الحبر تحت الحصار: حين تصير الكتابة جريمة ونقمة !!
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

يواجه الكاتبُ المستقلُ والقلمُ الحرُّ سلسلةً متشابكةً من التحديات، تبدأ من ضغوط الساسة وأجهزة السلطة، وتمتدُّ إلى تهديدات أصحاب النفوذ وعصابات الجريمة المنظمة ومافيات الفساد ، مروراً بخطر المجموعات الطائفية والإرهابية، وصولاً إلى مراقبة أجهزة الاستخبارات والسفارات الأجنبية التي لا تتوانى عن استهداف العناصر الوطنية ؛ وانتهاء بخطورة نقد الشخصيات الدينية او المساس بالخطوط الحمراء ... ؛ هذه المخاطر قد تُكلِّف الكاتبَ وظيفتَه واستقرارَه، بل وتصل أحياناً إلى التهديد المباشر لحياته... ؛ لكنَّ أخطرَ ما في هذه المعركة ليس خطرَ تصفية الجسد، بل خطرُ خنق الصوت ومحاصرة الشخصية ؛ فالحربُ على الكاتب لا تقتصرُ على محاولات الإسكات الجسدي، بل تتجاوزها إلى حصارٍ معنويٍّ وإعلاميٍّ مُمنهج .
ففي مواجهة الادعاءات الزائفة بالحياد والاستقلالية، تتحول المنصاتُ الإعلاميةُ والمواقعُ الثقافيةُ إلى أدواتٍ لقمع الرأي، حيث تُخفى خلف شعارات المهنيةِ شبكاتٌ من المصالح المشبوهة... ؛ هنا، يُمارس "مقصُّ الرقيب" سلطته بلا رحمة؛ فمقابل كل مقالةٍ تُنشر، تُحذف عشرٌ أخرى تحت حججٍ واهيةٍ كـ "الطائفية" أو "الإساءة للذوق العام"، في محاولةٍ واضحةٍ لإفراغ الساحةِ من أي صوتٍ حرّ... ؛ و الغريبُ أن هذه المؤسسات، رغم تنافسها الظاهري واختلافها الأيديولوجي ، تتواطأ أحياناً ضدَّ الكاتب المستقل، وكأنها أجنحةٌ متعددةٌ لجسدٍ واحدٍ يُحاصرُ المختلف.
ولأن تصفية كل الشخصيات الوطنية الحرة مهمةٌ مستحيلة ، يلجأ الخصومُ إلى استراتيجيةٍ أكثرَ قسوة: "الاغتيال المعنوي". فبدلاً من المواجهة المباشرة، يتمُّ عزلُ الكاتبِ إعلامياً، ومنعُه من الوصول إلى جمهوره، ثم تشويهُ سمعته عبر اتهاماتٍ مغلوطةٍ تمسُّ كرامته ومصداقيته... ؛ و هكذا يُحَوِّلون قلمَه من سلاحٍ للحقيقة إلى شاهدٍ على إرادةٍ تُكسرُ دون أن تنحني ، في حربٍ لا تُزهقُ الأجسادَ فحسب، بل تُحطمُ الروحَ قبلَها.
لا تنتهي معاناةُ الكاتبِ الحرِّ عند حدودِ المواجهةِ مع منصاتٍ إعلاميةٍ تُدار بأجنداتٍ مريبة، بل تمتدُّ إلى تعقيداتٍ أكثرَ إيلامًا... ؛ فهذه الصحيفةُ التي تَدَّعي الانتماءَ للوطنِ بينما تُموِّلها جهاتٌ انفصالية، وتلك المواقعُ التي تتخفى خلفَ شعاراتٍ طائفيةٍ أو عنصرية، وتلك القناةُ الفضائيةُ التي تتبعُ حزبًا فاسدًا... جميعُها تشكِّلُ متاهةً يصعبُ الخروجُ منها , او التعاون الايجابي معها ؛ و الغريبُ أنَّ بعضَ هذه المنصاتِ ينشرُ مقالتَيْك الأولى والثانيةَ بترحاب، ثم يَفاجئُك "آلهةُ الموقع" بحظرٍ مفاجئٍ لأنَّ رأيًا حرًّا هزَّ عرشَ أحدِ الزعماء، أو لأنَّ كلمةً صادقةً أزعجتْ أصحابَ النفوذ والاجندات .
الأمرُ لا يقفُ عند حدِّ الرقابة، بل يتجاوزُها إلى استغلالٍ فاضح؛ فبينما تدفعُ الصحفُ العالميةُ للكاتبِ مقابلَ إبداعه، تتحوَّلُ المنصاتُ والصحف هنا إلى سوقٍ للابتزاز، حيثُ يُفرضُ عليك "الدفعُ مقابلَ النشر" كشرطٍ لإيصال صوتك!
بل والأفظعُ أنَّ بعضَها يختزلُ قيمةَ الكاتبةِ في جمالها أو إغرائها، لا في فكرها أو موهبتها، فتُحوَّلُ المقالاتُ إلى مجردِ ديكورٍ لمفاتنَ جسدية، وتتحوَّلُ المؤسساتُ الثقافيةُ إلى مسارحَ للدعارةِ الفكرية والسمسرة .
ولا عجبَ أن تُدارَ بعضُ هذه المنصاتِ بتوجيهاتٍ خارجيةٍ تُحاكُ في الظلام، بعيدًا عن همومِ الوطنِ وقضايا الشعب، بينما يبقى الكاتبُ الحرُّ كالغريبِ في وطنه: مُحاصرًا بفضائياتٍ مؤدلجة، ومواقعَ مرتزقة، ومنصاتٍ تشبهُ أفخاخًا ذكيةً تُزيّنُ لكَ الحريةَ ثم تختنقُ بها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat