صفحة الكاتب : علي علي

الأعمى وشباج الكاظم
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  يتقلب يوم العراقيين كعادتهم بين ليل مظلم ونهار أكثر ظلاما، وصباح حالك ومساء أشد حلكة، وبين هذا وذاك يأتي بصيص ضوء من كوة أضيق من سم الخياط، لايستشعره إلا القلة القليلة من الناجين سهوا، او المؤجل إعدامهم تحت قبة برلمانهم، أو قبب أخريات يعرف دهاليزها الحكام، تنضوي تحت طائلة المؤسسات التي تميّع حقوق المواطن، وبالتالي يميّع وجوده وكيانه فيكون نسيا منسيا.

ووفق هذا الواقع المعاش، فإن الفصل بين ساحة حرب وموت، وساحة سلم وحياة، ماعاد ممكنا، إذ جثم شبح الموت على كل صفحات الحياة، وخيم الظلام على نهار المواطن بعد أن كان مقتصرا على ليله، مع انعدام أمل الخلاص القريب والرجاء البعيد، ولسان حاله يجسد الدارمي:

أظلم سبع كامات بير الطحت بيه

            لادرج واصعد بيه وفوكايه شمات

  لم يكن ماتقدم من سطور سيناريو مشهد مسرحي، او فكرة فلم رعب، ولا هو تهيؤات محتضر، او هلوسة مجنون، أو خربشات معتوه، إنما هو قراءة سريعة لواقع مرير يعيشه أكثر من أربعين مليون شخص، يشغلون مساحة (437,072) كم مربعا، اشتركوا جميعهم باقتسام القلق والخوف من الحاضر ومن المستقبل على حد سواء، كما تقاسموا ضنك العيش والسعي وراء الرزق باحثين عنه، لاهثين وراءه في أضيق منافذه، وكانت لهم الحصة الأكبر من التهجير القسري والسفر المحتوم الذي ماكانوا يختارونه إلا كحلّ وحيد، وخطوة لامناص من اتخاذها منطلقا الى دول مشارق الأرض ومغاربها، تاركين أهليهم ووطنهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه، لعلهم يجدون ضالتهم هناك في أمنهم وعيشهم.

  أما الذين ارتأوا البقاء داخل حدود العراق تحت مطارق العيش القلق، والخوف المستديم، والموت المداهم على الأبواب، كانوا قد شكروا الله كثيرا قبل عشرين عاما، حين انقشع عنهم مسبب كل هذه المعاناة، إذ انفتحت أمامهم أبواب الأمل على مصاريعها، وظنوا أن الحلم في العيش الهانئ الرغيد في بلدهم آن له أوان التحقيق، لكن، أتت الرياح بما لايشتهون، فصاروا يرددون صباح مساء:

رب يوم بكيت فيه فلما

           صرت في غيره بكيت عليه

  اليوم، يعود العراقيون من جديد إلى مضغ آلامهم على أضراس نخرها اليأس من التغيير، التغيير الذي لم يبق من مسامير نعشه إلا مسمار واحد، لعله الفسحة التي لولاها لضاق عيشهم حد إزهاق الأرواح، بعد أن تكالبت على أرزاقهم وخيرات بلادهم، حكومات وشخوص التصقت بكراسي التحكم، واستقتلت من أجل الربح والريع والمردود والمنافع والأخذ، واختفت من قواميسهم مصطلحات الإيثار والتضحية والعطاء، وهم يحتمون دوما بأغطية جاهزة، منها دينية ومنها عشائرية وأخرى مناطقية، فضلا عن الحزبية والكتلوية والإقليمية، وفي كل الأحوال هم متشبثون بكراسيهم لامحالة، وجسدوا مثلنا القائل: (أعمى وجلّب بشباج الكاظم)

  نعم، هذه المعطيات رغم قسوتها، باتت حقيقة واقعة على أوسع نطاق في مفاصل البلاد، وقد يرسم بعض العراقيين صورا جميلة لقادم الأيام، متوسمين بفرسان الأحلام الجدد الذي سيعتلون صهوة المناصب تشريعا وتنفيذا، عاجلا بالانتخابات المبكرة، أو آجلا بمواعيدها المنصوص عليها دستوريا، أن يأتوا لهم بـ (الذيب من ذيلو) وظانين أن حكامهم الجدد سيجعلون الشمس تشرق عليهم من الغرب، لتنير جانبهم الذي بات مظلما وأضحى كذلك طيلة عقود.

غير أن الحقيقة المرة واليقين المؤلم، هو إيمان معظم العراقيين أن رسمهم هذا من وحي الخيال، وهو لا يجدي نفعا ليكون واقعا ملموسا، فهم يعيشون حاضرهم، على أطلال ماضيهم، دون التطلع إلى مستقبل أفضل بعدما أضحى سرابا.

aliali6212ghaith@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/12/22



كتابة تعليق لموضوع : الأعمى وشباج الكاظم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net