مفردات ولادة السيد المسيح عليه السلام في القرآن الكريم (ذات قرار)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن قرار ومشتقاتها "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" ﴿المؤمنون 50﴾ ذات قرار اي يستقر فيه ويعمر، وَمَعِينٍ: وَ حرف عطف، مَعِينٍ اسم. المعين: الماء الجاري الظاهر المنكشف. وَمَعِينٍ: نبع الماء الجاري وهو النهر. ذات قرار اي يستقر فيه ويعمر. وجعلنا عيسى بن مريم وأمه علامة دالة على قدرتنا؛ إذ خلقناه من غير أب، وجعلنا لهما مأوى في مكان مرتفع من الأرض، مستوٍ للاستقرار عليه، فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون. و "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" ﴿ابراهيم 26﴾ قرار اسم اي ثبات وسكن، و"جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ" ﴿ابراهيم 29﴾ القرار اي المقر،"ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" ﴿المؤمنون 13﴾ قرار مكين اي الرحم، و"أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" ﴿النمل 61﴾ الارض قرارا اي ساكنة لا تهتز، و"قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ" ﴿ص 60﴾ القرار اي المقر او المصير، و"يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" ﴿غافر 39﴾ دار القرار اي دار الاقامة الابدية، و"اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" ﴿غافر 64﴾ الارض قرارا اي مستقرا للعيش، و"فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ" ﴿المرسلات 21﴾ قرار مكين اي الرحم، و"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" ﴿الأحزاب 33﴾ قرن في بيوتكن اي ألزمن بيوتكن، و"مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ" ﴿الحج 5﴾ ونقر: الواو حرف عطف، نقر فعل، نقر في الارحام اي نبقي في الرحم الجنين حيا اذا شاء الله سبحانه.
جاء في موقع المعاني: قرر قر في مكانه يقر قرارا، إذا ثبت ثبوتا جامدا، وأصله من القر، وهو البرد، وهو يقتضي السكون، والحر يقتضي الحركة، وقرئ: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" (الاحزاب 33): أصله اقررن فحذف إحدى الراءين تخفيفا نحو: "فظلتم تفكهون" (الواقعة 65)، أي: ظللتم. قال تعالى: "جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا" (غافر 64)،"أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا" (النمل 61)، أي: مستقرا، وقال في صفة الجنة: "ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" ﴿المؤمنون 50﴾، وأولها: "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" ﴿المؤمنون 50﴾ وليست الآية في صفة الجنة كما قال المؤلف المستدرك، بل المراد بالربوة: دمشق، وقيل غيرها من القرى كما جاء في الدر المنثور 6/100، وفي صفة النار قال: "فَبِئْسَ الْقَرَارُ" ﴿ص 60﴾، وقوله: "اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ" ﴿ابراهيم 26﴾.
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله تعالى "ربوة ذات قرار ومعين" (المؤمنون 50) قيل هي دمشق، والربوة مثلثة الراء الارتفاع من الأرض، وذات قرار يستقر فيها الماء للعمارة. قوله عز وجل "قرت عين لي ولك" (القصص 9) مشتق من القرور وهو الماء البارد، ومعنى قولهم: أقر الله عينك: أبرد الله دمعتك لان دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة، وقيل: أقر الله عينك أنامها من قر يقر سكن، و "ربوة ذات قرار" (المؤمنون 50) يستقر فيها الماء للعمارة، و "فمستقر ومستودع" (الانعام 98) يعني الولد مستقر في صلب الوالد أو فوق الأرض ومستودع في رحم الأم أي الوالدة أو تحت الأرض، وقيل: مستقر في القبر ومستودع في الدنيا، و "يعلم مستقرها ومستودعها" (هود 6) أي مأواها على ظهر الأرض ومدفنها، وقيل: كما تقدم وقوله: "لكم في الأرض مستقر" (البقرة 36) (ال عمران 23) أي موضع استقرار، و "الشمس تجري لمستقر لها" (يس 38) أي لحد لها موقت مقدر تنتهي إليه من فلكها آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لمنتهى لها من المشارق والمغارب حتى تبلغ أقصاها فذلك مستقرها لأنها لا تعدوه، أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب، وقوله: "لكل نبأ مستقر" (الانعام 67) أي منتهى في الدنيا أو في الآخرة ترونه، و "كل أمر مستقر" (القمر 3) أي منتهاه في الدنيا أو في الآخرة.
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز من قائل "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون 50) "وجعلنا ابن مريم" عيسى "وأمه آية" لم يقل آيتين لأن الآية فيهما واحدة: ولادته من غير فحل، "وآوينهما إلى ربوة" مكان مرتفع وهو بيت المقدس أو دمشق أو فلسطين، أقوال "ذات قرار" أي مستوية يستقر عليها ساكنوها، "ومعين" وماء جار ظاهر تراه العيون. وجاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ" (المؤمنون 50) بيان لجانب مما أنعم به سبحانه على عيسى وأمه. والربوة: المكان المرتفع من الأرض. وأصلها من قولهم: ربا الشيء يربو، إذا ازداد وارتفع، ومنه الربا لأنه زيادة أخذت على أصل المال. ومعين اسم مفعول من عانه إذا أدركه وأبصره بعينه، فالميم زائدة، وأصله معيون كمبيوع ثم دخله الإعلال. والكلام على حذف مضاف. أى: وماء معين. أى: ومن مظاهر رعايتنا وإحساننا إلى عيسى وأمه أننا آويناهما وأسكناهما، وأنزلناهما في جهة مرتفعة من الأرض، وهذه الجهة ذات قرار، أى: ذات استقرار لاستوائها وصلاحيتها للسكن لما فيها من الزروع والثمار، وهي في الوقت ذاته ينساب الماء الظاهر للعيون في ربوعها. قالوا: والمراد بهذه الربوة: بيت المقدس بفلسطين، أو دمشق، أو مصر. والمقصود من الآية الكريمة: الإشارة إلى إيواء الله تعالى لهما، في مكان طيب، ينضر فيه الزرع، وتطيب فيه الثمار، ويسيل فيه الماء ويجدان خلال عيشهما به الأمان والراحة.
جاء في كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "وَ جَعَلنَا ابنَ مَريَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيناهُما إِلي رَبوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ" (المؤمنون 50) يقال: آوي اليه يأوي، و آواه غيره يؤويه إيواء أي جعله مأوي له. (و الربوة) المكان المرتفع علي ما حوله. و الربوة الّتي أويا اليها في الرملة في قول أبي هريرة و قال سعيد بن المسيب: هي دمشق، و قال إبن زيد: هي مصر. و قال قتادة هي بيت المقدس. و قال ابو عبيدة: يقال: فلان في ربوة من قومه أي في عز و شرف، و عدد. و قوله "ذات قرار" أي تلك الربوة لها ساحة و سعة أسفل منها. و (ذات معين) أي ماء جار، ظاهر بينهم. و قيل: معني "ذات قرار" ذات استواء يستقر عليه. و معين ماء جار ظاهر للعيون في قول سعيد و الضحاك و قال قتادة "ذات قرار" ذات ثمار، ذهب إلي انه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها. و معين (مفعول) من عنته أعينه، و يجوز أن يکون (فعيلا) من معن يمعن، و هو الماعون، و هو الشيء القليل في قول الزجاج- قال الراعي: قوم علي الإسلام لما يمنعوا * ما عونهم و يبدلوا التنزيلا. قيل معناه وفدهم. و قيل: زكاتهم. و أمعن في كذا إذا لم يترك منه إلا القليل. و قال الفراء: المعن الاستقامة. قال عبيد بن الأبرص: واهية او معين ممعن * أو هضبة دونها لهوب، واحدها لهب، و هو شق في الجبل، واهية أي وهت. و مطر ممعن أي مار.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل "وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ" (المؤمنون 50) استعملت (الآية) عبارة (ابن مريم) بدلا من ذكر اسم عيسى عليه السّلام، لجلب الانتباه إلى حقيقة ولادته من أمّ دون أب بأمر من اللّه، و هذه الولادة هي بذاتها من آيات اللّه الكبيرة. و حمل مريم عليهما السّلام من غير أن يمسّها بشر، و انجابها عيسى عليه السّلام وجهان لحقيقة واحدة تشهد بعظمة اللّه سبحانه المبدعة و قدرته. ثمّ أشارت الآية إلى الأنعم الكبيرة التي أسبغها اللّه على هذه الامّ الزكيّة و ابنها فتقول: "وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ" (المؤمنون 50). (الربوة) مشتقّة من (الربا) بمعنى الزيادة و النمو. و تعني هنا المكان المرتفع. و (المعين) مشتقّ من (المعن) على وزن (شأن) بمعنى جريان الماء، فالماء المعين هو الماء الجاري. و يرى البعض أنّ (المعين) مشتق من (العين) أي نبع الماء الظاهر الذي يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة. و في هذا إشارة مجملة إلى المكان الآمن الوارف البركات و الخيرات، الذي منّ اللّه عزّ و جلّ به على هذه الامّ و ابنها و جعلهما في أمان من شرّ الأعداء، يؤدّيان واجباتهما باطمئنان. و اختلف المفسّرون في هذا المكان، فبعض يرى أنّ مولد السيّد المسيح عليه السّلام كان في (الناصرة) (من مدن الشام). و قد جعله اللّه و أمّه في مكان آمن ذي خيرات، و حافظ عليه من شرّ الأعداء الذين أرادوا أن يكيدوا بعد علمهم بولادته و مستقبله. و يرى آخرون أنّ هذا المكان الآمن هو (مصر)، لأنّ مريم عليها السّلام و ابنها السيّد المسيح عليه السّلام عاشا فترة من حياتهما في مصر طلبا للنجاة من شرّ الأعداء. و قال غيرهم: إنّ المسيح عليه السّلام ولد في (دمشق)، و ذهب سواهم إلى أنّه في (الرملة) في الشمال الشرقي من القدس، حيث عاش المسيح و امّه عليهما السّلام في كلّ من هذه المناطق فترة من حياتهما. و يحتمل أن يكون مولد السيّد المسيح عليه السّلام في صحراء القدس، و قد جعله اللّه أمنا لهذه الامّ و الوليد، و فجرّ لهما ماء معينا و رزقهم من النخل الجافّ رطبا جليّا. و على كلّ حال، فقد كانت الآية دليلا على حماية اللّه تعالى الدائمة لرسله و لمن يدافع عنهم. و تأكيدا على أنّ إرادة اللّه هي الأقوى، فلو أراد الملأ كلّهم قتل رسوله دون إذنه لما تمكّنوا. فالوحدة و قلّة الأنصار و الأتباع لا تكون سببا لهزيمتهم إطلاقا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat