صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

مفهوم الأرض المقدسة في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


قال الله تعالى "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ" ﴿المائدة 21﴾ الْأَرْضَ: الْ اداة تعريف، أَرْضَ اسم، الْمُقَدَّسَةَ: الْ اداة تعريف، مُقَدَّسَةَ صفة، يا قوم ادخلوا الأرض المقدَّسة: المطهرة، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة -أي المطهرة، وهي (بيت المقدس) وما حولها التي وعد الله أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار، ولا ترجعوا عن قتال الجبارين، فتخسروا خير الدنيا وخير الآخرة.
جاء في في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: "فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (المائدة 26) الضمير في قوله "فَإِنَّها" راجعة إلى الأرض المقدسة، والمراد بالتحريم التحريم التكويني وهو القضاء، والتيه التحير، واللام في "الْأَرْضِ" للعهد، وقوله "فَلا تَأْسَ" نهي من الأسى وهو الحزن، وقد أمضى الله تعالى قول موسى عليه ‌السلام حيث وصفهم في دعائه بالفاسقين. والمعنى: أن الأرض المقدسة أي دخولها وتملكها محرمة عليهم، أي قضينا أن لا يوفقوا لدخولها أربعين سنة يسيرون فيها في الأرض متحيرين لا هم مدنيون يستريحون إلى بلد من البلاد، ولا هم بدويون يعيشون عيشة القبائل والبدويين، فلا تحزن على القوم الفاسقين من نزول هذه النقمة عليهم لأنهم فاسقون لا ينبغي أن يحزن عليهم إذا أذيقوا وبال أمرهم. بل يؤكده فإن قوله "كَتَبَ اللهُ لَكُمْ" (المائدة 21) كلام مجمل أبهم فيه ذكر الوقت وحتى الأشخاص، فإن الخطاب للأمة من غير تعرض لحال الأفراد والأشخاص، كما قيل: إن السامعين لهذا الخطاب الحاضرين المكلفين به ماتوا وفنوا عن آخرهم في التيه ، ولم يدخل الأرض المقدسة إلا أبناؤهم وأبناء أبنائهم مع يوشع بن نون، وبالجملة لا يخلو قوله "فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً" (المائدة 26) عن إشعار بأنها مكتوبة لهم بعد ذلك. وهذه الكتابة هي التي يدل عليها قوله تعالى "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ" (القصص 6) وقد كان موسى عليه‌السلام يرجو لهم ذلك بشرط الاستعانة بالله والصبر حيث يقول "قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الاعراف 129). وهذا هو الذي يخبر تعالى عن إنجازه بقوله "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا" (الاعراف 137) فدلت الآية على أن استيلاءهم على الأرض المقدسة وتوطنهم فيها كانت كلمة إلهية وكتابا وقضاء مقضيا مشترطا بالصبر على الطاعة وعن المعصية، وفي مر الحوادث.
جاء في كتاب القصص القرآني للسيد محمد باقر الحكيم: خروج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر: وحين واجه موسى محاولة اغتياله ورأى اصرار فرعون وقومه على اضطهاد بني إسرائيل وتعذيبهم، ووجد أنه لم تنفع بهم الآيات والمواعظ، صمم على الخروج ببني إسرائيل من مصر والعبور بهم إلى جهة الأرض المقدسة، وقد نفذ موسى هذه العملية وسار ببني إسرائيل متجها إلى سيناء. ولم يقف فرعون وقومه معه امام هذه الهجرة مكتوف اليدين، بل جمع جنده من جميع المدائن وقرر ملاحقة موسى وبنى إسرائيل وارجاعهم إلى عبوديته بالقوة. ووجد موسى وبنو إسرائيل نتيجة هذه المطاردة أنفسهم والبحر من امامهم وفرعون وجنوده من خلفهم، وارتاع بنو إسرائيل من هذا الموقف وكادوا يكذبون ما وعدهم به موسى من الخلاص، ولكن موسى بايمانه الوطيد اخبرهم أن الله سبحانه سوف يهديه طريق النجاة، وتحقق ذلك فعلا إذ أوحى الله "إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ" (الشعراء 63)، ويظهر بينهما طريق يبس يعبر من خلاله بنو إسرائيل ويحاول فرعون وجنوده أن يتبعوهم من هذا الطريق أيضا، وإذا بجانبي البحر يلتقيان فيغرق مع جنده.
في قصة موسى عليه السلام: "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ" ﴿البقرة 51﴾ حيث ترك موسى عليه السلام 40 ليلة قومه وخلال هذه الفترة القصيرة عند رجوعه فاذا بهم يعبدون العجل. وقال تعالى "قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ" ﴿المائدة 26﴾ وقد حرم الله عز وجل على قوم موسى دخول الأرض المقدسة 40 سنة تائهين في الصحراء. وقال سبحانه وتعالى "وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" ﴿الأعراف 142﴾ وعد الله تعالى موسى عليه السلام حيث جعل موسى أخيه هارون عليهما السلام خليفة على قومه خلال هذه الفترة وقدم له ارشادات في أصلاح هؤلاء القوم الفاسدين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/10/16



كتابة تعليق لموضوع : مفهوم الأرض المقدسة في القرآن الكريم (ح 3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net