كنت أتحاشى أن أراه في طريقٍ، وأحاول دائما أن أواري نفسي عنه، وأبتعد عن الحي الذي يسكن فيه، رغم أن النقاب الذي أرتديه يجعلني في مأمن منه، ومن أي أحد من إخوته وأخواته أو حتى من عمي وعمتي،
كنت أخشى أن أراه وأنا متلفعة بانكساري، اضطراب نفسيتي جعلني أعيش منطوية على الذات في عزلة تامة عن الناس، وخاصة الأقارب والمعارف وجميع الأصدقاء.
صار اسمه يهدد كياني كلما أسمع بذكره، حاول أن يبعث الكثير من الأقارب والوجهاء للتوسط عند أهلي من أجل عودتي إليه لكن جميعها باءت بالفشل، لأنني قررت بحزم أن لا أعود إليه، إلى أن انقطع رجاءه عني، لقد تعلمت أن أكيف حياتي وحيدة بهذا الشكل.
أشعر أحيانا بأني فعلا جادة في غضبي عليه، أنا لا أعتقد يوما أني أخدع نفسي بوهم، فهذه الصلابة التي أحملها هي بعض هداياه، كموقف يهتز أمام الوحدة المجبولة بالأحاسيس المؤلمة، التي ترهق الأعصاب، لقد دمر لي حياتي تماما، تنقبض روحي كلما أسمع بمقدم خطيب جديد، وهذا أمر طبيعي كوني امرأة من عائلة محترمة، جميلة ومثقفة ويلقبونني بالنادرة.
رحت أسير في دربي هادئة دون أن أرى شيئا مما حولي أو أن أحاول رؤية ما يحيط بي، فهو لم يكن هزيل التكوين، بل كان مليحا يلفت النظر، رشيقا متين البنيان، عشت معه العامين في أمان، لقد أخطأ في حقي كثيرا، كان شرس الطباع سرعان ما يهدأ، ويندم على شراسته.
أنا أقر أنه صاحب ضمير يقظ لا يقبل بالظلم، يقول أهلي: إنه أصبح بعد الانفصال خائر القوى، وأن حالته يرثى لها، حتى أنهم صاروا يعطفون عليه، وأنا لا يعطف علي أحد مما رأيت من قساوة طباعه وحدتها.
كان يحاول أن يبعد عني شراسته ويضبط أعصابه وعصبيته التي كانت تثار لأتفه الأسباب، أنا إنسانة أيضا لست معصومة عن الخطأ، وأخطائي أخطاء أي ربة بيت، أخطاء بسيطة مثل كسر بعض الأواني الزجاجية عند الاستعمال، أو حرق الطعام بنسيانه على النار، هذه عنده من الهفوات العظيمة التي لا تغتفر فهو دائما يصفني بإهمال بيتي وانشغالي بالجوال وبالكتاب وبمشاهدة التلفزيون.
أشهد بالله إنه كان هو شديد الثقة بي، لم يشعرني يوما بغير الأمان.
ما الذي تغير صار أهلي دائما يتحدثون عنه ويحاولون إرضائي للعودة إليه.
تقول أمي الوضع تغير وهي لا تعرف ما الذي تغير وتتحدث عنه بحزن وهذا حقها فهو ابن أخيها والعمة أحن الناس على أبناء أخيها، تراهم بمنزلة الأبناء.
أما أنا ربما أصابني هو بداء الخشونة أيضا، لا أريد أن أطيل عليك الحكاية..
فجأة ظهرت على ساحة الأحداث امرأة عجوز حكيمة من الأقارب البعيدين، أشعرتني بالحب وأغدقتني بالعاطفة، ألحت علي ذات يوم أن أخرج معها بمشوار إلى السوق، أنا أحب هذه المرأة، لكني لا أعرف أنها ستضعني أمام مشهد أعدته بحكمة إعدادا جهنميا، جعلتني أواجه حالة أذهلتني، شعرت حينها روحي تهفو إليه، صرت أبكي وأنا أنادي عمة هذا محمد يا عمة؟
ـ نعم، إنه محمد يا ابنتي، وحتى أمك لا تعرف ما الخبر، وهي لا تعرف عن معاناته شيئا، حدثيني يا عمة كيف حدث هذا، إني مقصرة بحقه، وإن كان طليقي فهو ابن خالي، ابن بيت أعزهم.
نظرت إلى محمد فرأيته مطرق الرأس ساكتا، ينظر إلي ودموعه على خديه، يقبع على عربته بانكسار يهد الحيل، يصعب عليه النطق، التحق بطلائع الحشد الشعبي استجابة لنداء المرجعية بروحه، كان مقاتلا شرسا أذهل من معه بشراسته وشجاعته وإقدامه وفي إحدى مواقفه العظيمة احتضن منتحرا كي يبعد التفجير عن الناس، وهذا حاله يا بنيتي أصيب بشلل نصفي أعجزه عن الكلام، فهو بحاجه إليك قلت
عمة أنا مستعدة أن أعمل خادمة عند قدميه، بطل ضحى بما يملك من أجل أن يحافظ على حياة الناس، أنا أول من سيحافظ عليه... وهكذا عدت إليه
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat