الإمام محمد الجواد شمس الهداية وأمل الأمة
الشيخ احمد الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ احمد الساعدي

في ليلة زينتها السماء بنجومها، واستبشرت بها الأرض بركاتها، أشرق نور جديد من آل بيت النبوة، ليُعلن للعالم قدوم الإمام محمد بن علي الجواد، عليه السلام، ذلك الإمام التاسع من سلسلة الأطهار، الذين اصطفاهم الله ليكونوا حججه على خلقه ونبراس الهدى في دياجير الظلام.
وُلِد الإمام محمد الجواد، عليه السلام، في المدينة المنورة في العاشر من شهر رجب سنة 195 هـ، في بيت طاهرٍ عطرٍ بنفحات النبوة، ومن رحم السيدة الطاهرة خيزران، التي كانت مثالًا للتقوى والصلاح. ولأن مولده كان بشرى سماوية طال انتظارها، فقد جاء حاملاً معه البركات والبشائر، ليكون امتدادًا لنهج أبيه الإمام علي بن موسى الرضا، عليه السلام، وحاملًا أمانة الولاية رغم صغر سنه.
إمامته المباركة.
تولى الإمام محمد الجواد الإمامة وهو في الثامنة من عمره، في سابقة أذهلت القريب والبعيد، لكنها أكدت للعالم أن الإمامة مقام إلهي لا يُقاس بالأعمار، بل بما يمنحه الله من علم وحكمة. وعلى الرغم من صغر سنه، فقد كان محط إعجاب العلماء والفقهاء الذين شهدوا له بعلو كعبه في العلم، وسمو إدراكه الذي فاق أعمارهم وتجاربهم.
وقد برزت مكانته العلمية في المناظرات التي عُقدت في بلاط المأمون العباسي، حيث حاول أعداؤه النيل منه بوضعه في مواجهة كبار العلماء، لكن الإمام الجواد كان يُفحمهم بحججه الدامغة وعلمه الواسع. ومن أبرز هذه المناظرات مناظرته مع يحيى بن أكثم، قاضي القضاة، حين سأله عن كفارة قتل الصيد في الحرم، فأجابه الإمام بإجابات مفصلة تنم عن علمٍ شاملٍ بأدق أحكام الشريعة.
كان علم الإمام الجواد علمًا لدنيًا منحه الله له، وقد شمل علوم الدين والدنيا، حتى أصبح مرجعًا للأمة في قضاياها الكبرى. يقول الإمام الجواد: "العلم كنزٌ عظيم، لا يفنى على النفقة، ولا ينجو من الهلكة إلا باكتسابه."
ورعه وتقواه.
كان الإمام محمد الجواد مثالًا للورع والتقوى، حيث عاش حياته كلها في طاعة الله وخدمة الأمة. لم تفتنه زخارف الدنيا ولا إغراءات السلطة، بل كان زاهدًا في كل شيء، متوجهاً بقلبه وروحه نحو الله. كان يقول الإمام علي الهادي عليه السلام : "الدنيا سوقٌ، ربح فيها قوم وخسر آخرون."
ورغم أنه عاش في زمن كثرت فيه المؤامرات والمغريات، إلا أن قلبه كان مملوءًا بخشية الله. وكان حريصًا على تعليم الأمة أهمية التمسك بالقيم الإلهية، فكان يقول: "من أطاع هواه أعطى عدوه مناه."(بحار الأنوار ج ٧٥ ص ٣٦٤)
دوره في إصلاح الأمة.
كرّس الإمام الجواد حياته لإصلاح الأمة، وواجه التيارات الفكرية المنحرفة بالحكمة والرفق. كان يعلم أن إصلاح المجتمع يبدأ بتزكية الفرد، ولذلك كان يحث الناس على مكارم الأخلاق، قائلاً: "لا تكن وليًا لله في العلانية وعدوًا له في السر."
كان الإمام أيضًا نموذجًا للكرم والجود، لا يرد سائلًا، ولا يُغلق بابه أمام محتاج. وقد قال عنه معاصروه إنه كان يعطي بلا حساب، حتى لقب بـ"الجواد".
شهادته وبقاء نوره.
ورغم علمه وفضله، لم يسلم الإمام من كيد الظالمين. دس له المعتصم العباسي السم عن طريق زوجته أم الفضل، ليختتم حياته الجسدية عام 220 هـ، وهو في الخامسة والعشرين من عمره. لكن حياته الروحية ونوره بقيت حاضرةً في قلوب المؤمنين. الإمام الجواد ليس مجرد إمام عاش فترة قصيرة، بل هو شمس أضاءت للأمة طريق الهداية. كان إمامًا بعلمه، زاهدًا بورعه، وقائدًا بحكمته. وكما قال الله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، كما كان الإمام الجواد، عليه السلام، حجة في زمانه، فإننا اليوم في عصر الغيبة الكبرى، نعيش تحت راية إمامنا المهدي المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف، الحجة الغائبة التي تنتظر الأمة يقظتها وإخلاصها. علينا أن نُدرك أن التقرب إلى الله في هذا العصر يكون بالولاء للإمام المهدي، والعمل لنصرته، والاستعداد لظهوره.
إن انتظار الفرج ليس مجرد شعور داخلي، بل هو عمل مستمر لتزكية النفس، وإعداد الأرضية الصالحة لقيام دولة العدل الإلهي. عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام انها قالت : "من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته." (ميزان الحكمة ج ٢ ص ٨٨٢ ) فكما ندعو الله ونخلص في عبادته، فإننا أيضًا مطالبون بأن نكون من أولياء الإمام الحجة وأتباعه المخلصين.
رسالة إلى كل مؤمن.
يا من تطلب رضا الله، اعلم أن الطريق إليه يبدأ بمعرفة الإمام والعمل تحت رايته. لا تكن ممن ينتظر الفرج دون أن يعد العدة، ولا ممن يدّعي الولاء دون أن يعمل. الإمام علي عليه السلام، يقول: "لا تَكُن عبدَ غيرِكَ وقد جعلك اللهُ حرًّا." فاجعل ولاءك خالصًا لله ولحججه الطاهرين، ولا تدع الدنيا تُقيد قلبك. إن أئمة أهل البيت، عليهم السلام، ليسوا مجرد رموز تاريخية، بل هم أبواب الرحمة الإلهية، وسبيل النجاة من كل ظلال. وفي عصرنا هذا، إمامنا الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، هو النور الذي يهدينا إلى الله، والقائد الذي ينتظر منا أن نكون مستعدين لنصرته.
اللهم اجعلنا من أنصاره وأوليائه، ومن العاملين لظهوره، والمخلصين في طاعته، حتى نكون ممن يحيون الأرض بعد موتها، ويقيمون الحق في ربوعها، تحت راية إمام زماننا، بقربك ورضاك يا أرحم الراحمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat