤)
كما أن الثناء والمدح وصل أيضا أرباب المذاهب بل وتعلموا منه عليه السلام منهم أبو حنيفة النعمان أمام أهل العراق حيث قال ابو حنيفة (ما استفدت ولا انتفعت بشيء كانتفاعي بالسنتين اللتين درست فيهما على جعفر الصادق) (لو لا السنتان لهلك النعمان) ثم قال (ما رأيت أفقه من جعفر ابن محمد). وكذلك مالك ابن أنس امام المالكية
حيث قال (ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر ابن محمد فضلا وعلماً وعبادة وورعاً وكنت إذا دخلت عليه فلا أراه إلا على احدى ثلاث خصال إما صائماً وإما قائما وإما ذاكراً وكان من عظماء العباد واكابر الزهاد الذين يخشون الله وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد...). (٥)
وقال عمرو بن المقدام: وهو من كبار العلماء في عصره (كنت إذا نظرت الى جعفر بن محمد (ع) علمت انه من سلالة النبيين) (٦).
كما أن علماء البيت النبوي لهم شهادات بفضل الإمام الصادق عليه السلام ومنهم عمه زيد بن علي ابن الحسين عليهم السلام عم الإمام الصادق عليه السلام الملقب بزيد الشهيد
حيث قال عمّه زيد الشهيد عليه السلام: (في كل زمان رجل منّا اهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد لا يضل من اتبعه ولا يهتدي من خالفه..) (٧)
هذا فضلا عن اعترافات رؤساء الزنادقة في عصره عليه السلام الذين لا يعترفون لأي رجل دين بالفضل والكمال ولكنهم كانوا يعترفون بأرفع درجات الفضل والكمال للأمام جعفر بن محمد الصادق (ع) امثال ابن المقفع وابن ابي العوجاء وعبد الكريم الديصاني وغيرهم وقد كانوا يحضرون عنده ويعرضون عليه افكارهم الفاسدة وعقائدهم الواهية الباطلة فكان الامام الصادق (ع) يستمع الى اقوالهم ويرد عليهم بما يقطع حجتهم وينقض اقوالهم بكل هدوء وسعة صدر واناة.
قال: دخل أبو شاكر الديصاني - وهو زنديق - على أبي عبد الله
وقال: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي!
فقال أبو عبد الله عليه السلام: اجلس! فإذا غلام صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال أبو عبد الله: ناولني يا غلام البيضة! فناوله إياها،
فقال أبو عبد الله: يا ديصاني هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة، وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة، فهي على حالها، لا يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها، ولا يدخل إليها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى له مدبرا؟
قال: فأطرق مليا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه. (٨)
وقال بن المقفع لصاحبه بن أبي العوجاء وهو يشير الى جموع الحجاج حول الكعبة وفي المسجد الحرام. قال له (لا أحد في هذا الجمع يستحق اسم الانسان إلا ذلك الشيخ الجالس وأشار الى الصادق (ع). ولأبي العوجاء حوار ايضاً مع الإمام الصادق عليه السلام
لما قال: ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان، ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به -:
فقال له الإمام الصادق (ع): ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك؛ نشوءك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك وأناتك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك. (٩)
ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة أنه
قال: كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟
قال: رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب، وأحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته. (١٠)
كما أن الإمام الصادق عليه السلام أسس نظام التخصصات في العلوم وبدأ يربي تلامذة خاصة بكل علم كما هو نظام اليوم في تخصص العلوم في الجامعات
٣- تقسيم العلوم عند مولانا الصادق عليه السلام
فعلى سبيل المثال جعل لعلوم الشريعة كالفقه والاصول والحديث وغيرها زرارة ابن اعين وابو بصير وابان بن تغلب ومحمد بن مسلم وجميل بن دراج وغيرهم.
وفي علم الفلسفة وعلم الكلام والامامة والمناظرة هشام بن الحكم وهشام بن مسلم ومؤمن الطاق ومحمد المهيار.
وفي الحكمة وأسرار الكون وأسرار الوجود وأسرار الانسان المفضل بن عمر. وفي الكيمياء والفيزياء جابر ابن حيان الذي تُرجمت كتبه في الغرب الى مختلف اللغات واعتبروه ملهم الكيمياء الى غير ذلك من طلاب هذه المدرسة.
فالسلام عليك يامولاي وابن مولاي يوم ولدت ويوم عشت ويوم تبعث حيا بلغنا في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك والحمد لله رب العالمين.
بقلم: زاهر حسين العبد الله
المصادر:
(١) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٧ - الصفحة ٧٥.
(٢) تاريخ الكوفة - السيد البراقي - الصفحة ٤٦٦.
(٣) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠ - الصفحة ٢١٧.
(٤) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠ - الصفحة ٢١٨.
(٥) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٧ - الصفحة ٢٨. والخصال - الشيخ الصدوق - الصفحة ١٦٧.
(٦) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٧ - الصفحة ٣٣.
(٧) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٧ - الصفحة ١٩.
(٨) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٧١.
(٩) موسوعة العقائد الإسلامية - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٩٩.
(١٠) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٧٧.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat