من المعلومات البدهية في عالم القراءة إن لكل فعل زمن؛ لنصل إلى قاعدة أن لا فعل دون الزمن، إمكانية إستثمار الزمن بحراك الأفعال في مجموعة( تراتيل الطفوف) للشاعر مهدي صالح مهدي الطعان السلامي ، جعلنا نبحث في علاقة الأفعال بأزمنتها ،يرى أهل النقد أن فعل المضارع يختلف عن زمنية الفعل الماضي فالمضارع لا علاقة له بالزمن وإنما هو فعل دال على زمن الإستقبال
(حرگوا أخيمنه يراعي الرايه
أريد احشمك جيت الك عنايه)
دلالة حرق الخيام ضمن سرديات الواقعة باعتبارها شأن ماضوي يريد الشاعر أن ينقل الحدث عبر الزمن بياء النداء ليكون الخطاب مع أبي الفضل العباس عليه السلام خطاب استرجاعي ، إنتقالة واضحة للطلب ( ارد احشمك) تحولت القضية إلى جملة حال ومستقبل، تغييرات سريعة في زمانية الأفعال، عدة انتقالات في مقطع شعري واحد (جيت انشدك )(بدر عزنه غاب ) تنتهي بجملة ( يعاود ونوره يضّوي الثاية)
هناك استخدامات دقيقة لابد من ملاحظتها جميع اشتغالات الديوان شكلت صراعًا بين الواقع والأمل ، أفعال الماضي تمثل الواقع لكن الأفعال المضارعة تمثل الأمل
(غاب/ذاب/اشتمل)
تقابلها (يعاود/تضوي)
شغل الفعل الماضي يقابل اشتغالات المضارع وتظهر خصوصية هذا التفاعل عند جمل الاستفهام
(شلون عفتوني) ؟حدث ماضي /أريد اعاتبكم/(ليش متكومون خويه ويايه) علامة استفهام تشكل علاقة مضمونية تحرك الدلالة بين الأخبار والأحلام، الشاعر مهدي السلامي تعامل مع أفعال الماضي للأخبار والأفعال المضارعة للوصف
(اشما تزيد الكوم بالغيرة تهب)
ارتباط الزمن بأحداث واقعية وأحداث علمية لم تقع بعد بين (الاسترجاع والاستباق) لتصل إلى قضية تداخل الأزمنة تصورات جمالية تسهّل عملية التفاعلات الزمنية بين الاسترجاع والاستباق
(بأحضان النبي اتربه
وصدر مرسوم من ربه
على المله فرض حبه
وقال اللي ما يصلي اعليه.... صلاته باطله وتنرد)
العودة إلى ما قبل زمن القصيدة سرد تاريخي غير منظم زمنيًا، بمعنى انتقاء ازمنة محملة بالأحداث تظهرها الأفعال
(للامة حسن وحسين... رسول الله ذكر ولدي)
( ذكر)= فعل ماضي ،خصصه النبي ليوصي في الحفاظ على حياة الحسن والحسين، والمتلقي يعرف مصير الحسن والحسين في مصادره الذهنية فتتحول القضية من الأخبار إلى التذكير
(وعيّن حيدر الكرار.. خليفه يكون من بعدي)
بين ( عيّن) و( ويكون) استرجاع واستباق
وفعل الأمر يسند القصد المضمون (احفظوا عترتي و عهدي) إلى مأثرة استباقية لها صدى في ذهنية المتلقي فلا هم صان الوصية ولا حفظوا العترة والعهد ،اشتغال مدرك بين خطوتي الاسترجاع والاستباق
(سفينة نوح شبههم
العتره الطاهره جدهم
(ما تنعد فضائلهم
تشرف بيهم التاريخ مناقبهم فلا تنعد)
مناقب أهل البيت إلى اليوم هي لا تعد ،ومازال التصور قائمًا على حقيقة استباقية ،هناك قضية أخرى مهمة في شعرية الشاعر مهدي الطعان في حالتي الاسترجاع والاستباق، محور صوت الراوي السارد الذي يحكي الأحداث ويرويها معظم القصائد ترد بصوت الشاعر
(على مر الدهر يا حسين
يومك ما جره على أحد)
صوت الشاعر هو الذي يخاطب الرمز الحسيني المبارك ، والكثير من القصائد تسري على هذا المنوال لكن في بعض القصائد الأخرى مثل قصيدة ( عرس الدم ) الخطاب بين رمزين من رموز الواقعة (أم القاسم عليه السلام)تخاطب ابنها تارة تسرد الماضي استرجاع وتارة تتأمل القادم الحلمي الذي كان هو الأمل ،
(ربيتك وعيني على طولك تصد
واتنطر أيامك يريع الجبد
تنجلي همومي اشوفك واعد
سنين عمرك وأنت نعم الولد
وارتجي يوم
أنسه الهموم
وأفرح لعرسك وقلبي يسله قهره)
يظهر للمتأمل هذا السرد وانبثاق الاسترجاع إلى مقصد استباقي (ربيتك)،=ماضي
(تصد)=مضارع
( أتنطر /أنجلي/واعد/أرتجي/أفرح/يسله)
تحرك الواقع النصي والواقع الموضوعي والخزين المعرفي في ذهن المتلقي قصائد تقدم لنا رموز من الواقعة تاريخية وأحداث زمنية على فترات غير متسلسلة ولا مرتبطة بزمنية الحدث المرجعي ومنها سردية وصفية تعمل لسرد الأحداث التاريخية وتوثيق تلك الجراح شعريًا ،لأن الشعر اكثر اثرا وله القدرة على ترسيخها في ذهن المتلقي والراوي اختزل كل تلك الاحداث المتعلقة في اطر الشخصية الرمز والأحداث التي تمثل جزء من السيرة سيرة الحدث نفسه (الواقعة) سواء يكون قبلها أو بعدها، ويذهب الشاعر مهدي الطعان إلى بعض التناص السردي الساعي لأدراج الأثر (الواقع التاريخي) حين أخبر الحسين عليه السلام الأنصار أنه أذن لهم أن يتركوه ،ولا ذمام عليهم ولا ذمة، قام مسلم بن عوسجة رضوان الله عليه، وقال والله لو علمت إني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقك حتى ألقي حمامي دونك ، كيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة
هذا التناص ورد في قصيدة( الحسين الخالد)
(انجتل سبعين مره بين أديديك
علي الخباز, [21/04/2025 02:06 م]
ولا يصل من العدو مكروه ليك)
يعتني الشاعر مهدي الطعان بالمشهد ،إحضار زمن الواقعة ينقل تفاصيل الأحداث بكل تفاصيلها والمشهد يكون تضخيمي لفعل السرد أغلب تلك النشاط يدور حول الواقعة عبر الحوار ،خطاب مباشر مع الرمز حوار زينب مع العباس عليه السلام وحوارات بين رمزين في قصائد عديدة منها خطاب بين الأم الرباب والرضيع عبد الله في قصيدة عبد الله يبني
(تبجي الثدايه عليك. ويحن حليبي
دهري رماني وصار. هجرك نصيبي)
يتحول المقصد الشعري من التواصل وقضية الإفهام إلى التفاعل وتجاوز المضمون المباشر والتفاعل عبر التراكيب الجملية، لغة إبداع مبتكرة كونها تعتمد على بناء العلائق الغريبة بين مفردات الجملة وجمعها في بوتقة الإنزياح يصبح السعي مغامر
(سهم الظلم)
(فاض ابكربله نحرك)
انزياح قمة الجمال ، الفيضان في تركيب استعاري يوسع مضمونه التعبيري من اللغة الملفوظة إلى الفكرة، الطاقة الخلاقة التي تضيف عمق دلالي ومسعى جمالي يبتعد عن المألوف لتولد صدمة الشعورية جمالية
(يبني للشهاده بيت)
(رادوا يذبحون فكرك يا ذبيح)
اللغة العادية لغة محدودة والشعر عالم غير محدود لهذا يذهب الاشتغال إلى زحزحة اللغة لخلق شبكات تصور جديدة ومضامين مبتكرة، رغم أنه يعمل على الواقع التاريخ على نقل الواقعة سرد ووصف ،رسالة يريد أن يؤكدها لكنه يشاكس السياق بتغريب انزياحي
(تضوّي الليالي دمعتك
سيف الإله بيمنتك
اضداد ياهو اللي يحلها)
الجانب الفني للانزياح هو الذي يشكل صياغة النص و يشتغل على سرد أحداث تاريخ ٠٠٠٠ أزمنة متنوعة حدث ماضي ،في زمن ماضي متخيل بثوب استرجاع وأحداث استباقية بزمن المضارع زمن نصي وزمن واقعي وزمن نفسي وزمن متخيل بأحداث تحققت في عالم الواقعة
(على التل يومها تصيحين. يخويه رحت من أيدى)
والأكبر يوذرونه،. وجاسم لو تشوفينه
بدم ركبته امحنينه
عبد الله الطفل مذبوح
ابسهمه لون يرموني
قراءة واقعة الطف الحسيني بأوجه متنوعة وكل قصيدة تأخذ جانب من جوانب الواقعة وتسلط الضوء على تفاصيل تلك الأحداث لنقرأ المقتل الحسيني بقرصات شعرية شعورية وبتهكمية عالية
ردم كلب الحرب جاسم)
(زفته للحومه صارت والنبل ينثر ملبس)
ومن يتأمل في ثنايا الديوان سيؤمن بأنه يقرأ مجموعة شعرية عالية القيمة لشاعر مهم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat