البُعد القرآني لأصحاب الإمام الحسين ؏ في كربلاء
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

في القرآن الكريم مساحة واسعة للذين صحبوا الأنبياء ونصروا حركتهم وآمنوا برسالتهم ، وتحمّلوا في سبيل ذلك ما تحمّلوه .
وتميّز أصحاب وحواريو الانبياء بالنوعية الإيمانية والعزيمة العالية رغم قلّة عددهم ، ولهذا فقد كانوا خير عون واستطاعوا ان يكونوا جزءاً من النجاحات التي حققتها الرسالات السماوية .. وفي المقابل كان الطابع العام لأقوام الانبياء الذين بُعثوا لهم هو الكفر برسالتهم والخذلان عن نصرتهم ، وفي أحسن الأحوال هو ما قاله بنو اسرائيل لموسى ( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) [1]
فنبي الله نوح عليه وعلى نبيّنا سلام الله رغم طول مدة بعثته إلا أن القرآن الكريم يصف عدد الذين آمنوا لدعوته ب ( قليل ) ، قال تعالى ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) [2] .
وكذا بالنسبة لقصة طالوت ، فالذين نجحوا في اختبار تحمّل العطش وعدم الارتواء من ماء النهر يصفهم القرآن بالقلّة ايضا ، قال تعالى ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ .. ) [3] .
وهكذا بالنسبة لحواريي عيسى عليه السلام عندما طلب النصرة ، قال تعالى ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [4] ، وكان عدد حواريي عيسى كما يُذكر اثنى عشر رجلاً .. !
واستمرّ الأمر حتى بعثة خاتم الأنبياء رسول الله صلى الله عليه وآله ، فبعد مرور اكثر من ( ١٤ ) عاماً من الدعوة يصفهم القرآن في معركة بدر بأنهم ( أذلّة ) إشارة الى قلة عددهم وضعف تجهيزاتهم ، قال تعالى ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [5] .
ونفس الشيء مع ائمة اهل البيت عليهم السلام بعد رحيل النبي صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يجد أمير المؤمنين في أحداث انقلاب السقيفة غير أربعة من المسلمين يقفون معه ( سلمان والمقداد وعمار وأبو ذر ) رضوان الله تعالى عليهم .
وعلى هذا السياق القرآني زالتاريخي إبتلى الإمام الحسن ؏ بالخذلان حتى أضطر الى الصلح مع معاوية عليه لعائن الله ..
الى أن وصل الأمر الى الثلّة التي نصرت ابا عبدالله عليه السلام في كربلاء ، والذين قال عنهم عليه السلام كلاماً فضلّهم به على سائر أصحاب الأنبياء والائمة كما يستفاد من إطلاق العبارة حيث قال ( فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ) .
فأصحاب الحسين عليه السلام في كربلاء هم أفضل حلقة في سلسلة أصحاب وأنصار الحق على طول خط الرسالات السماوية والذين طالما أشار وأشاد بهم القرآن المجيد ، تربّوا هؤلاء - أكثرهم - في أجواء ومفاهيم القرآن حتى اختمر في عقولهم وانطبعت عليه نفوسهم .. مثل برير بن خضير الهمداني ، كان ( سيد القراّء ) كما ذكر الطبري وابن الأثير ، و ( أقرأ أهل زمانه ) كما ذكر الشيخ الصدوق ، وكذلك حبيب بن مظاهر الأسدي كان حافظآ للقرآن والذي قال بحقه الامام الحسين عليه السلام حينما سقط في كربلاء ( لِلَّهِ دَرُّكَ يَا حَبِيبُ ! لقد كنتَ فاضلاً تختم القرآن في ليلةٍ واحدة ) . آجركم الله
----------------
[1] المائدة 24
[2] هود 40
[3] 249
[4] ال عمران 52
[5] ال عمران 123
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat