المهدي وارتباطه الكوني
فاطمة السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

     يهوى الفؤاد لأناملي أن تعطر بضاعتها المزجاة بعبير يتضوع بذكر  المهدي (عجل الله فرجه) ، فأمتطي صهوة البحث  متأملاً في روايات اختلطت كلماتها بشذى يفوح بنسائم ولايته التي هي من وسائط الفيض الإلهي والبركات بين الله  تعالى  وعباده .«لم تخلُ الأرض منذ خَلَقَ الله آدم من حجّة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله»

وردت روايات كثيرة وهي شبه متواترة كلّها تدلّ على  أنّ قوام العالم بالإمام المعصوم ولولاه لفنى وانتهى ، ومن هذه الروايات (لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها)،  هناك روايات  كثيرة تدل على ارتباط الإمام  المهدي والائمة المعصومين عليهم السلام بالكون  نذكر  ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة، قوله(عليه السلام): « بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَمَاءَ أنْ تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ إلّا بِإذْنِهِ وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ... ». قد يفترض أنّ هذا يعني الولاية التكوينيّة، أي: أنّ الأئمّة(عليهم السلام) هم الذين يديرون الأرض والسماء والغيث وما شابه  بإذن الله.
إن المتصرف الحقيقي في الكون هو الله تعالى وحده لا شريك له، بيده الملك وهو على كل شئ قدير، فهو الذي يدير الكون بإعمال الولاية ويعمل بربوبيته باستمرار ،
وابرز الله ولايته التكوينية لنا بقوله تعالى:  (انما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ ) (يس:  ٨٢، ٨٣) فالله هو الولي وهنا لابد أن  نعرف هذه الولاية هل هي قابلة للتفويض، وإذا كانت كذلك فهل منحها الله لأحد من أوليائه؟
نجد أن القرآن الكريم يحدثنا عن عدة وقائع تثبت إعطاء الله التصرف
الكوني لبعض عباده: قال تعالى لعيسى عليه السلام:(إذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني) (المائدة: ١١٠).فهذا نص صريح في خلق النبي عيسى (عليه السلام) للطيور، وهو ايجاد بعد عدم، وتصرف في الكون غير متعارف.وهو لايعني القول بتفويض القيومية للبشر بالاستقلال و بخروجها عن سلطان وقدرة الله،  فالروايات و الآيات القرآنية تنفي هذا المعنى نفياً صريحاً ، وتؤكد على ارتباط الأولياء والأنبياء بالله، وإنهم يحتاجون إليه في كل آن  احتياج الممكن إلى الواجب والقابل إلى المفيض.وفي ظل ولاية الله على الكائنات يتصرف الأولياء تصرفاً كونياً يعكس ويظهر حقيقة قدرة الله وإرادته الخفية على الناس ،  فأولياء الله يتصرفون بإذن الله تصرفاً موافقاً لإرادته، لأنهم لا يريدون إلا ما أراد الله.
الولاية التكوينية ثابتة للأنبياء (عليهم السلام) بالدليل النقلي نذكر  قوله تعالى:  (إذ تخلق من الطين كهيئة الطير) .
فكانت ولاية تكوينية للنبي عيسى (عليه السلام).وقوله تعالى:  (ولقد أوحينا إلى موسى ان أسري بعبادي فاضرب بهم طريقا في البحر يبسا) (طه: ٧٧) وقوله:  (فأوحينا إلى موسى ان اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) (الشعراء : ٣٣).فهذه دليل على الولاية تكوينية لموسى (عليه السلام).
وقوله تعالى:  (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا) (البقرة:٢٦٠)
وهذا نص آخر صريح في اعطاء النبي إبراهيم (عليه السلام) التصرف في خلق الطير من اجزاء ميتة. وقوله (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين)(الأنبياء:٧٩)
وقوله (ولقد اتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد)(سبأ:١٠) وهذه أيضا ولاية تكوينية للنبي داود (عليه السلام). وقوله (و لسليمان الريح عاصفة تجري بأمره)(الأنبياء : ٨١) .وقوله (وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون) (النمل:١٧)
وقوله (وسخرنا له الريح تجري بأمره )(ص:٣٦)
كما أن هناك ولاية التكوينية لغير الأنبياء (عليهم السلام) فنذكر أدلة نقلية من القرآن الكريم  منها قوله تعالى (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)( آل عمران:٣٧) فهذه مريم عليها السلام أملكها الله إيجاد الطعام من غير أسبابه المتعارفة. وقوله تعالى (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)(النمل :٤٠) فهذا تصرف من قبل آصف بن برخيا بحمل عرش بلقيس بزمان قليل من مكان إلى مكان، وهو من التصرفات الكونية العجيبة غير المتعارفة.
وقوله تعالى حكاية عن ذي القرنين:  (إنا مكنا له في الأرض و آتيناه من كل شئ سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس...) (الكهف:٨٤,٨٥)،قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لمن سأله عن كيفية بلوغ ذي القرنين المشرق والمغرب:
" سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له في النور ...."
وقوله تعالى في قدرة الجن:  (وقال عفريت من الجن أنا آتيك قبل أن تقوم من مقامك) (النمل:٣٩)
وقوله تعالى في قدرة جبرائيل (عليه السلام):  (فرفعنا فوقكم الطور) (البقرة: ٦٣)
أما الأدلة  بالروايات فهي كثيرة  منها المعصومين منها رد الشمس للامام علي عليه السلام أما لغير المعصومين فنذكر رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: " كانت أمي أم عبد الله بنت الحسين (عليه السلام) جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت واومأت بيدها لا وحق المصطفى ما أذن لك الله في السقوط حتى أقوم، فبقي معلقاً حتى قامت و بعدت، ثم سقط.
 بقي أن نعرف ولاية أهل البيت التكوينية، هل تشمل الكونيات جميعاً أم لا؟
ولإثبات ذلك نذكر الأدلة الآتية  لنعرف منها سعة هذه الولاية.
نبدأ بقوله تعالى: (قال الذي عنده علم من الكتاب)  اثبت لآصف الولاية التكوينية  مع أنه كان عنده علم قليل من الكتاب ، فكيف تكون ولاية أهل البيت الذين يمتلكون علم الكتاب كله، لابد أن تكون ولايتهم التكوينية أوسع بكثير من هذه الولايات المذكورة سابقا.وعن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: " ما أعطى الله نبيا شيئا قط إلا أعطاه محمدا، وأعطاه ما لم يكن عندهم، وكل ما كان عند رسول الله فقد أعطاه أمير المؤمنين (عليه السلام) .
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "... ان وصيي لأفضل الأوصياء... ومن ولده الأئمة الهداة بعدي، بهم يمسك السماء ان تقع على الأرض إلا باذنه، وبهم يمسك الجبال ان تميد بهم... أولئك أولياء الله حقا...  ".
الإمام المهدي عجل الله فرجه هو واحد من الأئمة الهداة بعد رسول الله الذين اعطائهم الله القدرة  على التصرف بأمور الكون من شجر وثمر . والقدرة على طي الأرض وتثبيتها واستقرار الجبال والسماء
ذكر أمير المؤمنون  (عليه السلام) في قدرة المهدي: " فيومئ المهدي (عج) إلى الطير فيسقط على يده " قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): " ان الدنيا تمثل للامام في مثل فلقة الجوز، فلا يعزب عنه منها شئ، وانه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء "
من الروايات السابقة تبين لنا ارتباط الإمام المهدي عجل الله فرجه بالكون وقدرة على التصرف بأمور الكون بإذن الله.

الموضوع السابق الالحاد والمنج الاستفهامي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat