البعث عام والرجعة خاصة.
ففي القرآن قال تعالى : (والموتى يبعثهم الله، ثم إليه يرجعون). (1) فهذا بعثٌ عام لجميع الموتى (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا).(2)
قال أحدهم للإمام الصادق (ع) : يزعم العامة أن هذه الآية يوم القيامة. فقال له الإمام (يحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين؟ لا . ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة فهي قوله تعالى: (وحشرناهم فلم نُغادر منهم أحدا).(3)
وعن الرجعة قال الإمام الصادق(ع) : (الرجعة ليست بعامة وهي خاصة، لا يرجع إلا من محض الإيمان محض).(4) وهذا ما أجمعت عليه الكتب السماوية: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ... الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد).(5) فلا يوجد من يرث الأرض افضل من الأنبياء والصالحين ممن ثبت على الإيمان ومات عليه. لأن المهدي عليه السلام ليس بحاجة إلى حشد جماهيري تم التلاعب بعقله، بقدر حاجته إلى قيادات تقوم أولا بإعداد القواعد الجماهيرية الصالحة لكي تكون على مستوى المسؤولية لقيادة العالم . فيبعث الله الأنبياء والصالحين أولا لكي يستخدموا تجاربهم مع الأمم واستخدام معاجزهم في دفع الناس للإيمان.ومن هنا نعرف علّة وجود السيد المسيح عليه السلام حيا، وكذلك بعض النبياء والصالحين.
وقد ذكر القرآن والكتب السماوية الأخرى أن الله أمات كثيرون ثم أرجعهم إلى الدنيا للبرهنة على قدرته بغية تحريك العقول الجامدة من الملاحدة والدهريين التي كانت تشكك بقولها (من يُحيي العظامَ وهي رميمٌ ، قل يُحييها الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم).(6) وكأنّ واحد من هؤلاء نظر إلى كثرة عظام الموتى فحكى الله لنا قصته قائلا: (كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه... فلما تبين لهُ قال أعلمُ أن الله على كل شيء قدير). (7) مشكلتنا هي أن كل واحد منا يُريد لهُ معجزة خاصة لكي يؤمن.
أن قضية الإمام المهدي عليه السلام واستتباب الأمن وتأسيس دولة الحاكمية لله كان وراء إرسال وبعث لمئات الألوف من الأنبياء ومثلهم من الأوصياء. وقد ترك الله تعالى للناس أن يحكموا أيضا ويؤسسوا ما شاء لهم من دول وكيانات وتنظيمات وحكومات فكان الفشل حليفهم دائما، لا بل نتيجة لحكمهم القاصر الفاسد كادوا ولمرات عديدة أن يتسببوا بانقراض نوعهم وإبادة جنسهم.
وحكمة قيام بعض الدول العلمانية أو التي تحكم باسم الدين بيّنها الإمام الصادق عليه السلام بقوله: (ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوا على الناس حتى لا يقول قائل : إنا لو ولينا لعدلنا).(
من كل ذلك نحكم بأن الرجعة ضرورية جدا لقيام دولة العدل الإلهي، لا بل لربما تكون من ضرورياتها. وهي مبدأ قرآني ثابت حيث يلوح ذلك من خلال قوله تعالى عن قوم موسى الذين أماتهم الله تعالى بالصاعقة ثم أحياهم: (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم).(9) ومصداق ذلك قوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذي من قبلهم وليُمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا).(10) ففي هذه الآيات جمع الله تعالى كل قواعد و فصول دولة الإمام المهدي عليه السلام : خلافة الأرض من قبل الفئة المؤمنة الصالحة. تمكين الدين. إبدال خوفهم أمان. وتحقق حاكمية الله من خلال عبادته لا يُشركون به شيئا.
المصادر :
1- سورة الأنعام آية: 36.
2- سورة الكهف آية : 47.
3- مختصر البصائر ، الحلي ، الصفحة : 169.
4- البحار ج 36 ص : 53.
5- سورة الأنبياء آية : 105. ومزامير داود 37 : 29.
6- سورة ياسين آية : 78.
7- سورة البقرة آية : 259.
8- بحار الأنوار: ٥٢ / 244، ح 119.
9- سورة البقرة آية : 55 ـ 56.
10- سورة النور 24 : 55.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat