صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

في ظلال طوفان الأقصى "52" عودٌ بعد غياب واستئنافٌ على أعتاب النصر
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مضى شهرٌ كاملٌ بالتمام والكمال، لم أكتب خلاله كلمةً واحدةً، ولم أنشر مقالاً أو أعقب على حدثٍ، ولم أشارك في برنامجٍ تلفزيوني أو إذاعي، ولم ألبِ أحداً لندوةٍ أو لقاء، اعتذرت عنها دون إبداء الأسباب، ولم أرد على كثيرٍ منها قصداً خشية الإحراج، إذ آثرت الصمت والعزوف، وفضلت العزلة والوحدة، والنأي بالنفس عن القريب والبعيد، والاكتفاء بالمتابعة ومشاهدة الأحداث، والتنقل بين المحطات الفضائية التي تنقل الصور والمشاهد، ومتابعة المواقع والمراكز التي تحلل وتناقش، وتتابع وترصد، وتتوقع وتتنبأ، رغم أن أغلب مشاهدها باتت متشابهة، وأحداثها متكررة، وما يحدث قد حدث مثله وجرى ما يشبهه، في المكان نفسه أو في أماكن أخرى كثيرة، والقاتل نفسه بسلاحه وسلاح غيره، والمقتول شعبي وأهلي، وبعض أهل بيتي أو جيراني.

شعرت خلال الشهر الذي انصرم بألمٍ ووجعٍ كبيرين، وبالكثير من الحزن والأسى، وبغير قليلٍ من العجز والضعف، الذي ربما ترك آثاره على الجسد والنفس معاً، علةً وحسرةً، ومرضاً ووهناً، واعتزالاً وانطواءً، وقد انتابتني خلاله موجاتٌ متباينة من المشاعر المختلطة، التي لم أعرف سبيلاً للخروج منها أو التعامل معها، فشعبي يقتل، وأهلي يشردون، وبيوتنا تدمر، ومعالم الحياة في أرضنا تعدم، وأطفالنا يموتون جوعاً وآباؤهم قهراً، حيث لا يجدون لقمةً تحفظ حياتهم، أو شربة ماء تروي ظمأهم، بينما يقتل يومياً المصطفون في الساحات العامة وهم ينتظرون المعونات والمساعدات، ولا أعرف ماذا أقدم لهم لأخفف عنهم وأساعدهم، أو أنقذهم وأحميهم، وأرد الموت عنهم أو أصد الجوع عن صغارهم.

لعلها المرة الأولى التي أتوقف فيها عن الكتابة واللقاءات الإعلامية منذ سنواتٍ طويلة، إذ اعتدت الكتابة يومياً، والمشاركة في مختلف البرامج السياسية المتعلقة بقضيتنا الفلسطينية، تعقيباً وتحليلاً وقراءة واستطلاعاً، وكنت لا أقصر ولا أتردد، ولا أمل ولا أتعب، ولا أقنط ولا أيأس، ولا أرد سائلاً ولا أعتذر عن برنامج، بل كنت أتهم دائماً أنني أُكثر وأسهب، وأفرط في التفاؤل وأستبشر، وامتدح من غيرهم بأنني غزير الكتابة سيال القلم، حاضر الفكرة جاهز الكلمة، التي أراها دوماً طلقةً سريعةً وقذيفةً مؤثرة، لا تقل عن سلاح الميدان أثراً وفعلاً، إلى جانب غيرها من مختلف الوسائل والأدوات التي تفضح جرائم العدو وتكشف طبيعته، وتظهر مظلومية شعبنا ومعاناته جراء الاحتلال وعدوانه.

لست يائساً ولا محبطاً، ولا أشعر بالعجز ولا بالهوان، ولا بالضعف أو الضعة، بل لعلني أنا المسكون يقيناً وأملاً، الواثق نصراً وعزةً، أرى تباشير النصر وأمارات الفتح، وأسمع أهازيج النصر وتكبيرات الفرح، رغم الجراح والآلام، وآلاف الضحايا والشهداء، ومشاهد الدمار والخراب، وتآمر العالم الحر ضدنا، وتكالب الحلفاء مع الكيان علينا، وتخاذل الأنظمة العربية وصمتها عن الجرائم التي يرتكبها العدو في حقنا، فهذه المحنة ستنتهي، وهذه الغمة وإن طالت فإنها ستزول، ومن بين الركام سيخرج شعبنا عملاقاً كالطود، ومن تحت الرماد ستتقد جمرتنا لاهبةً كقطعة نارٍ، وحينها سيعلم العدو ومن تحالف معه أو تآمر ضدنا، أي منقلبٍ ينقلبون.

اليوم الخامس من شهر رمضان المعظم، الذي يصوم أيامه القاسية شعبنا الجائع في قطاع غزة، أعود فأستل قلمي من جديد، وأبريه وأحده، وأغمسه بمدادٍ من الدم، لأكتب به ما أستطيع دفاعاً عن شعبي، ومساهمةً في نضاله، وتخفيفاً من معاناته، وتسليطاً للضوء على تضحياته وعطاءاته، فشعبنا العظيم في قطاع غزة خاصةً، وفي القدس والضفة الغربية عموماً، يستحق منا أن ننصره دائماً، وأن نقف إلى جانبه، وأن نؤيده في نضاله ومقاومته، وأن نقوم بغاية ما نستطيع دفاعاً عنه، فقد أرانا من صبره وثباته، وتضحياته واحتسابه، وأظهر لنا من قدراته وإمكانياته واستبساله وعناده، ما جعلنا نفخر بالانتماء له والانتساب إليه، فاللهم وفقني وغيري في أن يكون لنا دورٌ وسهم، وأن ينالنا شرف المقاومة والعمل معها، وأن يظللنا نصرك الذي وعدت.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/03/16



كتابة تعليق لموضوع : في ظلال طوفان الأقصى "52" عودٌ بعد غياب واستئنافٌ على أعتاب النصر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net