بمناسبة هدم قبور أئمة البقيع: القبر في القرآن الكريم (ح 8)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

كل مجموعة من هذه الحلقات تنشر في أحد المواقع.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" ﴿التوبة 84﴾ نهي عن الصلاة لمن مات من المنافقين والقيام على قبره وقد علل النهي بأنهم كفروا وفسقوا وماتوا على فسقهم، وقد علل لغوية الاستغفار لهم في قوله تعالى: السابق: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم" (التوبة 80)، وكذا في قوله "سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين" (المنافقون 6) بالكفر والفسق أيضا. ويتحصل من الجميع أن من فقد الإيمان بالله باستيلاء الكفر على قلبه وإحاطته به فلا سبيل له إلى النجاة يهتدي به، وأن الآيات الثلاث جميعا تكشف عن لغوية الاستغفار للمنافقين والصلاة على موتاهم والقيام على قبورهم للدعاء لهم. وفي الآية إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي على موتى المسلمين ويقوم على قبورهم للدعاء. قوله جلت قدرته "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ" ﴿التكاثر 2﴾ قال: المقبرة بكسر الميم والمقبرة بفتحها موضع القبور وجمعها مقابر، قال تعالى: "حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ" ﴿التكاثر 2﴾ كناية عن الموت، انتهى. فالمعنى على ما يعطيه السياق شغلكم التكاثر في متاع الدنيا وزينتها والتسابق في تكثير العدة والعدة عما يهمكم وهو ذكر الله حتى لقيتم الموت فعمتكم الغفلة مدى حياتكم. وقيل: المعنى شغلكم التباهي والتباري بكثرة الرجال بأن يقول هؤلاء: نحن أكثر رجالا، وهؤلاء: نحن أكثر حتى إذا استوعبتم عدد الأحياء صرتم إلى القبور فعددتم الأموات من رجالكم فتكاثرتم بأمواتكم. وهذا المعنى مبني على ما ورد في أسباب النزول أن قبيلتين من الأنصار تفاخرتا بالأحياء ثم بالأموات، وفي بعضها أن ذلك كان بمكة بين بني عبد مناف وبني سهم فنزلت السورة.
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن البقيع (مقبرة): بناء القبور و القباب في البقيع: قضية دفن أموات المسلمين، والشخصيات الدينية في البقيع والعناية الفائقة للمسلمين وتأكيدهم على استحباب زيارة قبور الصالحين والمؤمنين أدى إلى بناء أضرحة وقبب ومباني على هذه القبور، فمن ذلك يمكن الإرشارة إلى قبر العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى اله عليه واله وسلم، وأربعة من أئمة الشيعة فضلاً عن شخصيات أخرى من بني هاشم وأقرباء النبي صلی الله عليه وآله وسلم والصحابة والعلماء ووالنخب من المسلمين على مدى التاريخ، كما وقد بني على القبور قبب ووضعت لها أضرحة حيث زارها السياح، ووردت أخبار موثقة في الكتب والمصادر، فيصف الرحالة ابن بطوطة في النصف الأول من القرن الثامن للهجرة البقيع: يقع بقيع الغرقد شرقي المدينة المنورة وفيه قبر مالك بن أنس وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء وأمامه قبر السلالة الطاهرة المقدسة النبوية الكريمة إبراهيم بن رسول الله صلى اله عليه واله وسلم، وعليه قبة بيضاء وروضة فيها قبر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الأحكام عن يمين الخارج من باب البقيع ورأس الحسن إلى رجلي العباس عليه السلام وقبراهما مرتفعان عن الأرض متسعان مغشيان بألواح بديعة الالتصاق مرصعة بصفائح الصفر. كما وتحدث الصفدي عن قباب لقبور أربع أئمة من الشيعة، والعباس عم النبي صلى اله عليه واله وسلم. أما بركهارت الذي قام برحلة إلى المدينة بعد أن وصلت الوهابية إلى سدة الحكم، لفت إلى أن البقيع باتت من أحقر مقابر الشرق آنذاك، وتعتبر مقبرة البقيع كمقبرة حمزة في أحد أو مسجد قباء أول مسجد في الإسلام من الأحياء التي تقع في ضاحية المدينة ومن الأماكن المقدسة، وقد يقصدونها الحجاج، ويعدون زيارتها في جملة الأعمال التعبدية. فرهاد ميرزا أحد أمراء القاجارية سنة 1293 ش، ومحمد حسين خان فراهاني سنة 1303 ش هكذا يصفان البقيع: البقيع يشتمل على بقع متعددة منها بقعة لقبور أربعة من الأئمة عليه السلام والعباس عم الرسول، وقبر منسوب إلى السيدة الزهراء عليه السلام كما وعليه ستار مطراز أهدي من قبل السلطان أحمد العثماني سنة 1311 هـ، وبقعة لقبور بنات الرسول الأعظم صلى اله عليه واله وسلم، وبقعة لزوجاته صلى اله عليه واله وسلم، كما وهناك بقع أخرى.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" ﴿الممتحنة 13﴾ الغرض تحذير المؤمنين من أعداء اللَّه والحق، وان لا يأمنوهم على شيء من أخبار الرسول صلى الله عليه واله وسلم والمسلمين، ولا يركنوا إلى أكاذيبهم ودسائسهم، لأنهم لا يرجون لقاء اللَّه، والبعث عندهم تماما كرجوع الموتى إلى الحياة الدنيا، ومن أجل هذا غضب اللَّه عليهم وأعدّ لهم عذابا أليما. قوله جل جلاله "وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ" ﴿الحج 7﴾. قوله عز من قائل "وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ" ﴿الإنفطار 4﴾ البعثرة والبحثرة في اللغة إثارة الشيء بقلب باطنه إلى ظاهره، وبالعكس، والمراد هنا من البعثرة ان الساعة آتية لا ريب فيها "وأَنَّ اللَّهً يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" (الحج 7) ذلك إشارة إلى الأمر والشأن، ومعنى اللَّه هو الحق ان الحكم والسلطان له وحده لا شريك له، وانه لا وجود إلا منه. ويتفرع على ذلك أنه هو المبدئ والمعيد، وان النشأة الثانية حتم لا مفر منها، تماما كالنشأة الأولى، بل إن هذه وسيلة وطريق إلى الثانية التي هي غاية الغايات، لأنها تعود بالإنسان إلى خالقه، وتوقفه بين يديه للحساب والجزاء، ولأنها دائمة باقية، والنشأة الأولى زائلة فانية، والفاني وسيلة إلى الباقي. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى: "وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56) أي الا ليعملوا للآخرة. قوله جل وعلا "أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ" ﴿العاديات 9﴾ وبعثر ما في القبور خرج منها الموتى للحساب والجزاء.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" ﴿الممتحنة 13﴾ ذلك أنّ موتى الكفّار سيرون نتيجة أعمالهم في البرزخ حيث لا رجعة لهم لجبران ما مضى من أعمالهم السيّئة، لذلك فإنّهم يئسوا تماماً من النجاة، وهؤلاء المجرمون في هذه الدنيا قد غرقوا في آثامهم وذنوبهم إلى حدّ فقدوا معه كلّ أمل في نجاتهم، كما هو الحال بالنسبة للموتى من الكفّار. قوله جل جلاله "وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ" ﴿الحج 7﴾ فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات باُمّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام. وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟ فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟. قوله عز من قائل "وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ" ﴿الإنفطار 4﴾ واُخرج الموتى للحساب. (بعثرت): قلب ترابها وأثير ما فيها. واحتمل (الراغب) في مفرداته: إنّ (بعثرت) تكونت من كلمتين، (بعث) و (اُثيرت)، فجاء المعنى منهما، كقولنا: (بسملة) من (بسم) ولفظ الجلالة (اللّه). وعلى آيّة حال، فإننا نرى شبيه هذا المعنى قد ورد في سورة الزلزلة: "وأخرجت الأرض أثقالها" أي الأموات (بناءً على المشهور من تفاسيرها)، وفي الآيتين (13 و14) من سورة النّازعات: "فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ" (النازعات 13-14). وتوضح الآيات إنّ إحياء الموتى وإخراجهم من القبور سيكون مفاجئاً وسريعاً. قوله جل وعلا "أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ" ﴿العاديات 9﴾. "بعثر" من (البعثرة) وهي البعث والإِثارة والإِخراج وبعثرة ما في القبور: بعث الموتى واخراجهم من القبور. "ما" اسم موصول لغير العاقل عادة، وإنّما قال سبحانه: "مَا فِي الْقُبُورِ" ﴿العاديات 9﴾ إمّا لكون الأفراد أمواتاً، أو لأنّهم لا يزالون في حالة إبهام بالنسبة لهويتهم. والتعبير بالقبور لا يتنافى مع عدم وجود قبر لبعض الأفراد، كالذين يغرقون في البحر، أو المندرسة قبورهم، والمتفرق تراب رفاتهم. لأن أغلب النّاس لهم قبور، أضف إلى ذلك أن القبر يمكن أن يكون له معنى واسع يشمل كل محل فيه تراب جسد الإِنسان، وإن لم يكن بشكل قبر اعتيادي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat