عسكرت حياتي مثل ما يشاءون، وأصبح بيتي خيمة في معسكر من معسكرات الحشد الشعبي، أما أولادي فأوزع لهم أوامر القيادة كل صباح، صرت لا أسمع إلا أخبار الحرب وتحركاتها وآخر منطقة انتقل لها زوجي، انشغالي بتحركات الحشد هي من أهم اهتماماتي، اتصل بزوجي كل يوم لأعرف أين هو ومن هذه المعلومات أحلل زوايا المعركة.
واخمن النتائج، وإن تسألني عن الحنين فهذا آخر ما صرت أفكر به، كيف اصطبغ البهجة وعشرات الضحايا من ابنائنا يذهبون كل يوم ظلما وجورا، الحرب تنمو مع الوقت، والعواطف كلها مشدودة نحو السلام، ليس سهلا أن تفقد شابا في عز شبابه، هذا يعني أن هناك امرأة عراقية اثكلت بابنها، وزوجة عراقية ترملت، وأبناء صغار تيتموا، كل هذا من أجل شعاراتهم الزائفة التي مخضتها الأيام فصارت هباء منثورا.
دارت في رأسي فكرة مجنونة، ارتديت ملابس الحشد وقررت الذهاب مع زوجي إلى الجبهة، استغرب هو الأمر ورفض بشدة، كانت ردة فعله حادة، بينما ردة فعلي هدوء ثقيل أدهش زوجي وأطفالي، سألني لماذا؟
قلت: ـ لكي أتأكد من سلامة الوطن، أعيش الجبهة بعيدة عنها، نحن نحتاج أن نعرف أدق تفاصيلها وألوانها، نعرف الشهداء والجرحى، لنضمد جراح الوطن، كم جرح صار في قلب العراق؟
هل تشعر معنى أن تترك امرأة تتلظى بالحزن والقلق؟
أنتم في الجبهة أكثر سكينة منا وأكثر هدوء، الحرب لا تخيفنا بقدر حزن الانتظار، هل تستطيع امرأة أن تلغي من راسها انتظار زوجها أو ابنها أو أخيها، لن أتنازل عن حقي هذه المرة، سآتي معك إلى الجبهة،
سألني: ـ وأولادنا؟
قلت: ـ لو شئت نأخذهم معنا أو نتركهم عند جدتهم، صاح بقوه هذا جنون، ماذا يقول الناس عني أخذ زوجته لشهر عسل في الجبهة، قفزت فكرة جميلة في رأسي هو مقترح جميل، والله جميل أن نجعل شهر العسل في الجبهات، إنها فكرة رائعة، قلت:
ـ لابد ان ترى الحياة مرة واحدة بعيني أنا، وعليك أن تفهم ما المغزى من أن تذهب كل زوجة مع زوجها للحرب، وما الغريب في الأمر، التاريخ يزدهي بنساء عربيات مقاتلات، وقبل أن يعترض قلت، لا يعنينا كيف تعامل الطرف الآخر مع المرآة، نحن نتعامل معها كإنسانة، كروح، كوطن، عراقية تريد لوطنها الخير، أما إذا خفت علي من الخوف فاطمئن، أنا أكبر من الخوف، وأخيرا نجحت الفكرة، قرر زوجي أن يأخذني للجبهة معه، وصار أولادنا يدلقون خلفنا طاسة الماء لكي نعود إليهم بسلامة، استغرب المقاتلون الأمر في البداية بعد أن اقتنع الكثير منهم وقرروا أن يجلبوا نسائهم معهم، وأن تكون بيوتنا هنا، لقد أدركت يومها أن القضية ليست في غسل الملابس والطبخ وتنظيف الحضيرة، بل القضية لا بد أن يدافع الإنسان عن نفسه، لذلك حملت سلاحي، عرف الجميع قيمة صمودي في المعركة، لهذا قررت أن أتقدم مع السرايا المتقدمة للحرب، حياتي ليست أغلى من حياة أي مقاتل فيهم، بدأت المواجهة وزوجي بجانبي يقاتل، وفجأة اصابتنا قذيفة غادرة وزعت أجسادنا إلى شظايا، ناديت أولادي لتنظيف الغرفة من شظايا الرصاص الذي بعثر أركان الغرفة والبيت.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat