صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

العزاء الحسيني : تحت النقد [ 4 ] تحجيم المطلق ( التصنيم )
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما يتحول الفكر الى خيال ، والخيال الى مجموعة أحلام ، والأحلام تصبح خرافات .. يقع الإنسان ( فرد وأمّة ) في الضياع ، ويترتب على هذا الضياع - كما يقول هيجل - أن تصبح الأشياء المتناهية الهية : الشمس والقمر والنجوم والأنهار والحيوانات والزهور كلها آلهة ، وحين يتحول المتناهي الى اله يفقد - أسباب - دوامه وثباته وجوهريته، فيستحيل تكوين فكرة عقلية عنه ، وعلى العكس يصبح الالهي ملوثاً ومدنساً ومشوهاً ولغواً باطلا . ( محاضرات في فلسفة التاريخ / هيجل / العالم الشرقي ص٣٠ ) .

التجسيد والتعبير والترميز بين الأشياء إحدى لغات البشر ومن أساليب العيش المادي والروحي على هذه الأرض وبالتالي هي تقنية من تقنيات تنسيق العلاقة بين اجزاء هذا الوجود ، المحسوس وغير المحسوس .. ولكن على مقدار أهميتها تكمن خطورتها وحساسيتها .. فالصنم كان تعبيراً عن الاله ، بمرور الزمن أصبح هو الاله ، والشمس كانت عند الفراعنة آلهة القوة والطاقة .. الخ
ولعل من أهم أعمال ومهام الرسالات السماوية كانت محاولة الفصل بين الإله والإلهي ، الدين والتدين ، العلم والعالم .. وتقنين العلاقة بينهما بما يسمح لأكبر استفادة وأقل ضررا ، قال تعالى ( مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ) يوسف ٤٠

استغلّ حكّام الجور من فراعنة وطغاة على مرّ التاريخ هذه المسألة أبشع استغلال ، فتارة أعلنوا أنهم ظل الله في الأرض وتارة أنهم آلهة يعبدون من دون الله ، فسمحوا بذلك لأنفسهم ظلم البلاد والعباد بأبشع أشكال ومستويات الظلم ( وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي ) القصص ٣٨ ، ولهذا كانت لحظة رفع شعار ( مثلي لا يبايع مثله ) التي أطلقها أبو عبد الله عندما أريد منه مبايعة يزيد بمثابة ساعة الصفر في نهضته المباركة .

هذا الفصل والتفريق من الأهمّية بمكان ، لأنه يمنع تقييد وتحجيم المطلق ، ويمنع من إطلاق المقيّد ، فلا الله يصبح صنماً ولا الصنم يكون إلهاً بكل حال من الأحوال ..

بهذه المفهومية ( الدينية والعقلائية والتاريخية ) ينبغي التفريق بين الحسين عليه السلام والحسيني ، وبين القضية الحسينية المقدسة وشعائر ومظاهر إحياء هذه القضية .. والفصل هذا ليس توهيناً بقدر ما هو الحلّ الأمثل للمحافظة على الطرفين ، محافظة بقاء ودوام ونظافة وتهذيب .

فالشاعر والخطيب والكاتب والمحيي لشعائر عاشوراء ليسوا متحدّثين بإسم الحسين عليه السلام ، وإنما كل ما يصدر عنهم خاضع للنقد والتقييم والتقويم .. لأنه بالتالي يعبّر عن مقدار وعيهم وفهمهم للقضية ، وطريقتهم وإسلوبهم لإحياءها وتعظيمها ، وهذا كلّه غير معصوم عن الخطأ ولا الهوى ولا ولا .. لأنه بالتالي عبارة عن إمكانيات بشرية محدودة .

وما الرهاب ( الفوبيا ) والخوف الموجود بداخل كل واحد منّا اتجاه نقد بعض مظاهر العزاء إلا ويعود الى هذا الدمج والتوحيد الخاطىء وغير المقنن بين المطلق والمقيّد ، فهو ليس عن جبن ولا عن صفة سيئة في طباع أحدنا وإنما بسبب هذا الوهم الفكري الذي تم لصقه بكربلاء .

وما يهوّن الخطب أن مهمة تهذيب الشعائر الحسينية ليست بعيدة عن فقهائنا ومفكرينا وخطبائنا .. فأفتوا وكتبوا وقالوا وعملوا على ذلك ولا زالوا بحمد الله ومنّه ، ويكفي أن نطّلع على رسالة التنزيه للسيد محسن الأمين والتي كتبها قبل أكثر من ٩٠ عاما واستطاع وبكل جرأة أن يضع النقاط على كثير من الحروف .. علاوة على الوعي الحسيني والمسؤولية الدينية التي نجدها عند الكثير من الخطباء والشعراء والرواديد والمواكب العزائية التي بدأت تأخذ دور القدوة الحسنة في ذلك .. ولله الحمد .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/06



كتابة تعليق لموضوع : العزاء الحسيني : تحت النقد [ 4 ] تحجيم المطلق ( التصنيم )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net