المعادن في القرآن الكريم (الحديد والنحاس) (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

تكملة للحلقة السابقة عن تفسير الميسر: قوله جلت قدرته "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًاۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد" (سبأ 10) وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ: جعلنا الحديد بين يديه مثل العجين يفتله كيف يشاء. ولقد آتينا داود نبوة، وكتابًا وعلمًا، وقلنا للجبال والطير: سبِّحي معه، وألنَّا له الحديد، فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء. قوله عز وعلا "وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد 25) و أنزلنا الحديد: خلقناه أو هيّـأناه للنّاس. وَ أَنْزَلْنَا الحَدِيدَ: أنزلناه من السماء الى الأرض. لقد أرسلنا رسلنا بالحجج الواضحات، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، وأنزلنا الميزان؛ ليتعامل الناس بينهم بالعدل، وأنزلنا لهم الحديد، فيه قوة شديدة، ومنافع للناس متعددة، وليعلم الله علمًا ظاهرًا للخلق من ينصر دينه ورسله بالغيب. إن الله قوي لا يُقْهَر، عزيز لا يغالَب. قوله جل جلاله "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ﴿ق 22﴾ حديد اسم، حَدِيدٌ: نافذ قوي. لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان، فكشفنا عنك غطاءك الذي غطَّى قلبك، فزالت الغفلة عنك، فبصرك اليوم فيما تشهد قوي شديد. قوله سبحانه "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ" ﴿الرحمن 35﴾ وَنُحَاسٌ: وَ حرف عطف، نُحَاسٌ اسم، الشواظ النار التي لا دخان لها. نحاس: معدن الصُّفر المذاب يصب على رؤوسهم. أو هو دخان بلا لهب أو لهب بلا دخان. يُرْسَل عليكم لهب من نار، ونحاس مذاب يُصَبُّ على رؤوسكم، فلا ينصر بعضكم بعضًا يا معشر الجن والإنس. فبأي نِعَم ربكما أيها الثقلان تكذِّبان؟
تكملة للحلقة السابقة عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا" (الكهف 96) "حتى إذا ساوى بين الصدفين" بضم الحرفين وفتحهما وضم الأول وسكون الثاني، أي جانبي الجبلين بالبناء ووضع المنافخ والنار حول ذلك، "قال انفخوا" فنفخوا "حتى إذا جعله" أي الحديد "نارا" أي كالنار، "قال آتوني أفرغ عليه قِطرا" هو النحاس المذاب تنازع فيه الفعلان، وحذف من الأول لإعمال الثاني النحاس المذاب على الحديد المحمى فدخل بين زبره فصارا شيئا واحدا. قوله جل جلاله "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ" "الرحمن 35" "يرسل عليكما شواظ من نار" هو لهبها الخالص من الدخان أو معه "ونحاس" أي دخان لا لهب فيه "فلا تنتصران" تمتنعان من ذلك بل يسوقكم إلى المحشر.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى: "يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس" (الرحمن 35) "يرسل عليكما شواظ من نار" وهو اللهب الأخضر المنقطع من النار "ونحاس" وهو الصفر المذاب للعذاب عن مجاهد وابن عباس وسفيان وقتادة وقيل النحاس الدخان عن ابن عباس في رواية أخرى وسعيد بن جبير وقيل النحاس المهل عن ابن مسعود والضحاك والمعنى لا تنفذون ولو جاز أن تنفذوا وقدرتم عليه لأرسل عليكم العذاب من النار المحرقة وقيل معناه أنه يقال لهم ذلك يوم القيامة "يرسل عليكما" أي يرسل على من أشرك منكما وقد جاء في الخبر يحاط على الخلق بالملائكة بلسان من نار ينادون "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من" إلى قوله "يرسل عليكما شواظ من نار" وروى مسعدة بن صدقة عن كليب قال كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فأنشأ يحدثنا فقال إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد وذلك أنه يوحي إلى السماء الدنيا أن اهبطي بمن فيك فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس والملائكة ثم يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرتين فلا يزالون كذلك حتى يهبط أهل سبع سماوات فيصير الجن والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ثم ينادي مناد "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم" الآية فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبعة أطواق من الملائكة. وقوله "فلا تنتصران" أي فلا تقدران على دفع ذلك عنكما وعن غيركما وعلى هذا فيكون فائدة الآية إن عجز الثقلين عن الهرب من الجزاء كعجزهم عن النفوذ من الأقطار وفي ذلك اليأس من رفع الجزاء بوجه من الوجوه "فبأي آلاء ربكما تكذبان" أي بإخباره إياكم عن هذه الحالة لتتحرزوا عنها أم بغيره من النعم فإن وجه النعمة في إرسال الشواظ من النار والنحاس على الثقلين هوما في ذلك لهم من الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح وذلك نعمة جزيلة. قوله عز وعلا "وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد 25) "وأنزلنا الحديد" روي عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض أنزل الحديد والنار والماء والملح). وقال أهل المعاني معنى أنزلنا الحديد أنشأناه وأحدثناه كقوله وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج وإلى هذا ذهب مقاتل فقال معناه بأمرنا كان الحديد وقال قطرب معنى أنزلنا هنا هيأنا وخلقنا من النزل وهوما يهيا للضيف أي أنعمنا بالحديد وهيأناه لكم وقيل أنزل مع آدم من الحديد العلاة وهي السندان والكلبتان والمطرقة عن ابن عباس. "فيه بأس شديد" أي يمتنع به ويحارب به عن الزجاج والمعنى أنه يتخذ منه آلتان آلة للدفع وآلة للضرب كما قال مجاهد فيه جنة وسلاح "ومنافع للناس" يعني ما ينتفعون به في معاشهم مثل السكين والفأس والإبرة وغيرها مما يتخذ من الحديد من الآلات.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جلت قدرته "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًاۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد" (سبأ 10) أي وجعلناه ليناً له على ما به من الصلابة. قوله تعالى "أن اعمل سابغات وقدر في السرد" الخ، السابغات جمع سابغة وهي الدرع الواسعة، والسرد نسج الدرع، وتقديره الاقتصاد فيه بحيث تتناسب حلقه أي اعمل دروعاً واسعة واجعلها متناسبة الحلق، وجملة "أن اعمل" الخ، نوع تفسير لإِلانة الحديد له. قوله جل جلاله "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ﴿ق 22﴾ "فبصرك" وهو البصيرة وعين القلب "اليوم" وهو يوم القيامة "حديد" أي نافذ يبصر ما لم يكن يبصره في الدنيا. ويتبين بالآية أولا: أن معرف يوم القيامة أنه يوم ينكشف فيه غطاء الغفلة عن الإنسان فيشاهد حقيقة الأمر، وفي هذا المعنى وما يقرب منه آيات كثيرة كقوله تعالى: "وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ" (الانفطار 19)، وقوله: "لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" (غافر 16)، إلى غير ذلك من الآيات. وثانيا: أن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجود مهيأ له وهو في الدنيا غير أنه في غفلة منه، وخاصة يوم القيامة أنه يوم انكشاف الغطاء ومعاينة ما وراءه، وذلك لأن الغفلة إنما يتصور فيما يكون هناك أمر موجود مغفول عنه، والغطاء يستلزم أمرا وراءه وهو يغطيه ويستره، وعدم حدة البصر إنما ينفع فيما إذا كان هناك مبصر دقيق لا ينفذ فيه البصر. ومن أسخف القول ما قيل: إن الآية خطاب منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: لقد كنت قبل الرسالة في غفلة من هذا الذي نوحي إليك فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يدرك الوحي أو يبصر ملك الوحي فيتلقى الوحي، وذلك لأن السياق لا يساعده ولا لفظ الآية ينطبق عليه.
من المعادن التي تستخدم في الصناعة والتي ذكرها القرآن الكريم الحديد والنحاس وخاصة معدن الحديد الذي يدخل في صناعات عديدة كالصناعات الميكانيكية والسيارات والعجلات المختلفة. ذكرت كلمة معدن النحاس في موضع واحد في القرآن الكريم قال الله تبارك وتعالى "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ" (الرحمن 35) توصل العلماء ان معدن النحاس يتحمل النار. ذكرت كلمة معدن الحديد في خمسة مواضع في القرآن الكريم وقد سميت سورة بأسم الحديد قال الله عز وجل "قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا" (الاسراء 50)، و"آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا" (الكهف 96) يمتاز الحديد وسبائكه المتنوعة بخواصه فى مجال الحرارة والشد والصدأ والبلى والمرونة والمغناطيسية، و"وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ" (الحج 21)، و"وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًاۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيد" (سبأ 10)، و"وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد 25) وردت كلمة انزلنا حيث اثبت العلماء ان النيازك الساقطة على الارض تحوي بين 35 الى 90% من فلز الحديد، و يدخل الحديد في الصناعات الثقيلة والخفيفة، ويدخل الحديد في في حياة النبات والحيوان حيث يدخل في عملية الكلوروفيل الخاصة في التمثيل الضوئى لغرض تنفس النباتات، وتكوين البروتوبلازم الحى المهم لجسم الإنسان والحيوان. لذلك يستفاد من الحديد في صناعة الادوية الحياتية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat