رحلة العيد (١) ((العيد والموت وبناء الذات ))
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

عنوان غريب!! ولكن نحتاج أنْ نتأمل فيه لدقائق معدودات، لعله تنقذنا من حيرة أو ضياع!!
إنَّ مما يلفت الانتباه في خطبة العيد الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنْ تكون أولى وصاياه بعد الحمد والثناء والصلاة على النبي هو *التذكير بالموت؟!!*
*-١-*
وقد يثير السؤال ذلك: أليسَ إنه وقت سرور ونعمة؟!
فلماذا هذا الخطاب، وإثارة موضوع الموت في مثل هذه المناسبة العظيمة للمحبة والأحبة؟!!
نعم قد يثير ذلك الاستغراب والدهشة، ولعله يتصوَّر الإنسان أنه خطاب في غير محلِّه، لولا أنَّ قائله هو الإمام علي "عليه السلام" سيد البلغاء، وباب علم مدينة رسول الله ..
ولكن عند التأمل والوقوف في مراجعة الذات يعرف جزءًا من حقيقة ذلك، وهو أنه عليه أنْ ينظر إلى الغايات، ويسعى لها جاهدًا مجاهدًا ليبلغ مُنَاه، وليس هناك غاية أعظم من لقاء الله تعالى، والفوز بما أعده لعباده، والموت سبيل ذلك اللقاء وعلينا أنْ نجعله نصب أعيننا؛ حتى لا نغفل عن تلك الغاية في أي حال من الأحوال، وكما في الحديث (تحفة المؤمن الموت) ..
*-٢-*
وعلينا أنْ نعلم أنَّ هذا السبيل لا بُدَّ من قطعه يومًا من الأيام شِئنا أم أَبَيْنا (قل إنَّ الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)، وبه تنقطع كل علاقاتنا بأعمالنا، فعلينا الجد والاجتهاد بالعمل والمثابرة قبل وصولنا إلى ذاك السبيل، حيث الندم بضياع كل فرصة من فرص البناء، *فالموت حقيقته هو الدعوة إلى بناء الذات وتنميتها في رحاب الله عز وجل* ..
*-٣-*
فالعيد والعود هو الاستعداد والإعداد على البقاء والثبات بين يديِّ الله تعالى، بصيام شهر رمضان أو الحج حيث هجرة الذات إلى الله، والتنعُّم بلذة الروح في تلك الأجواء بجهاد النفس وهجرها اللذات والشهوات الفانية، والاعتراف لله تعالى بالفقر الحقيقي، فلا غنيٌّ سواه .. ولا سيِّدٌ سواه .. ولا معبودٌ سواه .. فالكلُّ جائعون ينتظرون الإذن بلقمة طعام من سيِّدهم، والكلُّ عطشى ينتظرون قطرة ماء من سيِّدهم .. والكلُّ عراةٌ ينتظرون قطعة قماش تكسوهم من سيِّدهم .. والكلُّ والكلُّ ..
*فالموتُ بناءٌ للذات وعليٌّ "صلوات الله عليه" هو الداعي والمذكِّر بعظمة هذا البناء* .. سلامٌ وتحيةٌ ودعاء ..
وإلى لقاء قادم مع رحلة العيد .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat